عند قراءتي أول مرة لكاتب معين، لا أبدأ في الغالب بآخر أعماله وإنما أتدرج من أولها وصولاً إليها ؛ وذلك لأنني لا أبحث في عالمه الأدبي عن نضج القلم وتختر الأفكار وإنما عن هويته وعفويته التي تقدمها أولى الأعمال والتي بمعرفتها سيسهل علي بعد ذلك متابعة ما سيكتبه ونقد تطوره أو تأخره .. إلا أنني هنا كسرت القاعدة وضربت بها عرض الحائط طوعاً لإعجابي بنبذة الرواية التي أثارت فضولي الذي لن تسكته سوى آخر صفحاتها .. والحق أنني لم أندم على قراري هذا ..

الرواية متكاملة الأركان ومتينة البناء .. يعلم القارئ في بدايتها أنه أمام جثة وستة متهمين ومحقق لابد له من أن يصل إلى الحقيقة في الأخير .. تقسيم العمل كان ذكيا وسلساً للغاية والانتقال بين الفصول الذي تأرجح بين الواقع الآني وسرد قصة كل واحد من المتهمين كان مميزاً ودقيقاً، وهنا وجب الإشادة بأسلوب الكاتب المباشر الذي لم يعتمد على كثرة الوصف والتمطيط في الأحداث، بل قدم للقارئ ما يحتاجه فقط دون زيادة أو نقصان وترك له مطلق الحرية في تبني موقف من المتهمين، والحقيقة أنه نجح في ذلك دون عناء أو مجهود؛ فمع قراءة الرواية والتعرف على أسرار المتهمين يجد القارئ نفسه أمام مشاعر متضاربة من التشفي، الشفقة، الخوف، البغض، الترقب، النشوة، الاستمتاع وغيرها...

النهاية وإن لم تشفي غليلي كقارئ صدق الأحداث وتعايش معها ومال بفطرته لضرورة تحقق العدل وانتصار القدر إلا أنها تطفئ لهب فضولي وتشبع وعيي الأدبي الذي ما كان ليرى لهذا العمل - أدبياًّ وفنياًّ - أفضل من هذه النهاية القوية ..

سعيدة بدخول عالم الكاتب أول مرة، والأكيد أنني سأزوره مرات أخرى...