إعجام > مراجعات رواية إعجام > مراجعة Mohamed Osama

إعجام - سنان أنطون
أبلغوني عند توفره

إعجام

تأليف (تأليف) 3.8
أبلغوني عند توفره
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
3

#ريفيوهات

"إعجام... مرآة المعاني، وقرطاس المتنبي "

لِتَعلَمَ مِصرُ وَمَن بِالعِراقِ

وَمَن بِالعَواصِمِ أَنّي الفَتى

وَأَنّي وَفَيتُ وَأَنّي أَبَيتُ

وَأَنّي عَتَوتُ عَلى مَن عَتا

-أبو الطيب المتنبي

-بعض الأشياء تحتفظ بأصالتها أمام المبصر، أي تتفق الآراء حول صورة ثابتة تغلف هذا الشيء ليظل مقترنا به، ولا يُعرف إلا من خلاله حتى وإن توارى أو غلب على المشهد بعض الرتوش، كالمعنى الظاهر للأبيات السابقة مثلا والذي غلفها شعور الفخر كما غلف قائلها وصارت ملازمة له "كبيت الخيل والليل والبيداء تعرفني "

-لكن هناك أشياء ومسميات أخرى إذا نزع منها جزءا أو أضيف إليها تفصيلة صغيرة تفقد ارتباطها بمعناها الأصلي، فتصير أعجمية في منطق الفهم "أي تصير ملغزة محيرة". ومنه تنطلق تلك الأشياء -مستعينة بالعقول المتأملة معتبرة إياها مفتاحا لذلك اللغز - مترددة كالجراد بين التأويلات والتفسيرات، كالمعنى المستتر قليلا في الأبيات السابقة أيضا، والذي يشرح علاقة النفس بذاتها واعتبارها المركز والأساس الذي يتجاوز محلقا الأطر وفقما يرغب ويريد، وكان هذا منطق "فرات" بطل الرواية وأساس فكرتها

-ومن هذا الأساس جاءت الرواية موحدة في السرد "الراوي المتكلم " ليكون مفتاحا لطرح تأويلات ممتدة للمعاني والأشياء، وأيضا مركزا لهذا التحكم والتفسير فيستطيع إقامة علاقات بين الأشياء ووصفها "كوصفه لغواية الكتابة وربطه بشخصية أريج أو التريث وربطه بجدته، أو التمرد وإلباسه لشخصية فلاح". ولذلك جاء عرض الرواية للخلاف بين الشعر العمودي والشعر الحر ملائما لحالة الراوي، مرآة يرى فيها الصراع بين واقعه الثابت المحدد "إذا قارنا بين تحديد الوزن والقافية والتحديد في بيئة الراوي" ويرى فيها نفسه المشتتة بين الماضي والحاضر، العابثة بالمعاني ومدلولاتها "في تحويله لكلمة ثقافة إلى سخافة" التائهة بينها "في تيهه بين كلمات هنا وهناك وتصريفات مادة (ك ت ب) "إذ أن الشبه بينها وبين الشعر الحر اندفاع المشاعر والبواعث والصور لتصمم شكلا لا يحدده شيء فتكمن بعض من براعته في نقله لهذا التيه دون تحديد ".

--النقاط المخاتلة ومقبرة الإنليز "عن المعنى والزمن"

❞ وخيَّم الصمت لثوان بدأ لون النقاط بعدها يتحوَّل من الأسود إلى الأخضر الغامق ثمّ الأخضر الفاتح ثمّ بدأت النقاط الخضراء تتحرّك بصورة لولبية على أرض الممرّ وإذا بها تتحوّل إلى جراد يطير ويدور ويقفز في كلّ مكان ثمّ أخذ الجراد يطير ويقفز في كلّ مكان ثمّ أخذ الجراد يقفز نحو الأغصان التي جاء منها ويقضمها بشراهة تآكلت الأشجار بسرعة ولم يبق منها شيء. هبّت الريح العاصفة ثانية وأعادتني إلى مكاني بعد أن صفقت الباب الذي اختفى هو الآخر. لكنّ صوت الجراد ظلّ يغتال الصمت. ❝

-لكي تكون الصورة ملائمة لصراع متوازن مفهوم ما فيه عن تقييد المعنى أو تركه حرا على حسب المتلقي مثلما ذكرنا، أتى الكاتب بعنصر فاصل يحمل التناقضات إلى ذهن الراوي فتنتقل أمامنا بشكل واضح، وهو عامل الزمن. فقد أتى تارة ملتصقا بالمعنى مقيدا به، كإشارة لموت المعاني إذا انقضى زمنها أو موقفها "كالخطاب الأول والأخير في بداية الرواية ونهايتها، وعرضه المقبرة الإنجليزية، أو نشرة مبادئ حزب البعث". وتارة أخرى يأتي متقطعا مشوشا، يستطيع المعنى فيه أن ينفلت من أسر التوثيق فيجمع لقطات من هنا أو هناك حسبما يحتكم الموقف .

-ولعل هذا هو ما جعل الانتقال بين المعاني "بتنقل النقاط والحروف المعجمية" أكثر حرية وحركة، لأن الزمن وفق الراوي قد وسع بحركتين متناقضتين في لقطة واحدة "تحاصرها أو تجاورها"، ولكن حتى تنقل من خيال الراوي إلى القارئ- في رأيي- أمات الكاتب تلك الاحتمالات حتى تسير الحبكة من البداية إلى النهاية، فجعل اللقطة الظاهرة سخرية لاذعة توافق الأدب الذي تسير عليه الرواية "أدب السجون"، بينما اللقطة المجمعة المحققة لرؤية فرات نراها من خلال الهوامش مع الأصل.

-- موصل جديد "فرات يعيد الوصال"

-ومن نتيجة انفتاح الزمن وامتداده، نرى أن فرات "وهو الموافق اسمه لوصفه " قد وصل بين لقطات عدة تحمل النقيضين كما الكلمات كذلك، فقد وصل بين لقطات اندفاعه وسخريته ورغبته في حرية المعنى "المتمثل في علاقته بأريج وسرمد وفلاح" وبين التريث والحكمة في الكتابة كجدته الناذرة نفسها للكنيسة "متشابها مع المتنبي في اندفاعه بالفخر "الخيل والليل والبيداء تعرفني " وحكمته في أن سلم نفسه للموت "وهنا لقب البيت السابق بأنه قتل صاحبه"، وأيضا وصل بين لقطات سوداوية "كمشهده مع أبو خالد" وبين لقطات حالمة- وإن غلب عليها السخرية ورغم تخفظي منها- كتصور أريج وفرات عن يوم القيامة والملائكة، وفي كل محاولة من فرات كما قلنا لوصل الماضي بالحاضر حتى ولو بعنوة "بأظفاره" ليعيد تشكيل المعنى ويحرره وفقما أراد.

--وهي الغزالة في المدى "عشق الموت"

-أرى أن الكاتب برع في مد الصورة بين شخصية أريج ووصف فتنته بها وبين الورق الأبيض الذي يغويه بالكتابة، فالمعنى أو المسمى لكي يقبل التأويل أو يتحرر من قيد زمنه ويقبل التشكيل، يلزمه دفعة ما. شيء يثبت رأيه ويهدئ من تشوشه "مثل تشوش عليّ في الرواية" ويزيح عنه جدران الأسى لكي ينطلق، ولذا تشابهت المشاهد الحميمية لفرات مع مشاهده مع تفكيك الكلمات وتركيبها "في تركيب كلمات مشتقة من مادة ك ت ب في المعجم"، ولذا نتج تكامل بين الشخصيات بداية من الأسماء "فرات" في تردده، و"أريج" في رائحة الزهرة وانبعاث غوايتها، فلا فائدة لهذه دون ذاك

-ورغم أن هذه الانطلاقة تؤدي لموت المشاعر "بالتعبير عنها" وترك صاحبها في حيرة دون استقرار "كحيرة فرات في النهاية وحيرة طلال الظاهرة في خطاب البداية والنهاية" إلا أنها بها غواية وسحر يغللهما الخوف من تعفن المسمى في التأويل الواحد وموته، فيجعله قابلا لأن يحلق مع الغواية رغم علمه أنه لن يطير، وأن أرض الشك من جدوى ما فعل تنتظره

الخلاصة: عمل جيد، ربما لم يعجبني في تنقله بين المواقف واللقطات أول الأمر لأنه أفقدني التأثر وكذلك اللهجة وثقلها رغم وجودها الموفق لإكساب الواقعية، لكنه أعجبني في تأويلات فرات وتساؤلاته، وكذلك لقطاته مع الجدة التي بها تلقائية محببة.

Facebook Twitter Link .
1 يوافقون
اضف تعليق