1️⃣ الموضوع : قراءة نقدية
2️⃣ العمل : رواية " صيد فيل مجنح "
3️⃣ التصنيف : جريمة ـ رعب نفسي
4️⃣ الكاتبة : شيرين هنائي
5️⃣ الصفحات : 176 Abjjad | أبجد
6️⃣ سنة النشر : 2024 م
7️⃣ الناشر : روايات مصريـة
8️⃣ التقييم : ⭐⭐⭐⭐
ـ في زمن قلّ فيه التجريب ، وإن حدث جلب التخريب ، وضنت فيه المغامرة ، وإن حدثت قلبت مقامرة ، في أدب الجنون المعاصر ، بعد خفوتٍ وتقاصر ، تطل شيرين هنائي بروايتها الجديدة "صيد فيلٍ مجنح"، العدد الأول من سلسلة "استغاثة أخيرة"، لتبرهن أنها كاتبة لا تهاب اقتحام المناطق الشائكة ، لتقديم ما يوافق كل ذائقة ، بخيالها تصنع عوالمها ، تتداخل الأخيرة بين العقل والغيب ، بين اليقين والريب ، بين الإجرام والفداء ، وبين الظمأ والرواء.
ـ صدرت الرواية عن "روايات مصرية للجيب"، وتقع في 176 صفحة "أبجد"، جامعةً مانعة ، رقيقة ماتعة ، إذ تجمع بين أدب الجريمة ، والخيال النفسي ، والغموض الحسي ، المرتكز على أسس درامية متماسكة ، وروابط متشابكة .. تمنع من دخول التكرار والخواء ، تصل بك إلى عنان السماء ..
.. شيرين هنائي، التي عُرفت سابقًا بسلسلة "لاشين" ذات الطابع الرعبوي الرائع ، تعود هنا بتجربة أكثر عمقًا في بناء الشخصيات ، وسرد الغرائبيات ، وكشف المبهمات ، واستكشاف البلاءات ، ذلك الشر الكامن في النفس البشرية ، وما قد تفعله في هذه البرية .. بهاء مشوب بغباء ، وسكون يغلفه الجنون ، وقوة في بحار الهوة ، يتشابك ويتعانق كل ذلك ، ويقدم في ثوب المهالك .
ـ بداية من العنوان: الكفيل وحده باستفزاز القارئ ودفعه للتساؤل: كيف يمكن صيد فيلٍ مجنح؟ وما الذي يجعل "الفيل" ـ رمز الثقل والبطء ـ مجنحًا؟ استعارة جريئة تُمهّد منذ البداية لمواجهة نارية بين الممكن والمستحيل ، بين الحاصل والبديل ، بين الجُرم والدليل ، بين ما يُرى وما يُتخيّل ، وهو ما تنسجه الكاتبة ببراعة في متن الرواية.
ـ بطل الرواية هو "يحيى"، كابتن طيار يعمل عند المخرج "فادي" في رحلات عمل ، أو هكذا يُظن .. يمتلك قدرة خارقة: يرى رؤى استباقية لجرائم مروعة قبل وقوعها ، ويشعر بنداءات استغاثة عقلية من الضحايا..!
في إحدى الرحلات إلى روما ، يلتقي بمساعدته الجديدة "مريم"، غريبة الطباع ، دفينة المساعي ، التي يتضح شيئًا فشيئًا أنها ليست كما تبدو ، بل تخفي ماضيًا دمويًا ونزعات سادية دفينة.
يتقاطع مصيرهما معًا عبر سلسلة من الجرائم التي تبدأ كرسائل غيبية ليحيى وتنتهي باكتشاف تورطٍ مريبٍ لمريم..! التوتر يتصاعد مع كل رؤية ، وتُطرح أسئلة حول العدالة، والعقاب، والقدر، بأسلوب تشويقي بارع: دماء، تعذيب، دارك ويب و... و... و...
ـ برعت الكاتبة في خلق ثنائية معقدة بين بطليها يحيى ومريم ، حيث لم يكن أيٌّ منهما بطلًا تقليديًا مكرور المهام ، أو ذلك الوحش الهُمام.
يحيى ليس "منقذًا" كما يوحي دوره ، بل يتخبط في فهم رؤاه ، وتتضارب أفكاره في عالم بناه.
أما مريم، فهي شخصية معقدة بامتياز، تفكر بالجريمة المثالية وتتغذى على آلام الآخرين، ومع ذلك، لا تقدمها الكاتبة بصورة مسطحة، بل تمنحها هامشًا من الإنسانية الخفية، ربما تظهر في الأعداد التالية من السلسلة.
ـ كل ذلك تم بلغةٍ عربية فصيحة ، رشيقة ، تدور بين الانسيابية والقوة والجزالة ، بلا إطناب يُشعرك بالملل ، أو إسهابٍ يُزينها بالعلل ، أو إيجازٍ يُعورها بالخلل ، فتراها تقدم لك وجبة دسمة من اللغة في قالبٍ بسيط ، يوصل لك المراد بأقل الألفاظ والعبارات ، ويصنع مشهديةً متكاملة ، ويستخدم الوسطية وعدم الابتذال في كل عناصرها: من حيث السرد المتناوب بين بطليها، والحوارات السريعة، والتوصيف المشبع، والعرض الممتع، وما شابه ذلك.
ـ لا تقوم الرواية على الجانب التشويقي والتسلية وبث الإثارة فقط، بل هي تناقش مفاهيم فلسفية ونفسية حول مفهوم الجريمة: كيف و متى يصبح الإنسان قاتلًا؟ وهل الجريمة فعل منفصل عن الدافع؟ وما معنى "العدالة" حين تكون الغريزة أقوى من القانون؟
كما تطرق النص إلى أفكار مثل: الإسقاط النجمي، الدارك ويب، والتأثيرات النفسية للعنف والضغط العصبي و..و..
ـ وفي إشارة خاصة تستدعي انتباهًا من الآباء والمربين ، لأنها تفتح نوافذ على مفاهيم قد يُفسرها المراهقون بشكل خاطئ، خاصة في حديثها عن الإنترنت المظلم وبعض مفاهيم الوعي البديل.
ـ ورغم كل ذلك، فإنها لا تُسلمك كل الإجابات دفعة واحدة ، بل تنتهي عند منعطفٍ سردي يجبرك على انتظار الجزء التالي.. وهذا يُحسب لها كسلسلة.
يتجلى ذلك حين تقدم التضاد: حيث الجاني والضحية قد يسكُنان في ذات الجسد ، تتلاعب بتوقعاتك ، وتضرب الحائط بتكهناتك ، وتُصوغ الغموض بالمنطق السليم.
#أبجد
#شيرين_هنائي
#صيد_فيل_مجنح
#مراجعات_محمود_توغان