الشطار > مراجعات رواية الشطار > مراجعة Rudina K Yasin

الشطار - محمد شكري, صبري حافظ
تحميل الكتاب

الشطار

تأليف (تأليف) (تحرير) 4.1
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
5

لا يحتاج محمد شكري في الجزءالثاني من سيرته الذاتية إلى الكثير من التفنّن ليحوّل عيشه مشاهد وسيرته في رواية الجزء الاول الخبز الحافي . ذاك أنه، وهذه مغرداادته، لا يرى الكتابة تنسيقاً وتأليفاً بل شهادة. لكن فلنحذر هنا، فالشهادة عنده ليست راية يرفعها انتصاراً لحق يحدث في الخارج. إنها شهادة على الفوضى الجارفة لحياة لا تعي نفسها ولا تسعى إلى خلاصها.

ثم إنه، وهذا من، لا يحتاج إلى أن يثير خياله وينشّطه. فهو، رجل، سلك في حياته سبلاً يسلكها "الأبطال" عادة في رواياتهم. لا العالم السفلي وحده، العصي على الأدب إلا بالتهويم، لكن العالم المتجمع كله في بؤرة واحدة: بخيره وشره معاً، بعاليه وسافله، بمجده وانحطاطه...

وكما في روايته السابقة "الخبز الحافي"، هو يستعيض بقوة الحياة عن التفنن في الكتابة، وهذا لا يتحصل إلا لمن كان مثل محمد شكري، غائصاً في الحياة متوزعاً فيها، لكن، في الوقت نفسه، يراقبها بعين خفية ساخطة.

هذا، وقد ركزت الرواية على الكيفية التي ولج بها شكري عالم المدرسة لأول مرة، وهو كبير السن رغبة في الانسلاخ من الأمية ومحو الفقر. بيد أن المدير رفض قبوله أول مرة؛ ولكنه في الأخير استجاب لطلب مرسله الذي كانت له علاقة طيبة به.

وتمتاز علاقة شكري بأفراد أسرته بالتنوع والاختلاف إذ يقسو على أبيه الذي كان يسخر منه ويود قتله والتخلص منه، ولا يحب فيه إلا جيبه. بينما علاقة الفتى بأمه أساسها المودة والمحبة والحنان والرأفة. وعلى العموم كان يطغى على هذه العلاقات الجفاء والبرود العاطفي لانعدام الانسجام بين أفراد الأسرة. وكان الكاتب شاطرا صعلوكا يرغب في الحياة، ويقبل عليها بنهم مجوني لإشباع الرغبات الجنسية والغرائز الجسدية ناهيك عن إقباله المفرط على الخمر والحشيش والكيف المخدر وغير ذلك من المخدرات التي كانت يتهافت عليها صعاليك الشمال المغربي إبان استقلال المغرب وانتصار الحركة الوطنية وطرد المستعمر الإسباني من البلاد.

وإن رواية "الشطار" رواية واقعية اجتماعية تصور طبقة الصعاليك والشطار الفقراء الذين لم يكونوا محظوظين في حياتهم ولم ينالوا الحنان الأسري. بل وجدوا أنفسهم في الشوارع يطاردهم الفقر، ويدغدغهم الجوع، وتنهشهم الأمية، ينتقلون من فندق إلى آخر باحثين عن لذة عابرة، ومن حانة إلى أخرى اقتناصا للذات وإشباعا للرغبات الواعية والمكبوتة. ويلاحظ أن الرواية ثورة على الظلم، وسخرية من الزيف الاجتماعي والنفاق الطبقي، والتشدق بالشرف والتمسك بشكل الاحترام لإخفاء الانهيار الخلقي للشرفاء المحترمين(1).

وتتداخل في هذه الرواية مجموعة من القيم المتناقضة كالعبثية والمجون والشبقية والرغبة في العلم والمعرفة. ويمكن إدراج هذه الرواية ضمن التيار الواقعي الانتقادي بمفهومه العام، وفي خانة الرواية الوجودية نظرا لكونها تطرح قضية العبث والحرية وفلسفة القلق والالتزام بالواقع والتحرر الذاتي من إسار التقاليد والتمرد على نواميس الأخلاق ومواضعات القانون وقيم الأعراف والعادات.

وقد استطاعت سيرة شكري "الشطار" أن تضع كاتبها باقتدار على "الخريطة الأدبية كواحد من الذين ساهموا في تأسيس الكتابة الحديثة بشكل عفوي وتلقائي ودون ادعاء بأنه يقدم أي جديد. وهذه العفوية الطالعة من قلب المعاناة والألم هي أولى سمات تلك الكتابة الحداثية الجديدة التي يقدمها لنا محمد شكري في سيرته الجريئة الصادمة. لأن حداثة الكتابة عنده ليست نتيجة رفض الكتابة القديمة، أو ثمرة بحث شكلي أو أسلوبي أو لغوي يستهدف التمايز والمغايرة، وإنما هي بنت الاستجابة العفوية لمتغيرات الواقع، ومحاولة تقديمه في بكارته وكليته وزحمته وحضوره المباشر"(1).

، نصل إلى أن رواية "الشطار" كلاسيكية من حيث البناء، وواقعية من حيث الطرح والمعالجة، وأطبيوغرافية من حيث السرد، وبيكارسكية من حيث الشخصية المنجزة. وهي سيرة تحمل رؤية وجودية أبيقورية قوامها اللذة والمتعة والعبث والمجون. إلا أنها رواية تنتقد القمع والعنف والظلم والتفاوت الاجتماعي والصراع الطبقي والاستغلال، وتفضح المستور، وتكشف المضمر وتعري الواقع المدنس وتناقضات القيم الإنسانية، وترصد الفضاءات الموبوءة المصحوبة بلعنة القدر ولسعات العبث والضياع الوجودي.

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق