الإخوة كارامازوف - الجزء الرابع > مراجعات رواية الإخوة كارامازوف - الجزء الرابع > مراجعة Mohammed Makram

الإخوة كارامازوف - الجزء الرابع - فيدور دوستويفسكي
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
4

أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (23) وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ ۚ وَمَا لَهُم بِذَٰلِكَ مِنْ عِلْمٍ ۖ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (24)

سورة الجاثية

الأب المؤمن بالمادية الذي ليس له حظا من الأبوة إلا أن الله رزقه بالولد و ليس له حظ من الإنسانية إلا شهوات دنسته و دنست من يخالطهم أما الأبناء فقد انقسموا إلى ثلاثة نماذج مختلفة من الخارج متطابقة من الداخل و لا عجب في ذلك فقد كان ديستيوفسكي يصور لنا الإنسان بكل تناقضاته

“الانسان متى جحد المعجزة أسرع يجحد الرب. لأن ظمأه هو إلى العجائب لا إلى الرب. وإنه لكونه لا يستطيع أن يحيا بغير معجزات سيخلق هو بنفسه معجزات أقوى . فهوى . ولو كان متمردا كافرا ملحدا . إلى خرافات سخيفة . تنطلي عليه أباطيل السحرة وخزعبلاتهم.

انك لم تنزل عن الصليب حين دعاك الجمهورإلى ذلك صائحا "انزل عن الصليب فنصدق أنك أنت" . انك لم تنزل لأنك لم تشأ أن تستعبد البشر بالمعجزة. وانما أردت أن يجيؤوا إليك بدافع الايمان . لا بدافع العجائب. كنت تريد أن يهبوا إليك محبتهم أحرارا لا أن ينصاعوا إليك عبيدا أذهلتهم قوتك.”

هل آفة البشر الغباء أم أنه الفضيلة بعينها؟

“ما أكثر الشرفاء عن غباوة..”

لقد طال شرح هذا الموضوع في عدة مجلدات تجاوزت الآلاف منذ بدء الخليقة و لا زالت الكلمة تجري و ستجري أبد الدهر و هذا هو الغباء بعينه أن نسمع و لا نعي و أن نعيا بما نسمع.

“لأن المرء يكون أقرب إلى الحقيقة حين يكون غبيَّاً. إن الغباء يمضي نحو الهدف رأساً. الغباء بساطة وإيجاز. أما الذكاء فمكر ومخاتلة. إن الفكر الذكي فاجرٌ فاسد. أما الغباء فمستقيم شريف. لقد شرحت لك يأسي. وعلى قدر ما يكون الشرح غبياً يكون الأمر أفضل في نظري.”

و منذ أن يصطدم وعينا بالخلق الأول فلا نجد إجابة يقتنع بها عقلنا الصغير لا نجد حينئذ إلا حلا من اثنين لا ثالث لهما .. إما التسليم التام و وضع غلالة على العقل تمنعه من طرق هذا الباب مرة أخرى و إما بذرة التمرد و الشك التي ستنموا إلى أن تبتلعك أو تذبل حتى تذروها الرياح

إن الرب قد خلق الضياء في اليوم الأول. وفي اليوم الرابع خلق الشمس والقمر والنجوم. فمن أين جاء الضياء إذن في اليوم الأول .”

و لأن المؤلف العبقري لم يبخس أي شخصية حقها في هذا العمل الفلسفي الدرامي المبهر فقد كان لكل نصيب من الكفر و الإيمان في كل مرحلة من مراحل الرواية

" إنني لا أقبلُ العالم َعلى نحوِ ما خلقهُ الله. ولا أستطيع الموافقة على قبولهِ رغمَ علمي بوجوده. لستُ أرفض الله. . . افهمني جيدًا. . . وإنما أنا أرفضُ العالمَ الذي خلقهُ ولا أستطيعُ الموافقةَ على قَبوله".

ألا فاعلم أن السخافات لازمة لوجود هذا العالم. ان الكون يقوم على سخافات بدونها قد لا يوجد شيء و قد لا يحدث شيء.

نحن نعلم ما نعلم.

لست أفهم شيئا و لقد أصبحت الأن لا أريد أن أفهم شيئا. أريد أن أكتفي بالوقائع و أن أقتصر عليها. لقد قررت منذ زمن طويل ألا أحاول تأويلها. فلو حاولت أن أفهم إذا لشوهت الوقائع فورا. و أنا أحرص على أن أبقى في الواقع لا أخرج منه.

الإبن الأصغر بطل القصة و محورها يتردد مليا بين الشك و الإيمان و لكنه لا يعرف إلا الحب الذي يقوده في النهاية لمعرفة الرب

إننى لا أعرف الحل لمشكلة الشر. و لكننى أعرف الحب

أما الأوسط فقد استهوته الشياطين في الأرض حتى هوت به من السماء السابعة و ليس بعد السقوط من صلاح

“ان ما من شئ في هذا العالم يمكن ان يجبر البشر على ان يحبوا أقرانهم. و انه ما من قانون طبيعي يفرض على الانسان ان يحب الانسانية. فاذا كان قد وجد و ما يزال يوجد على هذة الارض شئ من الحب فليس مرد ذلك الى قانون طبيعي بل الى سبب واحد هو اعتقاد البشر انهم خالدون. ان هذا الاعتقاد هو في الاساس الوحيد لكل قانون اخلاقي طبيعي. فاذا فقدت الانسانية هذا الاعتقاد بالخلود فسرعان ما ستغيض كل ينابيع الحب بل و سرعان ما سيفقد البشر كل قدرة على مواصلة حياتهم في هذا العالم. اكثر من ذلك انه لن يبقى هنالك شئ يعد منافيا للاخلاق و سيكون كل شئ مباحا. حتى اكل لحوم البشر.”

