مَنّا : قيامة شتات الصحراء > مراجعات رواية مَنّا : قيامة شتات الصحراء > مراجعة Salma.Ahmed

مَنّا : قيامة شتات الصحراء - الصديق حاج أحمد
تحميل الكتاب

مَنّا : قيامة شتات الصحراء

تأليف (تأليف) 3.7
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
4

ترى أيهما يكون أشد نزفًا ووجعًا

الفجيعة؟

أم ما تخلفه وراءها؟

لا شك ان كلاهما موجع..كلاهما قاتل

في هذه الرواية يترك لنا الكاتب الحرية في استنشاق الأفكار، وجمع شتات الحكاية.

منّا(قيامة شتات الصحراء)

رواية تاريخية عن أدب الصحراء للكاتب الجزائري"الصديق حاج أحمد"

العنوان غريب وصادم

ومنّا تعني القحط أوالجفاف كما قيل.. والذي أصاب شمال مالي في عام 1973وقد شبه الكاتب هذا الإنقلاب للأرض بالقيامة، أو قيامة الصحراء، لما فيه من أهوال وفزع أصاب البلاد والعباد، كما قال في وصفه البديع:

احتشام المطر، وصيام السماء وموت المواشي، وضياع وتيه الإنسان هناك..كل تفاصيل الرواية لحمها مُرْ..وكل الدروب التي سلكها الفارين من الموت مرة..صاحبها الوجع والإنكسار، وحلم بعيد بالعودة، ووعود زائفة وكاذبة بالوطن الذي ضاع

لا شك أنني قرأت هنا رواية مختلفة لأحداث لم تخطر على مخيلتي يومًا أن يمر بها بشر، تعرفت من خلالها على حكايات قبائل الطوارق، أو التوارق، والحسانية ، والأزواد.. والتي أجاد الكاتب وصف حياتهم، وشتاتهم، وطبائعهم الفطرية الفريدة التي امتزجت مع الصحراء..فكانت تشبهها في الرحابة والغرابة والغموض والإنقلاب، والجلد.

السرد في الرواية

حين أقول عن الصديق حاج أحمد أنه كاتب مبدع وفريد في وصفه وطريقة سرده، فأنا لا أبالغ، فقد استطاع أن يجعل الإسهاب والتكرار في الأحداث، والألفاظ والسرد مستساغًا ومحببًا، والذي في العادة يكون من سلبيات أي عمل، فنجده يكرر الكلمات والجمل، والوصف، وفي كل مرة يذكرك بما قاله مسبقا، فلا يحدث لك أن تشعر بالملل من هذا التكرار

وقد اعتمد في سرده سواء الوصفي أوالداخلي، اوالخارجي، أو الفلاش باك على خلفية تاريخية مدروسة ومتقنة للأحداث والأماكن، والشخوص بنيت على واقع معاش، واختمرت على مهل، ليصل بنا في النهاية إلى حقيقة أن الحاضر هو نتاج للماضي، وأن الشعوب تدفع غالبًا ثمن أطماع الساسة والقادة، ونزواتهم، وأن الثورات لا تأتي إلا بعد أن يبلغ الظلم مداه، وأن الوطن لا يسترد إلا بالتضحيات.

لا شك أن الفصلين الأول والثاني كانا من أصعب الفصول من حيث اللغة غير المفهومة، وكذلك الأحداث وأسماء الشخصيات، لكنك ومع بداية الفصل الثالث تجد نفسك قد اعتدت أسلوب الكاتب، وطريقة سرده الغير مألوفة

تمتع الكاتب أيضًا بحس ساخر وعبثي، يخلط فيه الوجع بالسخرية اللاذعة ويضحك فيه على الواقع المر، وهذا النهج لا يسلكه إلا من عانى أشد المعاناة، وشاهد بأم عينه الأهوال

استطاع الكاتب أن يبدل قناعاتي التي كان مفادها أن إنسان الصحراء غليظ الطبع، لا يعرف قلبه الحب الذي نتمتع به نحن أهل المدن والحضر، فنجد أننا أمام شخصيات تحمل قلوب كأفئدة الطير، تحب بإخلاص ورومانسية ناعمة، كحب "بادي" لإبنة خاله "بتو" وإخلاصه لهذا الحب طيلة فترة شتاته واعتقاله، و أثناء تنقله بين السجون ومعسكرات التدريب، ورغم مامر به من صعاب، وشتات وسحق للكرامة، يستحضر ذكرى محبوبته، ويقوي عزيمته بأمل لقائها، ورؤية محياها فتبث في روحه الأمل من جديد، ويستطيع أن يواصل المسير

وصف أيضًا أشكالًا أخرى وعظيمة للحب، وكان أسماها حب الوطن الأم والإخلاص له، وأجملها حب الأصدقاء والخلان، فيروي الكاتب مشهد من أبدع مشاهد الإخلاص والوفاء للأصدقاء، برغم قسوته، حين اجهزت القوات التشادية على المفرزة الجنوبية أثناء تواجدهم (بفادا)، أثناء اعتقالهم من قبل جنود(حسن جاموس التشادي) نكاية في ليبيا وقائدها، فقتلوا كل من تصادف وجودهم بالمرحاض في ذاك الوقت، وفي وضع مشين يموت"سوخا" صديق "بادي" مختلطا بفضلات معدته، وبرغم بشاعة الوضع وقذارته لم يتركه بادي يدفن هكذا، بل غسله وكفنه، وصلى عليه في مشهد يؤطر الإخلاص والوفاء والحب

اللغة

اللغة في الرواية بعيدا عن الكلمات غير المفهومة فهي من أروع ماقرأت، تشبيهات رائعة..مفردات عميقة

تجده يقول:

(بهتت ضحكتها قليلا..لكن المصباح الوضاء حتى لو نقص ضوؤه يبقى مشعًا)

(لا ادري إن كنا غسلنا أيدينا أم لا، ولكن هناك من لم يفعل، اكتفى بدعك يديه وأصابعه بباطن رجله، حتى تبقى رائحة التاقلة مسافرة معه طول الطريق)

( الصبح ارتسم كاملًا بعد الفجر)

(فهمنا خطاب الرسالة.. في مغارات أنفسنا وكهوف عقولنا)

من سلبيات الرواية، عدم وضع هوامش أو قاموس للكلمات الغير مفهومة، والغير معروفة

تحيز الكاتب وهذا أمر طبيعي في الحديث عن الجزائر بلده ووطنه وتمجيدها، وان كنت لا أقصد التقليل من شأن الجزائر الشقيق، أو التقليل فيما قاله الكاتب.

في النهاية لا شك أن الرواية دسمة تاريخيًا، وتعد وثيقة تاريخية ثرية تفضح مؤامرات قادة ودول كمؤامرة "معمر القذافي" القائد الليبي الراحل ضد قبائل الطوارق والأزواد اللاجئين، حين مناهم بحلم كاذب للعودة للوطن، وأدخلهم عنوة في حروب لا ناقة لهم فيها ولا جمل، واغتسل من إنسانيته وعبث بفطرتهم، واستخدمهم لتحقيق مطامعه وتوسعاته.

وعلى الجانب الأخر لم ينسوا فضل الجزائر، التي وصفها الراوي بالأم الجزائر، ومولاتنا الجزائر.

من المؤكد أن الرواية استحقت الوصول للبوكر، فهي تفتح العين على ضوء الحقيقة المسكوت عنها كما قال الكاتب.

لا أدري لماذا اختم مراجعتي بهذا الإقتباس الذي تذكرته فأقول:

ثم ماذا حين تصيرُ النهاياتُ حقلاً يعضُّ الذبابُ عليهِ

هو الصمتُ يكسر ما قد تبقّى ..

تضيق يدايَ .. تضيق خطايَ

وأصغرُ .. أصغرُ ..أصغر .. أهوي ..

ويسقط في الكأس رأسي ..

وفي الرأس كأسي

وفي الصمتِ نفسي ..!!

تحية للكاتب(الصديق حاج أحمد) على رواية تستحق القراءة.

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق