يوم غائم في البر الغربي > مراجعات رواية يوم غائم في البر الغربي > مراجعة Mohammed Makram

يوم غائم في البر الغربي - محمد المنسي قنديل
تحميل الكتاب

يوم غائم في البر الغربي

تأليف (تأليف) 3.8
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
4

هذا الحجر من الصوان قبل أن يصبح محورا لهذه الساقية كان دعامة لبيت العمدة بالقرب من النيل. قبل أن يسكن العمدة هذا البيت كان ثكنة للجنود الفرنسيين. و عندما تهدم البيت استولى عليه الجنود الإنجليز و أقامو معسكرا بين جدرانه. و قبل ذلك كان هذا الحجر هو أساس مأذنة المسجد الصغير الذي غمره الفيضان. و كان بناة المسجد قد نزعوه من قلعة أقامها مماليك الظاهر بيبرس و يقال أنهم أخذوها من حصن قبطي قديم كان فيه كنيسة و صوامع و كان الأقباط قد مسحوا كل ما عليه من نقوش فرعونية قديمة و رسموا عليه علامة الصليب التي ما زالت باقية حتى الأن.

كل حجر في بلدنا له حكاية و كل حكاية في بلدنا لها آلاف الرواة. نعرف بعضهم و يطمر طمي النيل و جريان الحياة أكثرهم و لهذا فنحن من سعداء الحظ إذ صادفنا هنا محمد المنسي قنديل ليقص علينا الحكاية. بيد أنها هنا ليست فقط حكاية حجر أو حتى مجموعة من الأحجار و لكنها حكاية تاريخ منقوش على الحجارة و متدثر بها و متلفع بنقوشها لا تهزه ريح و لا يخيفه مرور الغزاة الذين تعاقبوا عليه و تناوبوا خيراته قبل أن ينصرفوا كارهين و مكرهين.

في حكايتنا عائشة هي البطلة و هي في الوقت نفسه مارية فشعبنا لم يعرف أبدا انتماءات دينية و إنما هو انتماء واحد لرب هذا النيل و هذا الوادي لذا كانت عائشة المطاردة من عمها و زوج أمها الطامع فيها و في ميراثها مضطرة لتغيير جلدها و الاختباء في مدرسة الراهبات كمارية لا كعائشة لإخفاء هويتها. و لأن هويتها هي هوية مصر نفسها فقد ظلت تتقلب بين الهويتين و الإسمين طوال الرواية.

و كما تلاشى الحد الفاصل بين الأديان فهو ينتقل معنا في مرحلة تالية ليهدم الجدار السميك الذي بين الرزيلة و الشرف فيجعل عائشة التي كانت تقيم في مدرسة راهبات تصبح نزيلة بيت من بيوت المتعة كما حولها قبل ذلك من العمل لدى اللورد كرومر ممثل الاحتلال الإنجليزي في مصر للعمل في المجلة التي يصدرها الزعيم الوطني مصطفى كامل و كذلك يقلب فؤادها من عشق المثّال المصري محمود مختار لمرافقة مستكشف الأثار الإنجليزي هوارد الساعي لاكتشاف قبر اخناتون.

في المرة الأولى كنتِ الأضعف. الأمر هنا مختلف. ستكونين دائما الأقوى. ميزة لا تظفر بها المرأة إلا في مهنتنا. الرجال يأتون إلينا مستسلمين. يتركون صلفهم و غرورهم على عتبة الدار. يدفعون لنا النقود و يتقافزون أمامنا كالأرجوزات. يفعلون ما نأمرهم به. و في أخر الليل يبكون على أكتافنا و يطلبون منا أن نكتم سرهم و نداري على خيبتهم. أنتِ لست وحدكِ التي تعرضتِ لغدرهم. كل هؤلاء البنات نزفن دمائهن في تلك الغرفة الجانبية. لكن هذا طهرهن من سيطرة الجنس النجس. ربما لا يمكنك الانتقام من الرجل الذي فعل بك هذا .. و لكنكِ ستنتقمين من كل صنف الرجال.

بين التاريخ و الجغرافيا و من خلال المرور بكل متناقضات الحياة يقودنا المنسي قنديل في سراديب ماض سحيق جسده اخناتون بصراعه مع كهنة آمون حول الإله الأحق بالعبادة هل هو آمون إله الحرب البغيض أم آتون الإله الواحد الذي ينشر الضوء و الرحمة و الحياة على العالمين بدون تمييز. يسير قنديل في دروب متوازية و حكايا متلاصقة و إن فصلت بينها آلاف السنوات حتى يأتي للحظة النهاية حيث يختم المشهد الأخير بالباب الذي انفتح و لم نعرف حتى الأن هل كان باباً للخير أم باباً للشر.

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق