براري الحُمّى > مراجعات رواية براري الحُمّى > مراجعة Rudina K Yasin

براري الحُمّى - إبراهيم نصر الله
تحميل الكتاب

براري الحُمّى

تأليف (تأليف) 3.6
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
5

الكتاب رقم 51/2023

براري الحمى

ابراهيم نصر الله

-كنت عاريا إلا من خوفي، ووحيد حتى حدود الغياب. فبدأت فصلا طويلا من البكاء .وروعني خبر موتي حين يصل للأخ نعمان. على الرغم من عدائي لضحكته المشاغبة. ومن بين دمعين تساءلت : ما لذي ستفعله أمي.

قلت : مازال ينبض.

قالوا بصوت رجل واحد : هذا لا يعني أنه حي

براري الحمى الصادرة عام 1985 والطبعة الثانية الصادرة عن دار الشروق 1992 هي تجربة الكاتب في رمزية عجيبة عندما عمل مدرسا في المملكة العربية السعودية 1976-1978 وبداية الرواية كما النهاية

تبدأ الرواية من حيث النهاية أو تنتهي من حيث البداية وهذا هو ما أراده الكاتب أن يدخل في نفس القارئ وقد نجح شخصية البطل محمد حمّاد المعلم الوافد على المنطقة والذي يتنازعه صراع داخلي بين ذاتين ذات راضخة للواقع وأخرى نافرة منه ، فهي حوار ذاتي بين الاستاذ ونفسه او بين ابراهيم الكاتب وابراهيم الراوي هنا كما فعل في ملهاته فهي صرخة انسانية في مواجهة كل ظروف القهر الطبيعية والمجتمعية التي مرت بمحمد وامثاله وضنك العيش فهي بين محمد الحي ومحمد الميت .

داخل صفحات الرواية :

هنا محمد حماد او ابراهيم المواطن الاردني البسيط الذي يبتعث الى السعودية في بيئة مختلفة عن بيئته وظروف حياة صعبة تختلف عن ظروف حياته فهي نوع من الهلوسات او سرد المتكلم لنفسه بين وافع وهذيان ، لا يوجد تسلسل زمني يوضح يوميات محمد في الرواية، المكان هو جنوب السعودية المحاذية لليمن، في مدن صغيرة موغلة بشظف العيش، فقر وصحراء وحرّ لا يطاق، بشر يعيشون في ظروف حياة قاهرة.

تدور الاحداث حول عملية الفقد وهنا الفقد يتمثل في ظروف مختلفة ( انساني وبيئي وحياة صعبة )،يستيقظ محمد ليجد ان زميله محمد مفقود فهو مبتعث للتدريس في السعودية،و تم فرزه الى مدينة “القنفذة” و”سبت شمران” جنوب السعودية مثله حيث يحملان نفس الاسم ،لقد اذهله عدم وجود زميله، بحث عنه ولم يجده، ذهب للشرطة وأبلغ عن غياب زميله، وعندما سئل عن اسم الزميل اعطاهم اسمه هو اي محمد حماد، وكذلك مواصفاته، لم يتفهم الشرطة هذا التطابق بين الاسمين والمواصفات، لكن محمد حماد مصرّ على افادته فهو مصاب بالحمى المستعرة في راسه والتي اوصلته لحد الهذيان من جو الصحراء القاتل ، هو يعيش في القنفذة معلما وحيدا فيها،.

مكان العمل هو قرية القنفدة وهي قرية صغيرة اهلها قلائل، متكيفين مع طقسها الحار جدا، وفق ظروف الصحراء القاهرة فلا طرقات معبدة ولا مياه نظيفة فقط خيم يدخلها القرود والحيوانات التي تعيش مع اهلها البدائيون يتعامل اهل القرية معه كمبتعث غريب عن القرية سوف يغادر قريبا ، لا طرقات معبّدة بين المدن، سيصل الطريق الى القنفذة بعد سنتين، وسيكون عيدا لكل الناس. الارض رمل لا تخصب، المياه عزيزة وغير متوفّرة، وعندما تأتي الأمطار تأتي على شكل سيول تهاجم كل شيئ ، البئر الوحيد في القرية يبتلع الكثير من شبابه عندما يحاولون ان ينزلوا فيه لأي سبب كان.

يحاول محمد ان يبحث عن المراة ربما تنسيه هذا الجحيم الذي يعيشه جحيم الصحراء القاتلة حيث تتحول المرأة لهاجس وهوى وحاجة ملحّة تهاجم الجسد والروح لكن جاره يعلن الحرب عليه هخوفا على حرمته الصغيرة في العمر مقارنة برجل مسن على حافة قبره.

محمد لا يتقبل غياب الأستاذ محمد الاخر، الذي لن يكون سوى نفسه التي أضاعها في هذا القفر الحار وجهنّم الأرض حيث هو، سيتفهم الشرطة ذلك وسيدفع مالا لاشخاص يريدون دفنه رغم اخبارهم انه حي فيعطيهم مالا ليرتاح من الحاحهم . تعرّف على ابا محمد الرجل المصر على زراعة الصحراء دون كلل، رغم غياب الأمل بأن تنتج تلك الرمال زرعا، سيكتشف ان تلك الديار موغلة في القدم، وعصيّة على الحياة وطاردة لها، سيتعرّف على فاطمة كحبّ مستحيل فتاة من رغبة وغياب، حضورها شبه مستحيل، وحضورها لا يتأكد منه محمد أبدا، سيبقى يعشقها ولا نتأكد من حصول الوصال ام لا. سيبقى محمد مسكون بغياب زميله الذي هو نفسه، مسكون بالحرّ ومحاط بالرمل والغياب، ينتظر حبا مع فاطمة مستحيل التحقق، وغياب التواصل مع بشر يعيسون ضمن بيئة قاحلة موحشة .

الرموز في الرواية كانت عميقة التركيب ممتنعة الحصون وتحتاج للكثير من التركيز وإعادة القراءة حتى ترسب في ذهن القارئ وعليه أن يضع في تفكيره دائما أن الكاتب هنا يكتب نفسه بالرغم من اعلان موته في النهاية لان الحياة في ظل تلك الظروف مستحيلة لكن بإبداع روائي وبمزاوجة السيرة الذاتية والرواية فكاتب لاجئ يأتي بعذاب لجوئه ليعيش عذاب "نفيه" مع اناس غلب بل تفشى بهم الجهل في صدمة حضارية صعبة ، فالكاتب هنا وصف تجربة عاشها المعلمون العرب ، الذين استعانت بهم الدولة السعودية قبل عشرات السنين، لتحاول ردّم هوّة نقص المعلمين عندها، حيث وزّعتهم على قراها ومدنها المبعثرة في صحراء لا ترحم، لكنها صرخة استغاثة انسانية في مواجهة ظروف حياة قاسية، الطبيعة المجرمة بحق البشر، والبشر الساكنين في تخلف موغل في القدم، وبغياب العلاقات الإنسانية السويّة وأهمها الحب، لذلك كانت البداية مثل النهاية غياب الاستاذ عن ذاته ثم اعلان موته فالحياة لم تكن لتستمر وفق هذه الظروف.

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق