مَنّا : قيامة شتات الصحراء > مراجعات رواية مَنّا : قيامة شتات الصحراء > مراجعة heba alzahar

مَنّا : قيامة شتات الصحراء - الصديق حاج أحمد
تحميل الكتاب

مَنّا : قيامة شتات الصحراء

تأليف (تأليف) 3.7
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
4

اسم الرواية: منّا: قيامة شتات الصحراء

المؤلف: الصديق حاج أحمد

سنة النشر: ٢٠٢٣

دار النشر: دار الرواية للنشر والتوزيع والطبع

بدأت الرواية مباشرة في قلب الحدث، بنقل جيد جدًا لحالة القحط والجدب، ومحاولات إيجاد الطعام، والهزال الذي طال الماشية، والرحيل الحتمي إلى الجزائر، وضرورة الهروب من الموت القادم إلى الشمال، "بالمختصر المضغوط: الحياة أمست لا تطاق هنا".

بصفتي قارئ، وجدت نفسي مباشرة في قلب الصحراء، مع مفردات صعبة لا أفهمها، ونقلة مباشرة من الترحال إلى المعتقل دون فهم للأحداث، حتى ظننت أن شيئًا ما فاتني من الترجمة، لكن هذا الاقتباس دفعني إلى المواصلة: "ليس أشد على المرء من مغادرة مضارب طفولته قهرًا"؛ فلنعطها فرصة أخرى ولنكمل.

تلى ذلك عناء من أجل البحث عن فرصة عمل، ونقل إلى المعسكرات لم يكن له تمهيد، بالإضافة إلى محاولات التماهي مع باقي الرفاق المختلفين في اللهجة، وإسرائيل.. ماذا أتى بها هنا؟!

تكرر ذكر معسكر "٢ مارس" دون ذكر سبب التسمية أو علاقته بالأحداث. بحثت فوجدت سر التسمية يعود إلى ذكرى إعلان قيام سلطة الشعب، بقيادة معمر القذافي في ١٩٧٧.

كل هذا الغموض اتضح لاحقًا، لكن بسبب اللغة والتنقل بين الزمن والكلمات الغامضة، تتداخل الأحداث وأسقط في التعجب، حتى تنفك الطلاسم لاحقًا مع استمرار السرد.

كان من الممكن السرد بطريقة أبسط وسلاسة أكبر، حتى يشد القارئ للمتابعة دون ملل.

يخفف من هذا التخبط في الأحداث صور إنسانية ووصف جميل، مثل: "إن لم يستهزأ بي غربال الذاكرة المثقب بأوجاع منّا..." و"طقس الشاي المبجل" بعد الصيام عنه بسبب الفاقة.

استخدام لغة مغرقة في المحلية أفسد الاستمتاع بأجزاء كثيرة من الرواية؛ صفحات كاملة تُعاد قراءتها أكثر من مرة، في محاولة للفهم وتجميع شتات المعنى. كما أن إبدال الحروف جاء عسيرًا مع شرحه ضمن كلمات غير مفهومة بالأصل، جعلها في كل الأحوال أشبه بالطلاسم.

هل التركيز على اختلاف اللهجات بين العرب، وتأكيد اختلاف المعنى والمقصود حتى في أبسط الكلمات، مقصود من المؤلف؟

في كل الأحوال قصص الحب لا تحتاج إلى ترجمة، ومهما كانت الظروف المعيشية في الرواية، فقلوب الأحبة لا تعرف الحزن والجزع، سواء وقت الترحال أو في البعد والفراق. فنتابع قصة حب ناعمة تليق بحياء البادية، ونتلمس أخبارها طوال فصول الرواية على استحياء، ما يعطي للرواية إحساسًا جميلاً.

ينقل المؤلف الحديث بين الراوي تارة وبطل الرواية تارة أخرى، دون تلميح أو تنويه أو فواصل، فأشعر بالخلط، حتى اعتدت هذه الطريقة على مدار الرواية.

تعرفت على الأبطال تدريجيًا، حتى أن أعمارهم ووصف ملامح الشخصيات لم تأتِ في البداية، لكن تعرفت عليهم جميعًا واعتدت صحبتهم خلال الرواية.

وإن كانت النهاية جاءت دون الإجابة عن تساؤل: ماذا حدث لأسرة بادي؟

بعد عدة فصول أنغمس في الأحداث تمامًا، بحرفية المؤلف والوصف الدقيق للأحداث.

وتتضح الفكرة:

تحكُّم السياسة في أحلام الأقليات وأبناء البادية، والزج بهم في حروب لا ناقة لهم فيها ولا جمل، اللهم إلا وعود القذافي لهم بالوطن، كما وصفها بـ"مهلوسات القذافي المُركَّزة".

نستكمل الرواية مع وصف مشقة الطريق في رحلة الذهاب إلى معسكرات ليبيا، مع توثيق متميز وكتابة متماسكة جدًا، ونقل دقيق مدعوم بالتفاصيل بين الطعام ووعورة الطريق وصحبة السفر، والتنقل من الرعي إلى العمل بالمخبز، والعودة مرة أخرى إلى الرعي.

ونكتشف من خلال السرد والمواقف جانبًا من طباع رجال الصحراء، إذ لا يستطيعون البقاء في النعيم طويلاً. ولا يتركك الكاتب في الحيرة، فينبهك "ألا تتعب نفسك في التأويل". يتضح أيضًا في أثناء السرد العديد من طبائع رجال الأزواد والتوارق، من صلابة وصمود وإصرار على بلوغ الحلم، والكرم والحكمة والنزاهة، وتقديسهم للوعد والكلمة، حتى وإن كان هناك ما يشير إلى أنها "سمكة أبريل"، التعبير الذي استعاره الكاتب من اللغة الفرنسية (Poisson d'avril)، والمقصود به كذبة أبريل أو ضحية أبريل.

ويعرج بنا المؤلف خلال الأحداث إلى أحوالهم في معتقلات إسرائيل، وما بها من أفاعيل في تعاملاتهم مع العرب ووسائل القهر والتعذيب، ومحاولات المعتقلين العرب للتغلب على ذلك، بابتكار وسائل التسلية والترويح عن النفس والصمود في وجه هذا الظلم.

شيئًا فشيئًا أتوحد مع هؤلاء المبشرين بجنة الوطن، خلال رحلة التحضير لقيام الدولة الأزوادية. ثم تحولت الرواية إلى رعب..

أن تؤخذ عنوة وبقسوة من مدرجات الدراسة، إلى حرب لا تفهم عنها شيئًا، بدعوى حملات التشجير. أن تعيش حلم الوطن والأرض، ويعبث بأحلامك آخرون لهم أطماع أخرى. أن تترك أهلك وعشيرتك لسنوات دون تواصل أو اطمئنان، ولا تعلم عن أحوالهم شيئًا. أن تصير حياتك سجنًا من معسكر إلى معسكر، بين التردي والنعمة، حسب هوى وهوية السجان.

حين قاربت الرواية على نهايتها واشتدت مأساة التوارق بين السجون والتعذيب، أدركت مراد الصديق حاج أحمد في تأريخ الأحداث وتوثيقها بهذه اللهجة الخاصة، فهو ربما يريد لأبناء الجيل الجديد منهم ألا ينسوا تاريخ الأجداد، بواقعه، بلغته، بتعبيراته؛ أراد أن يترك لهم وثائق ورسائل خاصة بهم، تذكرهم بالقضية وكفاح الأجداد، وبمأساة حدثت لقبائل بدوية مرت بالأهوال، من الجفاف إلى ثورة الغضب والاستغلال الفرنسي، والتعذيب والتنكيل من الحكومة المالية، وفاتورة باهظة دفعوها بسبب نزوات القذافي، والوعد الدائم بالحلم الضائع بالوطن الجديد وفردوس القذافي المفقود.

وفي النهاية.. وجدت أنني أُقدِّر جدًا أن الكاتب استخدم اللغة الخاصة بهم، وهذا حقه وحق الأزواد، ومفتاح للبحث بعد التوثيق الهائل الذي قام به المؤلف، ودور القارئ في استكمال البحث عما حدث للتوارق بعد ذلك.

وأشكره على تمسكه بحلم الأجداد، وتسطيره لهذه الرواية الوثائقية، فهذا حقهم تمامًا، وفرصة للقارئ أن يطلع على مناطق أخرى وعوالم لا يعلم عنها شيئًا.

وكما ذكرت أبجد: إنها فرصة للخروج من المناطق الآمنة للقارئ.

حين بحثت عن الرواية ودار النشر، عرفت بوجود صعوبة في التوزيع، وأن الرواية برغم فوزها بجائزة البوكر فإنها تعاني من التوزيع، فهي نقطة أخرى تؤكد هذا البُعد والاغتراب.

والحق أقول: دون مسابقة أبجد، لم أكن سأبحر في هذا العالم.

قراءة صعبة ومجهدة، لكنها ممتعة في النهاية، فليس كل ما هو ممتع سهلاً.

Facebook Twitter Link .
2 يوافقون
اضف تعليق