سنوات الجري في المكان > مراجعات رواية سنوات الجري في المكان > مراجعة عمر الحمدي

سنوات الجري في المكان - نورا ناجي
تحميل الكتاب

سنوات الجري في المكان

تأليف (تأليف) 4.2
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
3

الرواية جيدة، بل بارعة، لون جديد من السرد وأحداث مرتبطة بالواقع، وأعتقد أن أحد أسباب انتشارها وحب القراء لها هو ارتباطها بالواقع المصري وثورة 25 يناير، فهي مقطوعة نصية حزينة، بل كئيبة، بل تشعر وكأنك تقرأ لأحد أعمدة الفلفسة العدمية، فيخيل إليك أن الرسالة التي تريد أن توصلها إليك أن ..(لا فائدة في شيء) و (لا معنى لشيء) لذلك هي -وإن كانت تربط الشخصيات ببعض الأحداث الواقعية- غير واقعية، فلا يمكن أن يكون العالم الخارجي والداخلي (داخل النفس البشرية) بتلك السوداوية والكآبة والحزن.

.

أعترف أنها بالنسبة لي لا تشبه شيءً مما قرأت (وأنا مقلٌ في قراءة الروايات أصلاً)، لذلك فهي مشوقة من هذه الناحية، لكنها مملة من ناحية أخرى، لأن الـ 260 صفحة كان يمكن لها أن تصبح 160 صفحة بدون أن يحدث خلل في بنية الرواية أو جرعة التشويق، وأعتقد أن أحد أسباب الـ(تطويل) أن الكاتبة أرادت أن تربط الشخصيات بالحواس (ألوان وأذواق وروائح) لذلك فقد أكثرت من التشبيهات التي كنت أجدها ذكية في مواضع، ولا معنى لها في مواضع أخرى.

.

لم تعجبني الرواية في محاولتها تمرير بعض القيم الفاسدة، فقد أوردت مشهدًا عاطفيًا جنسيًا مثيرًا لم يكن له داعٍ، لكن المشكلة أن هذا المشهد تم خارج إطار الحياة الزوجية، ثم تم تصوير الحياة الزوجية لنفس الشخصيات وشخصيات أخرى على أنها إما مملة وكئيبة، أو غير ناجحة، وكأن الرسالة التي تختفي بين السطور أن الحب والمتعة يكمن هناك خارج هذا الإطار، وأن الزواج هو بوابة الكآبة والحزن والــ(عدم).

.

لقد ارتبطت الرواية بأحداث ثورة 25 يناير وسلطت الضوء على خيبة الأمل الكبيرة التي منيَ بها الشباب، ثم حاولت أن تربط كل تلك السوداوية والعدمية التي اجتاحت جميع الشخصيات و 95% من أحداث الرواية بخيبة الأمل تلك، ويبدو أنها -بوعي أو بدون وعي- قد رسمت صورة أخرى لأسباب تلك الحياة السوداء التي لازمت الشخصيات، فالمشكلة الأساسية لم تكن فشل ثورة أو تحولات سياسية، بل المشلكة أعمق من ذلك، إنها عدم وجود غاية أسمى من الحياة، فبوجود تلك الغاية المتجاوزة تصبح الحياة مجرد وسيلة لتحقيق ما هو أعمق وأبعد وأسمى، لذلك فحين قامت الثورة، تعلق بعض الشباب بها ورأوى فيها المنقذ، فقد وجدوا لأنفسهم غاية أسمى من تفاصيل حياتهم المملة، وهي بحق غاية سامية لكنها ليست الأسمى، وهي هدف بعيد المدى لكنه ليس الأبعد، لذلك حين تلاشا الهدف تلاشت معه أرواحهم.

.

العنوان والصورة مقتبسة من عمل أحد الفنانين، وقد تم الإشارة إليه في نهاية الكتاب، والعنوان جذاب ومعبر، وفعلًا هذا ما يحدث للبعض (أو الكثير) من الناس، بل أن الأمر هو أكبر من مجرد ثورة فشلت أو أوضاع ما تحسنت، فالذي يجري في المكان هو الذي ينطلق من نقطة ويصل إليها، الذي يكون هدفه الأسمى هو موقعه الحالي، أي الحياة الدنيا، فكل من تصبح الحياة فقط هي غاية وجوده هو فعلاً من (يجري في المكان) أما الذي يؤمن (بحق) باليوم الآخر، فإنه ينطلق من (هنا) ووجهته (هناك)، ينطلق من (الدنيا) ويريد الوصول إلى (الآخرة)، لذلك، ومهما حصل من معوقات وعراقيل وخيبات أمل، هو مستمر في الجري نحو (مكان آخر) فكل عمل صالح يقوم به يقربه خطوة، وكل معاناة يمر بها ويصبر هي خطوة تقربة من المكان (الآخر)، فيمكن أن نستخلص هذه الفائدة الفلسلفية: المادية هي جري في المكان، والإيمان هو المنقذ من هذه العجلة التي تستهلك عمر الإنسان دون أن توصله إلى أي مكان.

.

من نقاط القوة التي في الرواية، أنها تحدثت عن الاكتئاب (مرض العصر) بطريقة مميزة وعميقة، لقد تركت لمن يمر بالتجربة أن يتحدث بلسانة، فهو يرى الحياة بشكل مختلف عما نراه نحن، يعيش وهو ميت، أو هو ميتٌ في جسمٍ حي، لذلك فأحد آثار الرواية الإيجابية أنها تجعلنا أكثر تفهمًا وتعطفًا مع من يمرون بمرض الاكتئاب.

.

لا يكتب مثل هذه الرواية إلا شخص عانا في حياته، وأصيب بخيبات أمل عديدة ومواقف حزينة، فقام بعجن كل تلك الأحداث والمواقف وأضاف إليها من خياله الواسع واستخدم موهبته الأدبية ليصنع في نهاية الأمر هذه الرواية، أو كما قال أحدهم، هذه الملحمة.

Facebook Twitter Link .
1 يوافقون
اضف تعليق