يسمعون حسيسها > مراجعات رواية يسمعون حسيسها > مراجعة Mohammed Makram

يسمعون حسيسها - أيمن العتوم
تحميل الكتاب

يسمعون حسيسها

تأليف (تأليف) 4.4
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
3

الكُتب ذواتنا المُضيَّعة. نتعرّف إليها حينَ نبدأ بتقليب صفحاتِ كتابٍ ما. نعرفها حينَ نبدأ القراءة. تعرفنا حينَ نُنهي القراءة!!

و هذا الكتاب و إن كان قصد به التوثيق للثورة الطلابية الأردنية في منتصف الثمانينات إلا أنه يصلح للتوثيق لكل ثورة و التنديد بكل قمع و تصوير واقع الأنظمة و المجتمعات العربية بكل تناقضاتها و أطيافها الواسعة.

قال لي (سالم): هذه المرأة مجنونة!! قلت له: العشق أكبر من الجنون. والجنون أحد تعريفات العشق حينَ لا تجد ما تعرّفه به إلاّ هو. أرجوك وفّرْ أحكامَك القاسية بعد أن تقع أنتَ فيه!! فردّ عليّ: وهل يجب على الإنسان أن يكون عاشِقًا ليحكم ع��ى الحبّ؟! يكفيه أن يرى أحوال المُحبّين ليشعر بهم!! أجبتُه: واهِم. العُشّاق أنفسهم لا يستطيعون أن يَصِفوا في كلماتهم صدق أحوالهم. تنوب عنهم أحاسيسهم. لكنّ الكلمات كثيرًا ما تخون الأحاسيس.

قصة عشق نعيمة لزوجها الشهيد لم يتم اقحامها عبثا في هذه الرواية و انما لتوصل رسالة لمن ظن التناقض بين أن تثور على من يحكمك و بين كونك وطني مخلص عاشق لتراب هذا البلد. فالشرف العسكري ليس فقط ف�� السمع و الطاعة و التضحية و لكن أيضا في الحب الذي هو أساس كل عاطفة.

الأزمات الّتي تكون مع السّلطة لا حلول لها إلاّ بالثّورة. الثّورة لن تنتظر أحدًا. نحن لا نصنعها. هل فكّرنا بذلك في اجتماع اليوم؟! هل رغب أحدٌ منّا بهذا. هل ثمّة طرحٌ ذَكَرها على هامش الحِوارات. الثّورة يا صديقي لا تُصنع. الثّورة تُولَد. وإذا ما توافرت الظّروف الكاملة لميلادها فإنّ أحدًا على وجه الأرض لا يُمكنه أن يقف في وجهها. نحن مُقبِلون على ثورةٍ حقيقيّة. ستقول: مَجنون. مَعتوه. شَطَّ به الخَيال. الخيال المريض الّذي تُشعله العاطفة الهوجاء. أقول: معك حقّ. أنا كذلك. ولكنّ صفاتي الّتي أتمتّع بها لا تصنع ثورةً. الثّورة تنبثق انبِثاقًا من جوف القَهر والمُمارَسات القمعيّة. وهي بلا شكّ قادِمة لأنّها أتمّت شهورها التّسعة في رَحِم المعاناة!!‬

تشكيل الطيف الطلابي في كل جامعاتنا العربية متشابه جدا و لكنه في الأردن و في تلك الفترة بالذات اختلف قليلا بما تفرد به الأردن من اندماج الشعبين الأردني و الفلسطيني في نسيج واحد متشابك على المستوى الشعبي على الأقل. و لكن الأطياف الرئيسية واحدة و هي التيار الإسلامي بما له من شعبية كبيرة و التيار الاشتراكي المثقف و المنقسم على نفسه و التيار القومي و الليبرالي و يضاف إليهم في الأردن التيارات الفلسطينية التي تعبر عن المنظمات المسلحة كفتح و الجبهة الشعبية و هي في نفس الوقت تنتمي لأيدولوجيات السابقة نفسها.

