الاعترافات > مراجعات رواية الاعترافات > مراجعة Raeda Niroukh

الاعترافات - ربيع جابر
تحميل الكتاب

الاعترافات

تأليف (تأليف) 4
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
4

الجمال الوحشي

الجمال ابن السمو و الفضيلة. لطالما ارتبطت هذه النظرة كلاسيكيا بمفهوم الجمال، هذا عدا عن ربط الجمال بمفهوم الخير، فالساحرات معقوفات الأنف، وببثرة كبيرة تغطي ذاك الأنف المنقاري، وبسنين كبيرين وحيدين أعزلين في فم أدرد تنفرج عنهما شفتان غليظتان رمادتا اللون.. تلك هي صورة الشر وأصحابه التي ارتبطت في طفولتنا.

في القصص والحكايات الكلاسيكية، لابد ولا محال أن تنتصر الأميرة الجميلة ، وحبيبها الأمير الوسيم على كل الشرور، فالجمال لا يرتبط إلا بالارستقراطية و الخير.

والنظرة الحالمة المثالية للحياة تمنحه الأفضلية في التسامي على كل البشر.

لكن مفهوم الجمال فلسفيا خضع عبر التاريخ للنظر من قبل الفلاسفة، فالجميل عند اليونان مبني على التناظر و التناسق الهندسي بين أجزاء تكوينه.

فيما يرى فلاسفة آخرون ان الجمال هو ما يعبر به عن اللامحدود و اللانهائي بالمحدود، و ما يمتزج فيه المادي مع الروحي.

والبعض يذهب إلى ان الجمال هو ما يبعث في النفس اللذة و يستثير الحواس، ارتباط مطلق ما بين الجميل و الجنسي.

بينما يرى سانتايانا ان الجمال قيمة، أي أنه ليس إدراكا لواقع أو علاقة: إنه عاطفة، عاطفة من طبيعتنا الإرادية والتقديرية. لا يمكن أن يكون الشيء جميلا إذا لم يكن يسعد أحدا.

طيب، ما علاقة هذا الكلام برواية الاعترافات ، لربيع جابر؟

كل ما كان يجول في بالي وانا اقرأ هذه الصفحات من روايته ، فكرة " الجمال الوحشي" بمفهومي الخاص عنه، وهاهنا أسقطها على النص الأدبي لا التكوين الشكلي للوحات أو الأشكال.

في هذه الرواية يتحدث جابر بكل جمال السرد و هدوئه، بكل ما يمتلك قلمه من قدرة استثنائية على رسم مشاهد الحرب الأهلية الدموية في لبنان، حرب السنتين، حرب الجبل، الاختطافات، القتل، التصفية الجسدية للخصوم.

يصف كل تلك المآسي التي عايشها الطفل ( مارون) ، الذي تربى في بيت من قتل أهله على خط التماس، ولم يعش إلا لان قاتل عائلته فليكيس، وجد في هذا الطفل الذي ينازع بين الحياة والموت شبها بطفله( مارون) الذي خُطف ووجد لاحقا جثة متخشبة هو و ثلة من الاطفال.

هذه المأساة الوحشية وصفها جابر بجمالية دفعتني للقول: كيف لهذه الفظاعة أن يعبر عنها بهذا الجمال!

كيف امتلك جابر هذه القدرة على وصف كل هذا الموت العبثي دون أن يسقط في فخ نمطية تصوير الحروب، والتي يختنق القارئ في صفحاتها؟

بينما وأنا أقرأ في الاعترافات أجد أن الهدوء الذي يسودها هو ذاته ما أثار في داخلي زوبعة من التساؤلات: من نحن؟ ومن يشكلنا و ما الحد الفاصل ما بين الذكريات و ما نتوهم انه ذكرياتنا؟

رواية حابر ضربت على وتر التشكيك و اللايقين، فالراوي الذي يدلي باعترافاته ليس متيقنا من أي شيء إطلاقا.

وهذه اللايقينية تتناسب مع مفهوم ما بعد الحداثة القائم على التشكك المطلق في كل شيء؛ وهاهنا كان سؤال الراوي : من أكون اذا؟ ان كانت كل ذكرياتي موضع تشكك، وعائلتي ليست هي عائلتي، وابي ليس هو ابي، بل قد يكون هو قاتل أبي و عائلتي، كيف أحيا وأنا لا أعرف عن ماضيّ أبعد من صور و منامات تشوش أحلامي بصور لأشخاص ، وأماكن، وأطعمة، أظن أنني قد التقيت بهم، في حياة أخرى؟

تلك هي الاسئلة التي دفعت الراوي للبحث عن عائلته التي قتلت في حرب السنتين( 1975-1976). في الشرقية.

لكن ، كلما توغل في البحث ابتعد اكثر عن ذاته المعاصرة دون أن يجد لماضيه أثرا.

أعود لما افتتحت به هذا المنشور، وما طرحته سابقا في منشور ( كلهم على حق).

ففكرة ان يكون الجمال وحشيا، اظنها تصلح أكثر ما تصلح في الأدب.

لذا فالتعبير عن القتل والموت و الدمار و المآسي، عن انحطاط المجتمع ، والأماكن القاتمة فيه، لا بتطلب بالضرورة وفق رؤيتي الشخصية أن يحاكي ظلمتها لغة و أسلوبا.

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق