انتهيت من قرائتي لهذة الرواية الساحرة بأجواءها العربية الشرقية والفانتازيا التي تجذبك من أول حكاية لآخرها..
لم أقرأ حكايات ألف ليلة وليلة الأصلية ولكن أظن أن لمسة نجيب محفوظ كتب نسخة مُصغرة عنها وأفضل.
خليط من الحكايات العجيبة والعادية والخارقة للعادة في حي من أحياء المدينة التي يحكمها "شهريار" العظيم.. في بداية الرواية يكون مرّ ثلاث سنوات و "شهرزاد" تحكي للسلطان كل ليلة وتنجو كل يوم بفضل التشويق في حكاياتها، إلى أن يقرر السلطان إنهاء سلسلة سفك الدماء وأن يتزوج "شهرزاد".
- الرواية خليط من روح ألف ليلة وليلة مع لمسة صوفية وربما فلسفية، تجد أن الكاتب أراد أن يركز على صراع الإنسان بين الخير والشر ،التواضع والغرور ، الفضيلة والفسوق..
يضع تساؤلًا يصفعك في كل حكاية.. ماذا لو أُتيح للإنسان أن يفعل ما يحلو له بدون عاقبة؟
هل يصمد من يدّعي التقوى أمام إغراء كهذا ؟
-تتجمع الشخصيات في "مقهى الأمراء" من السادة والصعاليك وغيرهم ، يجتمعون ليرتاحوا من عناء أشغال يومهم وتقصي أخبار الحي وما يُشاع في من آخر الإشاعات والحصريات.. يتناقش السادة وينتهز الصعاليك فرصة لفُرجة يدخلون منها إلى عالم الكبار.
ستقابل أسماء روعة في الابتكار 😀
(صنعان الجمالي).. (عُجَر الحلاق).. (قوت القلوب).. (معروف الاسكافي).. (السندباد).. (جمصة البلطي).. (سحلول تاجر المزادات)..
مع اختلاف مقامهم وورعهم ونفاقهم وسُلطتهم تتقاطع طرقهم في مغامرات شيقة.
وغيرهم (سخربوط).. (زرمباحة).. (قمقام).. (سنجام) 😀
+أكثر إسم ضحكنى إسم (فردوس العرّة) 😂😂
-كل الأبطال على اختلافهم تتلمذوا على يد الشيخ "عبدالله البلخي" شيخ الطريقة.. الشيخ في رأيي بمثابة المنبع الصالح الذي يأتي منه الإنسان أو لنقل الفطرة السليمة التي سُرعان ما تفسدها مشتتات الحياة ومُلهياتها.. أو يمكن صوت الضمير الذي يعود إليه الشخصيات عند مواجهة المُحير من الأمور. يمثل الرضا بالأقدار و الزُهد في الدُنيا.
- مع اختلاف طباع الشخصيات شعرت أن الكاتب أراد أن يوصل فكرة ألا يغتر المرء بتقواه، ألا يتعامل مع الناس من منطلق الورع والتقوى ومن مكانة الناصح الأمين والعالم ببواطن الأمور الذي يصدر الأحكام دون تقصي ،دون أن تُختبر تقواه هذة او تذل قدمه في محنة ما..
أراد تجسيد غرور الإنسان عند قدرته على الإفلات من العقاب أو الإفلات من نتائج أفعاله الطائشة ولو لوقت مؤقت.. لكن لو تعلمنا شيئا من هذة القصص فهو أن نهاية غرور الإنسان غير محمودة، وأن كل إنسان سوف يحصد في النهاية جزاء عمله إن كان صالحًا أو فاسدًا.
حتى أتقى الشخصيات مثل نورالدين ذلت ووقعت في حبائل الشيطان.. فلا أحد معصوم من الوقوع في الخطأ سلطانًا كان او عالم دين او سادة القوم او حقراءه.