كثيرًا ما يُتّهم قادة الإخوان بأنّهم مُتواطِئون مع الدّولة. وخاصّة من التّنظيمات اليساريّة. الفلسطينيّة منها على وجه الخصوص. كانوا يقولون: إنّ جلسة قياديّ واحد من الإخوان مع مدير مخابرات سوف تأتي بالمصائب. وتضيّع حقوقنا. يأتي الأب الإخواني ليقول لأبنائه: يكفي ما فعلتم حتّى الآن. عودوا إلى بيوتكم راشِدين. لقد أبدعتم. وآن لكم أن تنتظروا الرأي مِنّا في الخُطوة القادِمة. وحينها يردّ الأبناء: سمعًا وطاعةً يا أبي!! أمّا بالنّسبة لليساريّين فيُتّهمون بأنّهم أفرادٌ لا ينظمهم سِلكٌ واحِدٌ ولا يصدرون عن رأيٍ واحدٍ. الشّيوعيّون أكثر من خمسة أحزاب. وكذلك اللّيبراليّون والعلمانيّون. أمّا القوميّون والبعثيّون فلا ناقة لهم ولا جَمل في الحَراكات الطّلابيّة. يُقال دائِمًا عنهم: أنتم تُشبِهون الفَضلة في الكأس. والبقيّة في الطّعام. تأكلكم الدّولة بلقمةٍ واحِدة. وتستطيع أن تغيّر اتّجاه بوصلتكم حينَ تُلوّح بمنصبٍ واحدٍ على هامش طاولات اجتماعات اقتِسام الكعكة. وكراسيّ الحُكم!!

تنظيم الإخوان هو في الواقع تنظيم شبه عسكري و هو يتحول عند اللزوم لتنظيم عسكري و دولة داخل الدولة له أهدافه و سياساته التي ليست بالضرورة هي نفس أهداف الدولة أو الشعب و من هنا كان مكمن الخطورة. طبعا لا يتطرق الكاتب لهذه النقطة في الرواية و لكن الإشارات عليها كثيرة.

«الرّيشة»: مُصطَلح جديد أنتجتْه أحداث اليوم الثّاني. ويعني مجموعة من التّبليغات. كلّ «ريشة» تحمل تبليغًا واحِدًا فقط إلاّ إذا اقتضت الضّرورة غير ذلك. على هذا التّبيلغ أن يطوف على كافّة كوادر الإخوان إمّا في السّحور أو على صلاة الفجر. والتّبليغ الّذي تحمله «الرّيشة» يُعدّ أمرًا مُقدَّسًا. إذ إنّه يتوجّب على كلّ من تصله تلك «الرّيشة» أن ينفّذ الأمر الّذي تتضمنه بحذافيره دون أن يسأل كيف أو لماذا. ودون أن يُفكّر في العواقب. وهناك (قيّم) للتّبليغات. وهو مسؤول الرّقباء في التّنظيم. يتكفّل بتوصيلها إلى كلّ رقيب. وكلّ رقيب يوصلها إلى كلّ نقيب. وكلّ نقيب يوصلها إلى كلّ فردٍ بما استطاع.‬

الرواية هي توثيقية في المقام الأول بالأحداث و التواريخ و الأماكن و مواقف الأطراف المختلفة لذا غلب عليها الطابع السردي و من الطبيعي أن تشعر بالملل كثيرا أثناء القراءة و خصوصا إن لم تندمج مع أحداث تلك الثورة الطلابية أو كنت بعيدا عن أجوائها. لكنها في النهاية وثيقة مهمة نتمنى أن نرى مثلها الكثير لأحداث تاريخية مهمة كدنا أن ننساها رغم معايشتنا لها و رؤيتها رأي العين.

الإنسان هو الإنسان. في النّهاية قد يضعُف… قد يهتزّ… قد يفكّر بالتّراجع… لكن عندما ترى أنّ هذه الآلاف تقف خلفك. وتقف أنتَ خلفها. وتصدر عن رأي واحدٍ. في تلاحمٍ وتعاضد لم يسبق لهما مثيل. تجد الشّجاعة طريقها إلى قلبك… وحينَها تُلقي الخوف جانبًا. وتواصل السّير في الطّريق حتى ولو كان مُعتِمًا وطويلًا ومليئًا بالأخاديد…!!

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق