هذه ربما تكون المرة الاولى لي لقراءة ادب الرحلات.. الذي اقترح تسميته بحكايات الاماكن..
الوصف التفصيلي في الكتاب جعله اقرب الى فيلم تسجيلي .. فيلم بعيون مهندسة وفنانة وعاشقة.. والعشاق دائما يحبون التفاصيل...والفنانون يجيدون نقل هذه التفاصيل الينا..
المهندسة الفنانة شيدت لنا بناء محكما من حكايات تاريخ باريس ومبانيها الساحرة وتماثيلها المبهرة ولوحاتها المدهشة .. وطعمت البناء باضافة قطع رائعة من الروح المصرية الاصيلة ومن روح غزة الابية.. مصر الحبيبة كانت حاضرة جدا في المشهد وكأنها الشخص الرابع في هذه الرحلة... كمية معلومات في التاريخ والفن مذهلة اعترف انني كنت اجهل اغلبها .. ووصف دقيق ومفصل للوحات والتماثيل جعلني اطيل النظر واعيده مرارا وتكرارا حتى استوعب كل هذا الجمال .. الصور الرائعة المرفقة ساعدت جدا على تخيل الوصف..
الكاتبة مع انبهارها بجمال عاصمة النور لم تغفل ابدا الجانب المظلم منها.. من عنصرية واستعمارية وان جزءا كبيرا من جمالها مبني من انقاض حضارات اخرى نهبتها من تتغنى دائما بالحرية والفن والجمال والحب...
مع كل هذا الجمال الذي اسرني في الرحلة.. شعرت بالغيرة... نعم بالغيرة على كل اثارنا بالخارج..
ان تجتمع فنون وحضارات العالم في مكان واحد هو دليل على اجرام المحتل في نهب حضارات بلاد اخرى من جهة.. ومن جهة اخرى على قهر او غفلة او جهل او جشع اصحاب هذه الحضارات حين نهبت..
ربما هم يقدرون الفن اكثر ولكن هذا لا ينفي انهم لصوص.. ربما لو بقيت في بلدنا لدمرت او شوهت بقصد او بغير قصد... فوجودها عندهم افضل لها ولكن ليس افضل لنا.... هذا امر اوجعني بشدة..
وانه لمن سخرية الاقدار وعبث البشر ان هذا الشعب الذي قاوم لينال حريته من الغزاة ومن ظلم حكامه هو نفسه ظلم شعوبا اخرى وسلبها حريتها وحضاراتها ..
الممتع في الكتاب ايضا الروح العائلية الموجودة في السرد ووجود الطفل الذي اعطى طابعا لطيفا محببا للرحلة.. اعطى احساسا بالونس والدفئ.. وكذلك ذكر الوالد والجد الرائعين الذين رافقتنا سيرتهما في رحلتنا...
الغلاف قطعة فنيه.. متأكدة ان لو كان ورقيا لوجدت فيه الكثير من التفاصيل.. لكن انا قرأت الكتاب على ابجد.. واحضرت الكتاب الاول نسخة ورقية في انتظار ان اقرؤه قريبا...
هذا الكتاب لم يجعلنا فقط نستمتع بالرحلة.. ولكن ايضا جعل كل منا يفتش عن بلورة امنياته التي ربما نسيها في زحمة الحياة .. ويتذكر ما قالته الكاتبة :
" أن الإيمان بالأمنيات هو السبيل لتحقيقها، وأن
البلورات السحرية مهمتها فقط أن تحافظ على الخيال الكافي للإيمان بهذه الأمنيات"
ايقظتي فينا الخيال يا نهى.. ونفضتي الغبار عن بلوراتنا المنسية... وهمستي لنا ان لسا الاماني ممكنة...
امنيتي ان تكون اسطورة باريس كعاصمة للنور والحب والجمال حقيقية... وان يكون هذا النور والحب والجمال في بلادنا ايضا.. وان تتوقف الحروب ويأتي السلام
بحلم وافتح عنيا
على جنة للانسانية
والناس سوا بيعيشوها
بطيبة وبصفو نية...
وبحلم طول عمري اني اعيد تجميع كتب والدي الله يرحمه واعمل مكتبة كبيييرة واحط فيها لوحات جميلة وزرع كتير وورد... واعزم فيها كل الي بيحبو القراية زيي وزيه الله يرحمه..