-شخصية "علاء الدين أبو الشامات" مثلت في رأيي جهاد الإنسان مع نفسه، التفكر والتدبر ومشورة الصالحين قبل إتخاذ أي قرار مصيري.. لكن للأسف هذة الشخصية التي ربما كانت نفسها طاهرة لم تلوث بعد ووجودها في مكان مليء بالشرور والظلم والإغراءات من البشر والجان.. ستكون الحياة لشخصية كهذة بمثابة عذاب متواصل.
فلسفة أن الموت رحمة وليس شيئًا سيئًا.. موت نجاة من موت آخر.
- شخصية (جمصة البلطي).. أكثر شخصية فلسفية في رأيي.. تقلبات الإنسان من السلطة والجاه والتفكير في النفس والمصلحة الشخصية والنجاة من مصائب الدنيا بدون اعتبار لأخلاق أو دين أو عُرف حتى.. مرحلة الغرور والآمان المصاحب للسُلطة وقوة الجسد وكثرة المال ومُصاحبة أصحاب الجاة والمراتب العُليا..
إلى المرور باختبارات و ابتلاءات عِدّة.. فقد كل ما سبق.. أن توضع في اختيار الحفاظ على كل هذا أو الغرق في وحل الذنوب.. شجاعة اختيار الأمر الصحيح.. وشعور الفرحة بالنجاة.. وشعور الحزن والاغتراب..
شخصية تمثل الفرصة الثانية التي يعطيها لك الله.. أتحاول الإصلاح قدر استطاعتك أم تقول كفاني ما هالني من الأحداث و نوائب الدهر؟
ثم التحول إلى الزُهد وفهم حقيقة الحياة والقرب من خالقها.. عدم الاهتمام بالناس وشؤونهم وفي الوقت نفسه تنشغل بصلاحهم.. مرحلة أن تصبح في مجتمعك مجنونًا و أنت سيد العُقلاء.
- أعجبتني رحلات السندباد وما تعلمه منه وأثر هذة الحكايات على السلطان.. إدراك السلطان أن العرش أصبح مُهلكًا له..
التغيرات التي مر بها السلطان هنا من الظلم والتجبر وسفك الدماء.. للتغير الظاهري وإظهار مراعاته لحفظ الأمن وتطبيق العدل وإن كان من وجهة نظره فقط..
إلى مرحلة التفكر والتدبر في أحواله وأحوال رعيته ،وزيادة تأنيب الضمير بما يحُثه على البحث بنفسه والاختلاط مع الناس ومعرفة الحقائق وراء الحكايات التي تصل للقصر.. تغير بطيء على مدار صفحات الرواية من سلطان ظالم إلى آخر يحاول تطبيق العدل إلى رجل بكّاء.. يبكي على خروجه من جنة يتمناها كل إنسان أو ربما هو لا يدري أصلا ماذا يبكي!
في إشارة إلى أن كل مُلك زائل وكل شباب مآله إلى شيخوخة وكل قوة نهايتها ضعف.. وربما كان يبكي كل هذا!
-شخصيات الجان أيضا كانت مميزة ، من مؤمنة عانت من استغلال الإنسان ولا زالت تأسف لحاله ولإهماله نعمتي العقل والروح اللتان حباهما الله له، ومن معاناتها من عدم قدرتها على التدخل أحياناً للإصلاح..
ونوع فاسق يمرح ويتلاعب بالإنسان ، ينصب له المكائد والمصائب ويحصره في زاوية الاختيار بين سيء وأسوأ.. جرّ الإنسان لسوء المصير وتزيين الجرائم والذنوب والزلّات إلى أن يفقد الإنسان بوصلته وينتهي به الأمر خاسرًا.
-رواية جميلة تُقرأ مرات و مرات، قراءتي هذة المرة كانت أفضل وتأثيرها كان أعمق.
وزاد من جمال هذة القراءة مشاركة أعضاء نادي القراءة الأعزاء 😍 والكثير الكثير من صياحهم 😂