مَنّا : قيامة شتات الصحراء > مراجعات رواية مَنّا : قيامة شتات الصحراء > مراجعة Halima Belarbi

مَنّا : قيامة شتات الصحراء - الصديق حاج أحمد
تحميل الكتاب

مَنّا : قيامة شتات الصحراء

تأليف (تأليف) 3.7
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
4

مراجعة رواية "منّا : قيامة شتات الصحراء"

عندما توثّق الرواية الأحداث التاريخية

يقول ألبرتو مانغويل في كتابه المكتبة في الليل : " كل قارئ يُوجد كي يضمن لكِتاب معين قدرا متواضعا من الخلود . القراءة بهذا المفهوم هي طقس انبعاث."

تماما مثلما تبعث الكتابة الروح في القصص و الأساطير و الأحداث التاريخية ، يُولَد الكِتاب مع كل قارئٍ من جديد .

قراءتي لمَنّا كانت أشبه برحلة زمينة في أرض ألِفتُ جغرافيّتها ووقعت في حب تفاصيلها. كانت تجربة تتخطى مستويات قراءة الرواية المتعارف عليها إلى غوصٍ في عالم الصحراء الغني جغرافيًّا ، تاريخيًّا و أنثروبولوجيا.

أبطال بوجه واحد

رواية "مَنَّا" جاءت باسم تارقي يعني بالعربية "الجفاف" رواية تاريخية ،اختار كاتبها الأستاذ صديق حاج أحمد الزيواني مسارا متوازِنَ الأحداث ، بدأه بنُزوح البطل و عائلته و سكان القرى المجاورة من شعب الأزواد عن الأرض التي ألِفوها نحو المجهول بسبب جفافٍ و جذبٍ ضرب الأرض و السماء ، تلَقفتهم بعدها مصاعب الحياة لترميهم في حِجر حُلمٍ أصبح مع الوقت هاجسا لن يتخطّوْه أبدا.

سُردت القصة في أغلبها على لسان بادي ، يستبدله الكاتب أحيانا بالراوي العليم ، و في أحيانا قليلة يُعطي قيادة دفة السرد للشخوص الثانوية كعلواته .

تركتْ شخصيات الرواية بصمات واضحة و مهمة ، ماكان للقصة أن تنساب لولاها ، لكنها كانت بصماتًا ضحلة .

لم يظهر عمق شخصية البطل و لا ملامحه النفسية ، كذاك الأمر بالنسبة للشخصيات الثانوية . أَوّلتُ ذلك لرغبة الكاتب في ابراز بطولة شعب الأزواد كله ، و عدم إلحاق صفة البطل بفرد واحد . كما أن لهذا الشعب خصوصيته التي يتقاسمها أهل الصحراء قاطبة وهو انتماؤهم لغلاف نفسي واحد.

‏رواية توثق التاريخ

نسج الكاتب قصته حول قضية جفاف 1973 الذي ضرب شمال المالي لتتجلى لنا الصورة كاملة فندرك أصل اشتعال فتيل ثورة الأزواد. حيث ربط خيوط هذا الحدث التاريخي /الجغرافي بالمعترك السياسي الذي كان يدور آنذاك في مناطق كثيرة من العالم ، شاءت الأقدار أن يُزج بشباب الأزواد اللاجئين فيه مُقابل تحقيق الحُلم/الهاجس. يُحسب للكاتب أنه بروايته هذه كان سبّاقا لتوثيق معاناة هذا الشعب الذي ظلمته الطبيعة قبل أن يكذب عليه القذافي و تُحاربه المالي و فرنسا.

وجبة معرفية

يصف الروائي الاسباني ألبرتو فاثكث فيكيروا شعب الطوارق بأنهم " الشعب الأكثر نُبلا و أسطورية فوق الكوكب " ، شعب تماهى مع البيئة التي يعيش فيها و مع الانسان الذي يقاسمه هذه البيئة .

اشتهرت في الأدب العربي أعمال الروائي ابراهيم الكوني التي جعلت الانسان التارقي موضوعها المحوري ، لكن الزيواني في "منّا" جمع شتات الصحراء و أبرز اشتراك كل الاعراق في المصير نفسه عندما تجور الطبيعة و الغريب معا عليهم.

شعب الأزواد قسمته الاثنولوجيا بين تارقي و عربي ، لكن جمعهم الوطن الذي يتأرجح على سنام جمل ...

تكرر ذكر مشهد الجمل هذا في اكثر من موضع في الرواية ككناية على ضبابية مستقبل شعب الأزواد ، و أظنه الرمز الاساسي الذي أراد الكاتب ايصاله ما وراء النص.

خصوصا أن المشهد نفسه ظهر في الفيديو التصويري لأغنية "تينيري تقل / ماذا حدث للتينيري" لفرقة تيناريوينن : جمل يتأرجح على سنامه كل ما يرمز لشعب الأزواد. و هذا يدل على تأصُّل هذا الرمز في الذاكرة الأزوادية.

روواية "مَنّا" وجبة معرفية حُمّلت بالرموز لتليق بأسطورية الصحراء و شعبها ، أذكر منها تربيعة الشاي في الفصل الأول التي ذكرتني بلوحة دافينشي "العشاء الأخير " ، وجبة أخيرة يتقاسمها بطل القصة و أسرته قبل الهجرة إلى المجهول.

تكرر مشهد التربيعة في مرات عديدة ليعبر عن طقس روحي ، متنفس للانسان الصحراوي في بيئة قاسية و صعبة التوقع.

ظهر أيضا شاش البوكار الذي تقاسمه الاصدقاء الازواديين (عرب و طوارق) في المعتقل الاسرائيلي كرمز عن اشتراكهم في الهوية و المصير .

في الأخير حلم بادي و عودة الجمل الذي يحمل الوطن على سنامه ، و الذي جسد نهاية مفتوحة لكلٍّ من العمل الأدبي "منا" و لقضية الأزواد.

لغة تُقصي لَفيفًا من القراء

قبل الحديث عن لغة الرواية وجب التنويه أن الكاتب الأستاذ صديق حاج أحمد الزيواني أستاذ لسانيات في جامعة أدرار الجزائرية ، و رئيس مخبرالبحث في سرديات الفضاء الصحراوي . اشتغاله في مجال البحث الأكاديمي يُخول له اللعب بتقنيات السرد على أعلى مستوى .فقد اختار لسرد "مَنّا" لغة عربية قديمة ، التمستُ فيها -حسب معلوماتي القليلة جدا- منهج المدرسة الكوفية في تطبيق قواعد النحو على لغة السرد ، اضافة إلى الكلمات التي استعارها من لغة الطوارق "التماهق" و من اللهجة للحسانية و كلمات أخرى " مبلولة في حوض الفرنسية " كما قال . كل هذا يُصعّب عملية فهم النص على القارئ العربي ، ولو إني التمست له عذرا مرة أخرى و هو أن منطقة الصحراء اشتهرت بالزوايا ، و هذه الأخيرة تعتمد على أمهات الكتب في تعليم طلابها اللغة العربية . و بالتالي العربية التي يألفها أهل الصحراء هي بلا شك نفس العربية التي كتب بها الزيواني "مَنّا" .

ولادة معاني جديد

تعيش القصة فينا كقُراء أكثر من عيشها في الكتب ، رغم أن دفتي الكتاب تجمعها و تضمن لها الخلود-نوعا ما- ، لكن القارئ يبث فيها الحياة ، يضمن لها حيوات تتجدد بتقدمه في السن و تنوع التجارب التي يمر بها.لهذا السبب اهتم ألبرتو مانغويل بفعل قراءة الكُتب أكثر من كتابتها.

جعلتني مَنّا استكشف بُعدا آخرا للصحراء التي زرتها ، و التي قرأت عنها في كتب الكوني و فيكيروا . تعرفت أكثر على شعب الصحراء و على رابطة الانسان بدوابّه و أرضه ... علمتني أن ضرب الجذور في رمال الصحراء صعب ، بل مستحيل في بعض الأحيان.

كُتِب على شعب الأزواد أن يعيشوا في أرضهم بلا جذور ، حتى اشعار آخر.

Facebook Twitter Link .
6 يوافقون
اضف تعليق