الإبن الأكبر كان مثالا للشهوة المجسدة كأبيه و لكنه مع ذلك صقلته الألام و اكتوى بنار الحب

“يا رب! اقبلني رغم حطتي. ولكن لا تحكم عليّ. اللهم اسمح لي أن أجيء إليك دون أن أمثل أمام محكمتك... لا تحكم عليّ. ما دمت قد حكمت على نفسي بنفسي.... لا تحكم عليّ. لأنني أحبك يا رب! اللهم إنني خبيث دنيء. ولكني أحبك. وحتى في الجحيم. إذا أنت أرسلتني إلى الجحيم. سأظل أحبك. وسأظل أهتف لك بحبي إلى الأبد. ولكن دع لي أن أحب حبي الأرضي حتى النهاية.. إسمح لي أن اظل أحب. في هذه الحياة الدنيا. خمس ساعات أخرى. إلى أن تطلع شمسك الدافئة.. إنني أحب ملكة قلبي. ولا أملك أن أمتنع عن حبها. اللهم إنك تراني كلي في هذه اللحظة. سوف أهرع إليها. فأرتمي عند قدميها. وأقول لها: لقد كنت على حق حين نبذتيني. وداعا.. إنسي ضحيتك. ولا تدعي لذكراي أن تعذبك يوما”

أما الأب فهو الشيطان نفسه و لا شك

أعتقد أنه اذا لم يكن الشيطان موجوداً . و اذا كان الانسان قد خلقه. فلا شك في ان الانسان قد خلقه على صورته هو.

“يجب أن نعلن بغير تردد أنه ليس يكفي المرء أن ينسل نسلا حتى يكون أبا ‘ وإنما ينبغي له أن يستحق شرف هذا الاسم . أنا أعلم أن هناك رأيا مختلفا عن هذا الرأي . أن هناك فهما آخر لمعنى كلمة الأب . هو أن أبي يظل أبي ولو كان شيطانا رجيما ومجرما عاتيا في حق أولاده وذلك يا سادتي لمجرد أنه أوجدني

!!”

يصهر ديستيوفسكي كل تلك الشخصيات التي تمثل المجتمع الروسي في قمة تناقضاته في منتصف و نهاية القرن التاسع عشر محاولا البحث عن طوق النجاة في الآلام التي ستتولد عنها اللذة و الغفران يوما ما

الإيمان هنا في الرواية يولد من الآلام و ليس من العقل و هو يتأرجح دائما كبندول الساعة و ان لم يكن بنفس الانتظام

“الآلام أنواع : فهناك آلام تخفض قيمتنا أو تنقص قدرنا . كالجوع مثلا . فالناس تحب أن تصدقنا في ما يتعلق بهذا النوع من الآلام . ليجعلوا من أنفسهم محسنين إلينا بعد ذلك. أما إذا كان الألم أرفع من هذا درجة أو درجتين . إذا كان ألما نحتمله في النضال من اجل فكرة مثلا . فإن الناس يرفضون أن يصدقوه. باستثناء قلة قليلة. وهم لا يصدقونه لأنهم حين نظروا إلى صاحبه رأوا أن رأسه ليس ذلك الرأس الذي لابد أن يكون في نظرهم رأس من يتألم في سبيل قضية رفيعة تلك الرفعة كلها. وهم عندئذ يأبون أن يتعاطفوا معه أي تعاطف. دون أن يكون في موقفهم هذا شيء من روح الشر على كل حال”

البشر يحبون الجريمة. جميع البشر يحبون الجريمة. يحبونها دائما لا في بعض الساعات فحسب. و كأن هناك اتفاقا عاما بين الناس على الكذب في هذا الأمر. ما من أحد يحب أن يكون صادقا مخلصا في هذا الأمر. هم جميعا يؤكدون أنهم يكرهون الشر. مع أنهم يحبونه في قرارة أنفسهم.

“ولكن كيف يكون هذا الإنسان فاضلاً بدون الله ؟. إلى من سيندفع..”

في النهاية تأتي وصية إليوشا للأطفال في وداعهم الأخير و كأنها كانت وصية المسيح للحواريين في موعظة الجبل و كأن ديستيوفسكي يقول أن كل منا بداخله مسيح و شيطان يتصارعان. نعم مسيح و شيطان و ليس ملاك و شيطان فالمسيح هنا تجسيد لكل ما في الملاك و الإله و الإنسان من معان و ايحاءات. كما تأتي توبة ميتيا في النهاية و كأنها الأمل في الخروج من النفق التي علقت فيه روسيا آمادا طويلة

كيف يمكنني أن أعيش تحت الأرض بدون الله؟ و حين سيطرد البشر الله من على سطح الأرض سنهتدي نحن إليه في جوف الأرض و نرتد إليه. ان السجين المحكوم بالأشغال الشاقة لا يستطيع أن يحيا بدون الله. و هو أعجز عن ذلك من الإنسان الحر الطليق. فمن غياهب الليل سنغني نحن اللذين نعيش تحت الأرض. سنغني نشيدا حزينا يمجد الخالق ينبوع السعادة و الضياء. تبارك الرب. و تبارك فرحه. إنني أحب الله.

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق