تغريبة القافر > مراجعات رواية تغريبة القافر > مراجعة Mohamed Osama

تغريبة القافر - زهران القاسمي
تحميل الكتاب

تغريبة القافر

تأليف (تأليف) 4
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
4

#ريفيوهات

"تغريبة القافر.....ملحمة الغرقى وأسماك الصد "

مما أعجبني في الآراء المحللة لمسلسل التغريبة الفل.سطينية للكاتب د.وليد سيف أن المسلسل لم يرتكز على الأحداث الفاصلة ليبني على أساسها الشخصيات وانفعالاتها، بل جعل تلك الشخصيات ممتدة لها حياة تمر على تلك الأحداث وتتأثر بها على حسب موقعها وقوتها، ولكي يتناسب عنوان المسلسل-الذي يعبر عن حالة فل.سطيني الشتات- مع الواقع وزع الكاتب لكل شخصية معاناتها وغربتها الخاصة فكشف لنا صورة حية، نرى من خلالها الأوضاع الاجتماعية والجوانب النفسية وثقافات الناس إلى جانب الأحداث السياسية، بل تصل لأن تكامل تلك الأحداث وترمم نقصها

-أما عن تلك الرواية فقد برعت بوصفها حال أهل عُمان من جوانب هامة، سواء في عرض الظروف الاجتماعية "في عرض مباهجهم الخاصة في عصور الرخاء وأحزانهم في أيام الجدب" أو عرض الثقافات والاعتقادات "من اعتقادهم بسطوة القوى الخفية- في مشاهد عدة منها غيبة سالم أو بناء الأفلاج أو حتى في غضبة بسيطة كغضب الشايب بو سليمان - إلى جلسات التسامر وشخصية الملسونة"، وأيضا برعت في اختيار المكان بابتعاده عن العاصمة وانغلاقه على نفسه "نراه جليا من خلال اندهاشة ابن مهدي حين ذكرت مسقط" فتخففت من عرضها للأحداث السياسية إلا من تلميحات نادرة "عن الوجود العماني في زنجبار في سرد قصة مريم " لتتخفف بدورها عن التقيد بزمن معين "ومنه كان زمن الرواية ملقى عليه بعض الرتوش"

-ومنه صبغ الكاتب الرواية بلون الرواي العليم، فهو -وإن كان به بعض التخلخل في النصف الثاني من الرواية- إلا أنه كان الأنسب في نقل صورة شاملة، لتصبح شخصيات "الواعري وكاذية، وسالم وأبيه عبد الله، ونصرة، وآسيا، والمسافر" وما يدور بداخلهم من معاناة وغربة، فضلا عن علاقتهم بالآخرين، منفتحة قابلة للتشكل والإحالة لأزمان عدة "كمعاناة القافر مع أهل القرية، أو حديث عبد الله بن جميّل قبل موته (باه بلادك ما هي بلاد)"، وأيضا قابلة للتماس مع واقعنا، فنستطيع رؤية أنفسنا ومآسينا في تلك الرواية وإن اختلفت البيئة والثقافة.

--عن النداهة وتصاريفها

- في مشاهد عديدة من النصف الأول من الرواية- "كمشاهد الزائر الغريب لصبيحة "أم الواعري" ومريم بنت حمد، والطبلة المسحورة التي جذبت غانم "والد كاذية"، وسماع سالم لدفقات المياه في الأرض" - نرى تنقل تلك الشخصيات حول نقطة واحدة تبدأ منها رحلتهم التي تنزع عنهم كل صلة بالناس وواقعهم، نقطة تلوح -مهما كانت صورها- إليهم، عارفة ما يملأهم من أحزان وشكوك حبيسة تسعى فيها حكايات الناس "كمواساتهم لصبيحة، أو وصفاتهم لمريم، أو حكاياتهم عن عبد الله بن جميّل" ناهشة ذواتهم ببطء، فتزيد من مصيبتهم "كوقع صداع مريم بنت حمد"

-ولذلك فهم يحتاجون لتصريف يلائم حالهم، من طموح أو أسف وأسى، ومنه أوغل الكاتب في وصف الماء الحبيس وهديره الخافت في أذن سالم، جاعلا من هؤلاء والماء وحدة واحدة، فتجد نفس عبد الله بن جميّل ونصرة كالبئر المظلمة والتي تكتفي بما فيها من ماء كما اكتفوا بما بداخلهم من بلايا، وتجد الشق الذي ينبع منه الماء ولو بدرجة قليلة كالواعري في مهابته وتوازنه رغم شدته، وتبصر اندفاع النبع وجريانه مخلفا أطلال الصخور في سير غانم والد كاذية هائما يطرق على طبلته، أو في الملسونة التي تدلق أحاديثها دون أن تتمهل، ونستشف من جريان الماء الهادئ دقات القلب العاشقة كما رأينا سالم وحبه لنصرة.

--شرفات لنفس النظرة "محنة كمحنة الأنبياء"

❞ نعم، للماء أيضًا مفاتيحُه، هذا ما يعرفه القافر من خلال خبرته الّتي راكمها طوال سنين عمله في تتبّع المياه، فهنالك -على حدّ قوله- مياه كريمة قريبة من السّطح تسري في تربة حصويّة أو رمليّة تقول لك تعال خذني، وهناك مياه مخادعة، تسكن التّربة الرّخوة والطمي، تبدو من خلال الثّرى وفيرةً، وما إن تحفر الأرض وتشقّ المجاري لتتبّعها، حتّى تخسر وقتك وجهدك كلّه، وبعد ذلك تُدرك أنّك كنت تطارد قطرات شحيحة تنبجس من منبعها لتسكن ذلك الطمي لا غير. وقد يحاول البعض مطاردة منابعها لكنّه كلّما حفر هبطت إلى القاع بالمنسوب الضّئيل ذاته، فلا هو ينال ماءها ولا هي تتدفّق كما يتمنّى. ❝

-يتجلى الفرق بينهم "الشخصيات" وبين العامة في أنهم قد تناوبت عليهم المصائب والتجارب التي هذبت تفكيرهم وأزالت عن عقولهم غشاوات فرأوا حقيقة الدنيا "كحديث سالم عن جدوى التقفير، وانتظار نصرة الدائم، وانزواء الواعري عن الناس"، ومنه يتصرفون وفق ما وجدوه برمي أنفسهم في أحضان التجارب للتنفيس عن عظم المصائب "كما فعل غانم مع الطبلة، أو كما لاذ ابن جميل بالصمت في مجالس القوم" أو بحكم العادة، ولأن الناس تعادي ما تجهل فيتناوبون -كما يتناوب السمك- بالنهش والسخرية على مصابهم "كسرد العجوز لقصة بيت القتعة" ويكثر بينهم الحديث وتشكيله وإضافة أحداث بوسع الصحراء تزيد من ذم هؤلاء المختلفين، رغم أنهم ذاقوا بعضا من هذه الحكمة وانصاعوا لها "في القحط الذي أصابهم" لكنهم سريعو النسيان كالأسماك شديدو الانجذاب لإفراغ الحديث كما تفرغ الوديان من الماء "لذا كانت حيلة سالم في اصطياده للأسماك لها مغزى قوي في الرواية"

- ولا عجب أن تلك الصورة شديدة الشبه بمعاناة أنبياء الله مع أقوامهم، وتلامس تلك الشخصيات مع صفات الأنبياء في العزلة والتغريبة عن أقوامهم، وفي إصرارها على ما تعتقد وتؤمن، وكذا القوم فهم يتطابقون مع الأقوام الماضية في نبرة السخرية والتعالي وأيضا التذلل والإذعان المؤقت حين تنفد الحيل.

--ثنائيات ممتدة "عن المسافات الواجبة للعشق"

أَبلى الهَوى أَسَفاً يَومَ النَوى بَدَني

وَفَرَّقَ الهَجرُ بَينَ الجَفنِ وَالوَسَنِ

روحٌ تَرَدَّدُ في مِثلِ الخِلالِ إِذا

أَطارَتِ الريحُ عَنهُ الثَوبَ لَم يَبِنِ

كَفى بِجِسمي نُحولاً أَنَّني رَجُلٌ

لَولا مُخاطَبَتي إِيّاكَ لَم تَرَني

-أبو الطيب المتنبي

❞ هرش الطّفل رأسه، محاولًا فهم الفكرة، كيف يمكنها أن تهتمّ بشخصٍ وترفضه في الوقت ذاته؟ ❝

-وللحب أيضا معياره الخاص لهذه الشخصيات، نرى من ثنائيات "الواعري وكاذية، ونصرة وسالم، وابن جميّل ومريم، وآسيا وابن مهدي وربيبها سالم" اكتمالا لمعنى الحب في الهجر لا في الوصل، في الابتعاد لا القرب" كرقة هدير الماء فوق الأرض التي خلبت سالم وشدتها التي أزعجته ونفرته في باطنها"، كأنهم يدركون أن ذلك سر دوامه وبقاءه في ذاكرة العامة قبل ذاكرتهم، كما بقيت قصص ليلى الأخيلية وتوبة ومجنون ليلى العامرية، فيغتربون عن الناس لأجل أن تبقى ذكراه "كما فعلت نصرة يمغزلها" وعن حبيبهم كذلك إلا بنظرة -كما يفعل الواعري - تروي ظمأهم وتصبرهم "لذا طويت قصة آسيا وزوجها بعد اللقاء، وكأن الكاتب -موافقا السير الشعبية- جعلها نهاية سعيدة خشي منها أن ينالها أي نقصان مرة أخرى لأن التكرار يضيع المعنى"

الخلاصة: عمل جيد جدا، أعجبني في وصف الصحراء والأفلاج، وقص سير أهل عمان وعاداتهم من خلال لهجاتهم الواضحة والمفهومة -مبتعدة عن الحواشي- إلا أن السرد قد أصابه بعض التفكك في طرحه لبعض الأسئلة في بعض الفقرات "ترى ماذا يفعل؟" لكنه عاد لتماسكه في المشاهد الأخيرة

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق