موسم الهجرة إلى الشمال > مراجعات رواية موسم الهجرة إلى الشمال > مراجعة Mohammed Makram

موسم الهجرة إلى الشمال - الطيب صالح
تحميل الكتاب

موسم الهجرة إلى الشمال

تأليف (تأليف) 3.5
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
4

غرفة نومي صارت ساحة حرب. فراشي كان قطعة من الجحيم. أمسكها فكأنني أمسك سحابا. كأنني أضاجع شهابا. كأنني أمتطي صهوة نشيد عسكري بروسي. و تفتأ تلك الابتسامة المريرة على فمها. أقضي الليل ساهرا. أخوض المعرفة بالقوس و السيف و الرمح و النشاب. و في الصباح أرى الابتسامة ما فتئت على حالها. فأعلم أنني خسرت الحرب مرة أخرى. كأنني شهريار رقيق تشتريه في السوق بدينار صادف شهرزاد متسولة في أنقاض مدينة قتلها الطاعون.

من أنت أيها المصطفى السعيد. بينما كانت غرفة نومك هي نفسك التي تمور بين جنبيك. كان بيتك هو السودان بذاته.

أدخلتها بيتي. وكر الأكاذيب الفادحة. التي بنيتها عن عمد. أكذوبة أكذوبة. الصندل و الند و ريش النعام و تماثيل العاج و الأبنوس و الصور و الرسوم لغابات النخل على شطآن النيل. و قوارب على صفحة الماء أشرعتها كأجنحة الحمام. و شموس تغرب على جبال البحر الأحمر. و قوافل من الجمال تخب السير على كثبان الرمل على حدود اليمن. أشجار التبلدي في كردفان. و فتيات عاريات من قبائل الزاندي و النوير و الشلك. حقول الموز و البن في خط الاستواء. و المعابد القديمة في منطقة النوبة. الكتب العربية المزخرفة لأغلفة مكتوبة بالخط الكوفي المنمق. السجاجيد العجمية و الستائر الوردية. و المرايا الكبيرة على الجدران. و الأضواء الملونة في الأركان.

المبدع جورج طرابيشي في كتابه شرق وغرب: رجولة وأنوثة: دراسة في أزمة الجنس والحضارة في الرواية العربية يسمي هذه الرواية اسم أخر هو: الجغرافية التي قلبت معادلة التاريخ.

حيث يقول طرابيشي

ان موسم الهجرة إلى الشمال هي قصة هذا النهر. قصة هذا التيار الجارف الذي يحمل منذ هلّ القرن العشرون أفواجا تلو أفواج من بشر الجنوب إلى بلاد الشمال في رحلة جبرية محكومة بقوانين حديدية كنواميس الطبيعة. لأن الشمال منذ هل العصر الحديث لم يعد جهة كغيره من الجهات الأربع. بل أمسى المصب للأنهر جميعا و نقطة المركز لدوائر العالم قاطبة.

يعطي طرابيشي أبعاد أخرى لفهم شخصية مصطفى سعيد من حيث أنه ولد في سنة اجتياح كتشنر للسودان و كذلك شخصيته القلقة المركبة من الحقد و الحب و التي تبدو متناقضة ان نظرنا إليها بعين واحدة و أخيرا طريقة مصطفى الملتوية التي يعبر بها عن نفسه و يقول طرابيشي في موضع أخر:

يروي لنا صالح قصة مصطفى سعيد كرمز لا كشخص. قصته من حيث أنه رأى النور مع الفتح الاستعماري. و من حيث أنه كان أول سوداني يرسل في بعثة إلى الخارج. بل أول سوداني تزوج أوروبية اطلاق.

و هو هنا يقصد أن الإشارة إلى نبوغ مصطفى سعيد في التعليم و تعلمه الكتابة في اسبوعين و التعليم الأساسي كله في سنتين ليست معجزة و لا مبالغة بقدر ما ترمز لوجوب قطع الدول التي تم استعمارها في سنين الطريق الطويل نفسه الذي قطعته الدول الغازية في قرون.

الحقيقة أن تحليل طرابيش للرواية مميز كالعادة و جدير بالإقتباس كله لولا أن المجال لا يتسع لذلك.

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق