رأيت رام الله > مراجعات كتاب رأيت رام الله > مراجعة Shehab El-Din Nasr

رأيت رام الله - مريد البرغوثي
تحميل الكتاب

رأيت رام الله

تأليف (تأليف) 3.8
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
5

يوم ميلاد فلسطين: 3200 ق.م

يوم سقوط فلسطين: 1948-1967

يوم وفاة فلسطين: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ.

.....

<

مريد البرغوثي - شاعر وروائي فلسطيني -

يوم ميلاده: 8 يوليو 1944

يوم وفاته: 14 فبراير 2021

الموتة الأولى: 5 يونيو- 1967

’’ من هنا. من إذاعة صوت العرب. قال لي أحمد سعيد إن رام الله لم تعد لي و انني لن أعود إليها. المدينة سقطت.

توقفت الإمتحانات لأسابيع. استؤنفت الإمتحانات. نجحت و تخرجت. حصلت على ليسانس من قسم اللغة الإنجليزية و آدابها. و فشلت في الحصول على جدار أعلق عليه شهادتي.’’

’’نعم إن الـ 67، هي الانطباع المستمر في البال منذ أن عشتها في مقتبل العمر، أعلم أنني لا أصلح للعمل السياسي المحترف، ربما لهذا السبب، إنني أستقبل العالم بالمشاعر والحدس، وهذا لا يتماشى مع تدابير الضرورة السياسية’’

</u>

أيا فلسطين، يا ألف أبجديتنا، وياء لغتنا. يا أول أمة الضاد، وأخر أهل البلاد.

فلسطين في مقدمة صحراء العرب، وعلى صدر بلاد الشام، هي قضيتنا ومن ليس فلسطين قضيته فما له من خلاق. القدس قلادتنا المفقودة في خضب الصحراء، يبحث عنها بدوي أوحد في عتمة القمر، ولا تشرق عليها شمس السماء ابداً، أيا سماء أتركتينا في أرض خارج الارضٍ، ألست تلك أرضنا وأنتي سماءنا؟ أيا سماء أين الوعد وأين النصر. ولو عصيتك في الماضي، يعاقبني الله بظلمتك الأبدية؟ قلادتنا مفقودة، مسروقة، مسلوبة، قدسنا مغصوبة على أرضها، ونحن دونها في ضلالٍ بعيد.

يا فلسطين، أيتها السيف المتبلد،المحمول على ذراع جندي مدمى في عامه التسعين على حصان أعرج في معركته الأخيرة، وكل العرب من الشهود والجمهور والمصفقين لعرجة حصانة؟ فأين حصانكم؟ وأين سيفكم؟ فأين شرفكم بعزة دينكم، بالله عليكم ألا تدركون شجاعة بن الوليد وإيمان الفاروق، وحصان صلاح الدين؟ أو لو كان فينا رجل رشيد لسرقت مننا عذرية أرضنا؟

أو لو كان فينا رجلٍ نُكرم لأجله لتركتنا فلسطين ورحلت عننا؟

يا أرض كنعان، يا قدس الجنتان يادرة المدائن وبلاد الزيتون والزيت، نحن لك أسفين، آملين بأقل ما نملك من قوة، لا أملك غير الكلام، لا أملك غير صورك في عز تألقك، وانتي خضراء كالسندس خالية من المستوطنات البيضاء، لم أعتد على شكلك بعد تشوهك، ولم أكن أعرفك في عزة حياتك، لكنني سأموت، وأغادرها وأنتي حية لا تموتين ابداً.

أحفظوا صور فلسطين في صدر مجلسكم، أبحثوا عن صورة القدس في رفوف مكتبتكم، ضع صورة عرفات على سطح مكتبكم. وعلق كلمات درويش وأحرف البرغوثي، ورسائل غسان في أول صفحاتكم. حفظوها لأولادكم، أتركوها وصية حية لأحفادكم، أجعلوها صورة من حياتكم، إن ماتت فينا قدسنا، فأنتهت حياتنا وعروبتنا ولو كنا نملك مفاتيح السماوات والأرض. إن لم تترك أثر فلسطين في حياتك، فأي أثر ستترك؟ تحدثوا عنها بلا أسباب، أبحثوا عن تاريخها بلا سؤال وجواب، دون دراسة، دون مدارس ومذاكرة، فلسطين تاريخ يحفظ مع الألقاب، يتكلمونه بلغة الضاد. فلسطين أسم لا يجب أن ينسى حتى يأتي الغزو والطوارئ. لن تنتظر قصف القطاع لتعلم أن غزة واقعنا، ففلسطين كلها ملكنا وهي أرضنا من الخليل إلى غزة، من رام الله لبيت لحم، فإن كنت لا تحملها في قلبك، فأنقش قبرك الأن بنفسك.

في السادس من يناير عام 1969، تم إعلان ذلك اليوم كيوم الشهيد الفلسطيني، وأكثر المتشائمين حينها، وأقسى المناضلين يومها لم يتوقعوا ذات يوم أن في السادس من يناير بعام 2021، سيُعلن أن عدد شهداء النكبة الفلسطينية تجاوز المائة ألف، نعم المائة ألف!!!

و11 ألف منهم بعد الانتفاضة الفلسطينية الثانية، وتلك الأرقام فضلاً عن أحداث القصف الأخيرة، وأحداث الشيخ جراح في مدينة القدس الشريفة، وليالي قصف غزة الكئيبة، تلك الليالي السوداء لم يعرف جسدي لأيام النوم لأجلها.

<u>

’’ يقول مريد البرغوثي بعد ٦٧ وسقوط رام الله:

الغربة كالموت، المرءُ يشعر أن الموت هو الشيء الذي يحدث للآخرين، منذ ذلك الصيف أصبحتُ ذلك الغريب الذي كنت أظنه دائما سِواي!’’

</u>

حسناً، رواية رأيت رام الله، هي سيرة ذاتية للشاعر الفلسطيني الشهير مريد البرغوثي، يعود بذاكرته وذاكرتنا إلى زيارته لرام الله الأولى بعد تشتيته في الأرض لثلاثين عام، بين بودابست وباريس وعمًان والقاهرة والمغرب وبيروت، ولم تصل قدمه أبداً إلى رام، عاش غريباً مشتتاً، مؤقتاً في كل مكان، مهما طالت إقامته فهو في غربة، سيرحل حتماً ذات يوم.

<u>

’’المرة السابقة كنت ولداً، هذة المرة أنا والد. والد لولِد هو الآن في مثل عمري عندما مررت من هنا لآخر مرة..’’

</u>

تمثل تلك الرواية تجربة رائعة من السير الذاتية الوجدانية، هي سيرة ذاتية لصوت فلسطين المكسور، لصوت رام الله، ولا سيما لصوت ريف دير غسانة، القرية الصغيرة التي كانت تمثل مسكن ومجمع عائلة البرغوثيين جميعاً.

لا وصف يأتِ بعد وصف مريد البرغوثي لفلسطين، ولا كلام يُكتب تعقيباً على كلامه، تلك الرواية ستحملها في قلبك، ستحفظها حتى حين، ستقرأها مرتان على الأقل أستطيع أن أعدك بذلك، تلك الرواية ربما تقتبس أكثر من نصفها، بأسلوب شاعري خلاب، وأسلوب سياسي بسيط وسلس وواقعي لأقصى درجة، كتب لنا مريد البرغوثي رواية تعد واحدة من العلامات الفارقة في القضية الفلسطينية.

يحكي لنا مريد البرغوثي فيها سنين حياته المشتتة، وغربته المضطربة إلى اقصى درجة، والعقبات المتتالية، وذلك من خلال شباك غرفته في رام الله، في ليلته الأخيرة في بيته المؤقت - مرة أخرى - بجانب نافذه تطل على مستوطنة بيضاء جديدة! وكأن رام الله كانت باب الماضي الحي، وقبر المستقبل المقتول، وجنازة الحاضر الشهيد. رام الله ستحملك لماضيها لأنها لم يمر الوقت عليها، ففلسطين جميعاً لا تواكب العالم في أي تقدم ولا يمر عليها الزمان، وفي رام الله لا يعرف المستقبل سبيل إليها، وفي حاضرهم بكاء وعويل لا ينتهي، فالجنائز في فلسطين مبتدأ كل الأمور، ومنتهى المصير الأوحد لهم.

’’ الغريب هو الشخص الذي يجدد تصريح إقامته. هو الذي يملأ النماذج ويشتري الدمغات والطوابع، هو الذي عليه أن يقدم البراهين والإثباتات. هو الذي يسألونه دائما: ( من وين الأخ؟) او يسألونه وهل الصيف عندكم حار؟

لا تعنيه التفاصيل الصغيرة في شؤون القوم أو سياستهم الداخلية، لكنه أول من تقع عليه عواقبها.. لا يفرحه ما يفرحهم لكنه دائماً يخاف عندما يخافون. هو دائما العنصر المندس في المظاهرة إذا تظاهروا، حتى ولو لم يغادر بيته.

هو الذي يقول له اللطفاء من القوم ( أنت هنا في وطنك الثاني وبين أهلك ) هو الذي يحتقرونه لأنه غريب أو يتعاطفون معه لأنه غريب. والثانية أقسى من الأولى..

في الخامس من حزيران ١٩٦٧ أصابتني الغربة.’’

أكثر ما كان يميز مريد البرغوثي في السيرة بالنسبة لي، هو وصفة السلس والبسيط والبعيد تماماً عن المبالغات والتعاطف الساذج مع القضية الفلسطينية، كان واقعي لأقصى درجة ممكنة، واقعي مع هزيمتنا مع النكبة، واقعي مع النكسة، واقعي بشأن إتفاقية أوسلو، واتفاقيات السادات الملعونة، واقعي في مصير فلسطين وماضيها وحاضرها، واقعي مع أرض كنعان ولأي فئة تستحق أن تكون، واقعي حتى مع مصير اليهود في الماضي، فلسطين قضية الإنسانية الأولى، لاتحتاج أن تكون شاعراً ولا كاتباً أو صحفياً لتجذب تعاطف الناس إليها، يكفي أن تكون إنساناً وستحملك فطرتك إلى أولى القبلتين وثالث الحرمين.

القدس; قدس الإنسانية أجمع

’’

لا يعرف العالم من القدس إلا قوة الرمز، قبة الصخرة تحديداً هي التي تراها العين فترى القدس وتكتفى. القدس الديانات، القدس السياسة، قدس الصراع هي قدس العالم.

لكن العالم ليس معنياً بقدسنا، قدس الناس.

قدس البيوت والشوارع المبلطة والأسواق الشعبية.’’

يمنعك الإحتلال من إدارة شؤونك الخاصة على طريقتك، لم تكن فلسطين جنة الفردوس، ولا أرض الميعاد، كانت دولة مثل أي دولة، يكفي أن يموت الرجال فيها وتبكي النساء عليهم في أرضهم، ويكفي أن يشعر الصغير بأن له دولة يعيش فيها أبداً. إذا لم يتقبله العالم، يكفي أن يعود لرحم أمه الأول، فلن تلفظه خارجها بتاتاً مهما ضاقت الأرض.

لم تكن الحياة نعيما قبل الإحتلال الإسرائيلى

- كنا نتدبر أمورنا على طريقتنا.

- لكن الإحتلال...!

الإحتلال يمنعك من تدبر أمورك على طريقتك .إنه يتدخل في الحياة كلها وفي الموت كله . يتدخل في السهر والشوق والغضب والشهوة والمشي في الطرقات. يتدخل في الذهاب الى الأماكن ويتدخل في العودة منها .

الامور هنا مؤقتة . الشعور بالأمان مؤقت.

’’ أسوأ ما في المدن المحتلة ان أبناءها لا يستطيعون السخرية منها . من يستطيع أن يسخر من مدينة القدس؟ ’’

من يبيع لي وطناً؟ أشتروا لي اللبن بكل صباح والجرائد في المساء، وأكثروا من طير المراسيل وأنشدوا نشيج العاشقين، بيعوا لي سكناً وأحملوني على ضفاف دجلة، أغرقوني في نيل القاهرة وأرسلوني إلى خرطوم السمراء، وأغرقوني في رمال ليبيا، أدخلوني إلى بيروت الشعراء ولكن من يبيع لي وطنا؟

من يرجعني إلى هدوء أمي في صباحها، وشجار رفاقي في مدرستنا، وصخب أصدقاء أبي في مجالسهم، فمن يعيد لي وطنني؟ فمن يبيع لي وطناً؟

فهل تُباع الأوطان؟

’’ كيف غنيت لبلادي وأنا لا أعرفها؟ هل أستحق الشكر أم اللوم على أغاني؟ هل كنت كنت أكذب قليلاً؟ كثيراً؟ على نفسي؟ على الآخرين..

أي حُب ونحن لا نعرف المحبوب؟ ثم لماذا لم نستطع الحفاظ على الأغنية؟ الأن تراب الواقع أقوى من سراب النشيد؟ أم لأن الأسطورة هبطت من قممها إلى الزقاق الواقعي؟

كان لمنيف البرغوثي، الأخ الأكبر لمريد، النصيب الأكثر من حب أمه، والنصيب الأكثر من بكائنا عليه في تلك الرواية، تعلقت بمنيف دون أن ألقاه، بل اقرأ عنه لأول مرة، تجد بصمته وأثره في عائلة مريد جميعاً إلى حتفهم الأخير. في أمه وأخوته الثلاث. وحديث مريد عنه آية في الجمال والروعة، بكيت في وصف وفاة منيف في الغربة، وكأنه أخي الأكبر، حزنت لأجله ولأجل أمه، منيف البرغوثي أحد شهداء فلسطين في الغربة، رحمك الله

’’ يقول مريد عن وفاة أخيه منيف البرغوثي بعد منعه من دخول رام الله

منذ قدمت أوراقي لسلطات الجسر، ووجهه يلح علي.

هذا المشهد مشهده هو.. مشهد منيف

هنا أنتظر..هنا خاف.. هنا تفاءل واستبشر.. هنا حققوا معه.. هنا سمحوا لأمي بالدخول ومنعوه.

هنا كان عليها أن يفترقا.. هي مُكرهة على إكمال رحلتها غرباً إلى رام الله وهو شرقاً إلى عمّان، ومنها إلى منفاه الفرنسي، حيث مات بعد ستة أشهر وهو لم يتجاوز الثانية والخمسين عام.’’

المنفى، الغربة، الموت، الاحتلال، المخيمات، اللاجئين،باريس، بودابست وعمان وبيروت والقاهرة والخرطوم وطرابلس والرياض والدوحة، جميعهم سواء، جميعهم صورة للموت الفلسطيني، جميعهم صورة للمنفى، صورة للشتات القدسي في العالم أجمع، بأي حق أصبح الغريب مالك الدار، وأصبح المالك شريداً خارج القرى، شريداً متسولاً لا يقبله مساكن البلاد الأخرى، ولا أرصفة طرقات الثلج. لن تقبلنا حتى تلك الأراضي الخالية.

’’

نعم الاحتلال خلق أجيالاً بلا مكان تتذكر ألوانه ورائحته وأصواته. بلا مكانٍ أولٍ خاص بها تتذكره وهي في إقامتها الملفقة ولا تتذكر فيه سريراً كانت الطفولة تبلله هناك. ولم ينسوا على ملاءته دمية من القطن الملون الطري."

وماذا تفعل أجيال كاملة ولدت في الغربة أصلاً؟ ولا تعرف حتى القليل الذي عرفه جيلي عن فلسطين؟

خلص انتهى الامر. الاحتلال الطويل الذي خلق أجيالاً إسرائيلية ولدت في إسرائيل ولا تعرف لها (وطنا) سواها. خلق في الوقت نفسه أجيالاً من (الفلسطينين الغرباء عن فلسطين) ولدتْ في المنفى ولا تعرف من وطنها إلا قصته وأخباره.’’

</u>

فلسطيني، قدسنا، رغم مصريتي، أنا في غربة عنك، أرضنا، أرض العالم العربي الإسلامي أجمع، رغم غربتي الإجبارية، أنا في اشتياق إليك، فهل من لقاء وحيد؟

’’ في المنفى لا تنتهي الغصة، إنها تُستأنف.

في المنفى لا نتخلص من الذعر، إنه يتحول خوفٍ من الذعر.

ولأن اللمفوظ من بلده محبط، والهارب من بلده محبط، فإن المجموعات المنفية لا تستطيعأن تتجنب التوتر والنرفزة في التعامل اليومي فيما بين أفرادها. ’

فهل تعود دير غسانة؟

“لا غائب يعود كاملاً.لاشيئ يستعاد كما هو.."

شكرا لجميع أصدقاء القراءة الجماعية، وتلك أول رواية اقرأها ما بين الكيندل والورقي، ولذلك ستكون مميزة لي دائماً.

تمت 26/12/2021

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق