اسمي مصطفى محمود: سيرة التحولات > مراجعات كتاب اسمي مصطفى محمود: سيرة التحولات > مراجعة Moustafa M. El Sayed

اسمي مصطفى محمود: سيرة التحولات - وائل لطفي
تحميل الكتاب

اسمي مصطفى محمود: سيرة التحولات

تأليف (تأليف) 3.5
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
4

هذه الرواية هي الأولي للكاتب الصحفي المتميز وائل لطفي، والذي يعمل حاليًا رئيسًا لتحرير صحيفة الدستور. لكنها تمثل الجزء الرابع من مشروعه الفكري والاجتماعي الذي يتصدى بالدراسة والتحليل للتأثير السياسي والديني والاجتماعي للدعاة على المجتمع المصري. فهو يتصدى في كتبه الثلاثة السابقة وهذه الرواية لمختلف المظاهر السلبية والأعراض المرضية لظاهرة الدين والتدين والتديين في مجتمعنا. تلك الظاهرة التي يضع لها عنوانًا شاملًا هو "صناعة التشدد". وهي الصناعة التي حولت المجتمع المصري نحو الأسلمة. وهو يؤكد في كل كتبه أنها صناعة مكتملة الأركان، افتتحها الرئيس الراحل أنور السادات في مطلع السبعينيات من القرن الماضي، بعدما تولى الحكم خلفًا للرئيس الرحل جمال عبد الناصر.

ويؤكد الكاتب الصحفي -والروائي مؤخرًا- أن هؤلاء الدعاة هم رواد تلك الصناعة، ولذلك راح يقدم لنا في كل كتاب دراسات وافية عن عينات من هؤلاء الرواد. ففي كتابه الأول والذي جاء بعنوان: "ظاهرة الدعاة الجدد"، يشرح لنا تفاصيل بزوغ نجم هؤلاء الدعاة مثل الشيخ عمر عبد الكافي وياسين رشدي وعمرو خالد وغيرهم. ثم في كتابه الثاني: "دعاة السوبر ماركت" يكتب عن رواد آخرين مثل وجدي غنيم ومعز مسعود ومصطفي حسني وغيرهم. ثم كان كتابه الثالث: "دعاة عصر السادات" يرصد فيه قصص صعود وخطاب دعاة السبعينات المشاهير مثل الشيوخ متولي الشعراوي ومحمد الغزالي وعبد الحميد كشك وغيرهم، والذين ما يزال تأثيرهم على المجتمع واضحًا وقويًا حتى يومنا هذا.

ثم في هذه الرواية اختار أن يفردها لأحد أهم رواد هذه الصناعة "صناعة التشدد"، وهو المفكر الإسلامي متعدد الألقاب والتخصصات الدكتور الراحل مصطفى محمود.

*****

أكثر ما أعجبني في هذه الرواية، هو لجوء المؤلف إلى أدب السيرة الذاتية في صياغتها. واختار مصطفى محمود ليكون هو الراوي بضمير المتكلم. فهو الشخصية الرئيسية التي عاشت وعاصرت الأحداث والصراعات والتحولات، ومن ثم يرويها هنا من وجهة نظره. بل ويتمادى المؤلف فينتقل من أسلوب السيرة الذاتية إلى أدب الاعترافات؛ حيث يضع الراوي في صورة المفكر والإعلامي والأديب الذي يبوح باعترافاته الجريئة في لحظات صدق مع النفس. ولضمان تحقيق أكبر زيادة ممكنة لمساحة هذا الصدق، فهو يحدد التوقيت الذي صدرت فيه هذه الاعترافات بسنة 2020م، أي بعد وفاة مصطفى محمود وانتقاله إلى العالم الآخر، عالم الغيب. فهو يخاطب القراء قائلًا: "إنكم الآن في عام 2022، وأنا أكتب لكم من العالم الآخر...". ويقول في موضع آخر: ".... والنتائج تقول إنني أخطأت عدة مرات، كما بدا لي الآن وأنا أتملى الأمر من العالم الآخر!".

وفي موضع ثالث كتب يقول: "عندَمَا أتأمّل حَيَاتي من العَالم الآخَر أدرك عمق المأساة.. ذَلكَ أن حَيَاة كُل منّا لاَ تخلو من مأساة، كُل الفارق أن مأساة كُل منّا مختلفة عَن الآخَر.. إن مأساتي تكمن في تناقضي، وتناقضي يَأتي من ذكائي.. أنَا عدة أشخاص في بعض، أنَا الصَّحَفي الذي يدرك أنه لاَ بُدَّ أن يَقول للناس كَلامًا جذابًا ومفهومًا ويحقق أعلى معدلات مشاهَدة وتوزيع، وَأَنَا الْمُفَكّر الذي قرأ أكثَرَ من غيره وله عقلية ناقدة.. أنَا اليساري الذي أصبَحَ حليفًا للسَّادَات وأصبَحَ شريكه في هدم اليسار والناصرية لأسباب عَاطفيَّة ورُبمَا مادية فيما بعد، وَأَنَا الْمُفَكّر ذو العقل النقدي الذي لا يمكن أن يقبل سطحية الجماعات الدّينيّة وسلفيتها الجاهلة... ".

*****

وهكذا يمضي الدكتور مصطفي محمود في سرد تفاصيل حياته، متنقلًا بين مختلف مراحلها العمرية وكذلك الدراسية، ومتتبعًا للأثر الذي خلفته كل مرحلة على تكوين شخصيته. ثم يتخرج من كلية الطب، ويلتحق بالعمل بدنيا الصحافة، وتبدأ هنا ما يصفه مؤلف الرواية بـ "سيرة التحولات"؛ تحولات الرجل وتحولات الوطن. فهو الملحد الذي يؤلف كتابًا بعنوان "الله والإنسان"؛ يصادره الرئيس عبد الناصر، ويأمر بعرض أمر الكتاب ومؤلفه على محكمة سرية للتحقيق في تهمة الكفر والإلحاد الموجهة للمؤلف. ومن هنا بدأت كراهية مصطفى محمود لعبد الناصر وكل رموز العهد الناصري وأولهم محمد حسنين هيكل. هذه الكراهية التي تمخضت عن التقاء السادات ومصطفى محمود فكريًا على شن حرب شعواء على الناصرية بكل مفرداتها ومصطلحاتها... حرب تنقل مصر من اليسار إلى اليمين.. من الناصرية إلى الإسلام (أو بصيغة أدق الأسلمة).. حرب هدفها أن ينسى الناس الاشتراكية والشيوعية واليسار ...الخ.

ومن عجائب اللقاء الفكري بين السادات ومصطفى محمود هو هذا العنوان البراق: "العلم والإيمان".. فالأول -وبدون اتفاق مسبق بينهما- اتخذه شعارًا لدولته، بينما اتخذ منه الثاني عنوانًا لبرنامجه التليفزيوني الشهير.

وهذا البرنامج أخرج للمجتمع اثنين من أهم التحولات في مسيرة المفكر الراحل. التحول الأول هو "أسلمة العلم" بكل فروعه (أي محاولة إيجاد جذور إسلامية لكل شئ)، والتي يفتخر مصطفى محمود بأنه أول من اخترع الفكرة، ويعدها من أبرز منجزاته.. أسلمة الفيزياء وأسلمة الفلسفة والجيولوجيا والكيمياء والاقتصاد... هذه الفكرة التي استقطبت دعم وأموال السعودية، وفتحت أبواب التبرعات على مصاريعها لـتأسيس مسجد ومستشفى مصطفى محمود. كما تأثر بهذا الفكر كثير من الدعاة، وكذلك رجال جماعة الإخوان... ومن عباءتي -هكذا يقول مصطفى محمود- خرج عضو الجماعة "زغلول النجار" ليلعب في ساحة الإعجاز العلمي كما يشاء، ويجري ابحاثًا بالمليارات برعاية هيئة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في المملكة العربية السعودية.. ويزعم مصطفى محمود أن هذه الهيئة قد تأسست بناء على فكرته الأصلية.

أما التحول الثاني هو ما يمكن أن نسميه ظاهرة "الداعية التليفزيوني"... وكانت بدايته مع محتوى يخلط بين العلم والدين، ومنبر واحد هو التليفزيون. ويبرز مصطفى محمود تأثره الشديد بالمبشر الإنجيلي الأمريكي "بيلي جراهام" .. أسطورة محاربة الشيوعية في أمريكا، وكان سلاحه الرئيسي هو التليفزيون. بل ويقول: "لقد كنت أول داعية ديني على هذا النمط الإنجيلي. ويقول أيضًا: "إنني أول الدعاة الجدد كما صاروا يقولون فيما بعد.. أنا صاحب الاختراع ومؤسس التوكيل، لأنني رجل مثقف ومتابع.."

وتمضي بنا صفحات الكتاب لرصد المزيد من تفاصيل التحولات والاعترافات...

*****

هذه رواية جديرة بالقراءة، ليس فقط لأنها تروي سيرة مفكر وداعية إسلامي كان له بالغ الأثر في المجتمع بمختلف طبقاته، وليس فقط لأنها تبرز لنا التحولات الفكرية والدينية والاجتماعية التي عاشها الوطن منذ سبعينيات القرن العشرين، ومازالت تعيشها إلى الآن، بل لأنها تطلعنا على التغيرات والتحورات التي طرأت على شخصية المصري وفكره ومفاهيمه، وكذلك تطلعنا على الدور الخطير الذي قام به الدعاة الجدد (ممثلين هنا برائدهم الشهير مصطفى محمود) في ترسيخ هذه التغيرات والأفكار.

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق