ذبابة بشرية > مراجعات رواية ذبابة بشرية > مراجعة Doaa El shamy

ذبابة بشرية - هانز أولاف لهلوم, يارا أيمن
تحميل الكتاب

ذبابة بشرية

تأليف (تأليف) (ترجمة) 3.9
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
4

"ذبابة بشرية".. حكايات الحب والحرب

دعاء الشامي

للوهلة الأولى عندما يمر أمامك عنوان الرواية" ذبابة بشرية" لا يسعك إلا أن تفكر، ماهي تلك الصفة التي قد تحول الانسان إلى مجرد حشرة، تحوم حول بقايا طعام متعفن أو قمامة على قارعة الطريق، تطن وتأبى أن ترحل..؟

لكنه بالطبع عنوان جاذب.. ولا يتركك الكاتب طويلا تفكر بل يعطيك أول الخيط ليسحبك داخل عالمه فتعرف ما يمكن أن يعنيه ذلك عن قرب عبر حكاية كل بطل من أبطاله..!

يأخذك المؤلف النرويجي "هانز أولاف لهلوم"، إلى عالم ربما لم تصلنا منه حكايات غزيرة، إلى دنيا الحرب العالمية الثانية في النرويج، إلى تجارب حياتيه ومشاعر إنسانية متأرجحة بين المحبة والانتقام لتتعاطف مع أصحابها وتلعنهم في آن...!

خلال جولته المشوقة التي تخترق أسرار عمارة سكينة استيقظ سكانها في صباح أحد الأيام ليجدوا بطل مقاومة نرويجي مقتولًا في شقته، ووفقا للأدلة التي يجمعها مفتش المباحث الشهير"كولبيورن كريستينيان" أو "k2" ومساعدته الشابة المقعدة" باتريشيا" التي تعشق فك ألغاز القضايا الصعبة بعد فقدانها القدرة على الحركة.. يخبرنا أن القاتل محصور في سكان البناية..

وخلال تلك الرحلة نتفاجأ بأن كل ساكن تربطه علاقة بشكل ما مع المقتول، وعليك أن تكتشف كيف يمكن للإنسان أن يخفي ماضيه بذات القدر الذي يمكنه أن يتنفس، ولكن لفترة زمنية تجعله يخرج من الشك ولو مرحليا..

يدور الكاتب خلال ما يزيد عن ستمائة صفحة في قالب بوليسي متقن الحبكة والتمويه؛ ففي كل فصل يجعلك تجزم أنك تعرف القاتل ثم يعود أدراجه لنقطة البداية؛ فتحتار معه في تحديد هوية الكائن المنشود، بذكاء ونضج كاتب بدا أنه تربى على قراءة روايات أجاثا كريستي لكنه لا يقلدها بل يترك بصمته الخاصة في طريقة إكماله للصورة.. وإن كان السرد لديه طويلا في بعض الفصول..

هل تخيلت أن تكون "ذبابة بشرية"؟؟

جاءت شخصياته كتلك الفترة التي حكى عنها منذ عام (1940 إلى 1968) رمادية، ناسها خائفون من البوح، يكتمون ما استطاعوا قلقا أو تحسبا لأي مخاطرة.. مستخدما اللمسة الإنسانية يجعلك فردًا من العالم وقتها، فتجد نفسك لا تملك إلا أن تتعاطف مع هؤلاء الأبطال القتلة منهم والمقتولين.. الضحاياوالمذنبين... بل ربما تتخيل نفسك ذبابة ولا تستاء من ذلك...!

ولكن الأهم هنا كيف مزج بين القصة التاريخية للاحتلال النازي والحرب والتحولات الإنسانية التي ربما تجعل طفلا يقتل ومقاومًا يقوم بتصفية من يحميه ويفر هربا.. لتكتشف حقائق أكثر عن أحوال اللاجئين وقصص أبطال المقاومة، عن الخوف والتضحية.. القتل والمخاطرة.. التسامح والتفهم.. المغفرة والأنانية.. عن المال والسلطة.. وغيرها من المشاعر الإنسانية العالمية لكنه خصصها هنا عما حل بالنرويجيين خلال سنوات الحرب من دمار وتشويه..

الابتعاد عن القاتل الحقيقي إلى اللحظات الأخيرة كانت التقنية التي اعتمدها لهلوم، فهو الذي جعلنا نستبعد شخصا بعينه لظروف رسم شخصيته، ليفاجئنا بأنه يحمل طلسم فك الأسرار بربط ذكي ومشوق بين الماضي الذي لم يغادر "هارالد أوليسين" القتيل بل ظل يحوم حوله ليحيلنا هنا إلى المعنى الذي قصده من العنوان "الذبابة البشرية" التي تحوم حول الطعام.. وكذلك يفعل ذلك الانسان الذي يحاكي سلوكها، فيبحث عمن آذاه وترك وجعا في حياته ويظل يدور في فلكه غارقا بين الانتقام أو محاولة المغفرة.. تاركا حياته في مهب مشاعر ملؤها الغضب ليختار في النهاية طريقا ما بينهما..!

هذا التكنيك مستخدم بكثرة في مثل هذه الروايات، لكنه نفذه بتميز روائي غامض مع كل حلقة من حلقات السرد، ربما اكتسب هذه المهارة من شهرته في لعب الشطرنج ذلك الذي يعتمد على خطة محكمة ونقلات ذكية غير متوقعة..

بنهاية الرواية ربما تجد شرحا للسبب الذي دفعه للكتابة عن تلك الفترة، وتوضيحا للإهداء في صفحاته الأولى وهو تخليد لدور عمته الراحلة "داجمار لهلوم" التي قدمها على أنها ذبابة بشرية وعميلة مزدوجة وقت الحرب.. ولا يتركك تمضي هكذا بعد ا[حار هنا وهناك، مع مخاوفه وأمنياته؛ بل يجذبك إلى عمله التالي بترك بضع صفحات تشجعك على البدء فورا في تصفح مغامرته الجديدة..

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق