حكاية سناء > مراجعات كتاب حكاية سناء > مراجعة Moustafa M. El Sayed

حكاية سناء - روجينا بسالي, عمرو خفاجي
تحميل الكتاب

حكاية سناء

تأليف (تأليف) (تقديم) 3.9
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
3

#ماراثون_القراءة_مع_بيت_الياسمين

المعتاد والمتعارف عليه أن يصدر الكتاب -أي كتاب- أولًا، فإذا ما حقق نجاحًا يقوم مخرج ومنتج بإنتاج فيلم مأخوذ من هذا الكتاب. لكن ما حدث مع كتاب "حكاية سناء" هو عكس المعتاد.. ففي عام 2016 طرحت المخرجة الشابة روجينا بسالي فيلمًا وثائقيًا يحمل نفس العنوان، ومن إنتاجها بدعم المركز القومي للسينما. فلما نجح الفيلم، وحصد العديد من الجوائز من مختلف المهرجانات الدولية، قررت دار "بيت الياسمين" لصاحبها الكاتب الكبير إبراهيم عبد المجيد التعاون مع المخرجة، وبالفعل تم إصدار الكتاب يحمل نفس العنوان ومن تأليفها. وبالطبع جاء الكتاب أكثر ثراءً وتفصيلًا وعمقًا من الفيلم.

*****

يبدا الكتاب بتقديم الأستاذ الصحفي والإعلامي عمرو خفاجى له. والذي لم يجد أفضل من شهادة عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين بالثناء البالغ على الآداء التمثيلي للفنانة سناء جميل، لتتصدر تقديمه للكتاب. ولم يكن هذا التقديم من باب المجاملة للمؤلفة، بل لقد أورد فيها عمرو خفاجي كثيرًا من النقاط والأفكار التي تسلط الأضواء علي تقاليد وثقافة المجتمع في الوقت الذي كانت فيه سناء وكذلك الحركة المسرحية المصرية تخطو خطواتها الأولى المترددة. ويواصل حديثه فيتناول موقف المرأة بصفة عامة في بلادنا.. ولأن سناء جميل قبطية من صعيد مصر فقد تطرق حديثه ليشمل المسيحي والمسلم والعلاقة بينهما.. ونعرف أن المخرج العالمي "مصطفى العقاد" قد اختارها لتقديم شخصية بطلة من بطلات التاريخ الإسلامي..

*****

المؤلفة لم تقسم كتابها إلى فصول وأبواب ونحو ذلك، بل تركت هذا الأمر للحكايات والموضوعات، أغلب الظن بسبب تأثرها بأسلوب الإخراج السينمائي.

تبدأ سردها لكواليس الأحداث التي سبقت الفيلم ومهدت له بالنهاية؛ في عام 2002 حينما أعلن التليفزيون المصري نبأ وفاة الفنانة القديرة.. لقطات مباشرة من جنازة الراحلة.. كانت روجينا بسالي مؤلفة الكتاب في المرحلة الإعدادية آنذاك.. صدمها المشهد الذي وقف فيه الكاتب "لويس جريس" زوج الفنانة، متمسكًا بالنعش رافضًا نزوله المقبرة، وجعلها تجزم بأنها يومًا ما ستقوم بعمل شيء عن تلك السيدة التي جعلت رجلًا يتعلق بها لدرجة أن ينتحب هكذا لفراقها... ياله من حب..

ومضت السنوات ثم التحقت روجينا بالمعهد العالي للفنون المسرحية.. وتلعب المصادفة لعبتها، فتلتقي بالأستاذ لويس جريس على بوابة المعهد، ولم تفوت الفرصة فكشفت له عن جانب من مخططها الفني.. ثم توالت اللقاءات، وتم الاتفاق على الفيلم، وبالفعل تكون فريق العمل، وبدأ التحضير للفيلم الوثائقي "حكاية سناء". وفي نهاية هذه المقدمة تكتب المؤلفة مجرد سطرين، لكنهما يوضحان تمامًا الفارق الكبير بين الفيلم والكتاب، إذ تقول: "وفي كل مرحلة من من مراحل الفيلم نجد عنها حكايات أشبه بالأساطير، في كل خطوة نكتشف شيئًا جديدًا ومثيرًا في حياتها، يجعلنا نعيد ترتيب حساباتنا مرة أخرى ونبدأ من جديد، حكايات عديدة..." ولا أكون مبالغًا إن قلت أن هذين السطرين يجيبان على السؤال الملح: لماذا لم تكتفي امرأة مهنتها الإخراج (سينما أو مسرح أو تليفزيون) بالفيلم، أي العمل الذي هو من صميم اختصاصها، وأصرت على خوض تجربة في مجال آخر ليس لها فيه أي باع؟ لقد تيقنت أن ما تضمنه الفيلم أقل كثيرًا مما ينبغي.

فتعقب على ذلك قائلة: ومن هنا تحمست لاقتراح "بيت الياسمين" لاستكمال حكايات سناء في وسيط آخر .. مختلف. بل وتعترف بأخطاء ارتكبت في الفيلم، تم تصحيحها في الكتاب

*****

اسمها الحقيقي: ثريا يوسف عطا الله، ولدت في ملوي بمحافظة المنيا 27 أبريل 1930. مع معلومات شحيحة جدًا عن الأب والأم. في العام 1939 أودعت عائلة ثريا طفلتهم مدرسة داخلية.. ولا أحد يعرف لماذا تم ذلك؟

في المدرسة كان هناك اهتمام بالغ بالأنشطة المختلفة وعلى رأسها التمثيل والمسرح.. واشتركت ثريا في المسرحيات التي قدمها فريق المدرسة، والتي كانت تقدم عادة باللغة الفرنسية. ومن هنا اكتشفت ثريا حبها وشغفها بالفن.

بعدما أنهت ثريا مراحلها التعليمية وحصلت على شهادة "الباشو" (التوجيهية)، انتقلت لتعيش مع شقيقها الأكبر وزوجته في منزله بحي غمرة.. شقيقها الذي لم تذكر له اسمًا...

وبرغم كل الظروف الصعبة المحيطة عرف الحب طريقه إلى قلبها.. أحبت جارها طالب الكلية الحربية، الذي أصبح "ملاكها الحارس".. والذي يعد نقطة تحول جوهرية في مشوارها الفني. فهو الذي أقنعها بالالتحاق بمعهد التمثيل، على الرغم من أنها كانت فكرة مستحيلة لها ولأسرتها المختصرة في شقيقها فقط وللمجتع في ذلك الوقت.. وهو الذي يعلمها اللغة العربية التي لا تجيدها، لأن مراحل تعليمها كانت باللغة الفرنسية... وكذلك بحث وتقصي عن كيفية التقديم والشروط والاختبارات.. ثم تصادفهما عقبة توقيع شقيقها علي الأوراق.. بالطبع لن يقبل... لكنه القلب وأحكامه، إذ ترتفع ستار مسرح الحقيقة عن مشهد الجار العاشق يلعب دور أخيها، يوقع الأوراق الرسمية بصفته ولي أمرها وعائلها الوحيد كذبًا وزورًا، لكنه كذب أبيض!!

نجحت في الاختبارات، والتحقت بالمعهد.. لكنها لم تكن النهاية.. فبعد عام واحد اكتشف أخوها الكذبة، ليواجهها ونيران الغضب تأخذ بخناقه: "كيف تجرئين على الالتحاق بمعهد التمثيل دون علمي؟ تريدين أن تجلبي لنا العار؟ على آخر الزمن تطلع واحدة في العيلة مشخصاتية؟!"... رفضت ثريا أن تقدم له فروض السمع والطاعة، فما كان منه إلا ردة فعل عنيفة جدًا.. لطمها على خدها تلك اللطمة التي أفقدتها طبلة الأذن اليمنى، وتسببت في مشكلة لديها في السمع لازمتها طوال العمر، وقام بطردها من المنزل.. وقع ذلك في اليوم المشؤوم؛ يوم أن احترقت القاهرة.. 26 يناير 1952. ساعات ليل طويل قضتها تجوب الشوارع بلا هدف.. وفي آخره وجدت ملاذها في بيت زميلها الفنان "سعيد أبو بكر" وزوجته الإيطالية.

لم تقف سناء جميل في وجه شقيقها فحسب، بل وقفت في وجه مجتمع جامد ومتزمت ... يرفض الانفتاح والاختلاط.. يظلم المرأة وينتهك أبسط حقوقها... ونظرته للفن لا تفرق كثيرًا عن نظراته للمجرمين وأرباب السجون... لدرجة أن يقوم مفتش الأزهر بزيارة معهد التمثيل لحماية الفتيات من دراسة التمثيل، ويتهم الإدارة جهارًا نهارًا بتعليم البنات "الدعارة".

ضم زكي طليمات ثريا لفرقته من قبل تخرجها لإعانتها على ظروف المعيشة.. كما اضطرت للعمل بتطريز الملابس وزخرفة المفارش... ثم اضطرت أيضًا لمغادرة بيت الطالبات لتسكن في "بدروم" بمنطقة "أرض شريف"... غرفة شديدة الرطوبة، وليس بها أي شيء يصلح لأغراض المعيشة.. وفيها ذاقت كل ألوان العذاب والشقاء.. ولكن الفنانة العنيدة والمرأة المتمردة لم تستسلم.. حاربت وقاتلت للوصول إلى الحلم..

وتتواصل أحداث الرواية، ويمضي معها المشوار من محطة إلى أخرى.

*****

"حكاية سناء" هي سيرة ذاتية لكفاح وطموح فنانة موهوبة ومبدعة... كما أنها تجسد للقارئ الكثير من تقلبات المجتمع وتبدل نظرته للمرأة والفن على مدار سنوات القرن العشرين.

ولقد أعجبني كثيرًا هذا الكم الهائل من الصور والوثائق للفنانة الذي أرفقته المؤلفة مع أحداث روايتها، وأظن أن له تأثير بالغ على القارئ.. فما لا يدركه من خلال الكلمات تتكفل به الصور، والعكس صحيح.

وفي النهاية نتوجه بخالص الشكر والتحية للفنانة العظيمة "سناء جميل"، وللمخرجة الموهوبة "روجينا بسالي" علي كتابها الرائع. ولا نملك بعد تلك المتعة المدهشة التي قدمتها لنا عبر صفحاته، سوى أن نردد بصوت عالٍ: حقًا مصرنا الحبيبة وَلاَّدة!!

Facebook Twitter Link .
1 يوافقون
1 تعليقات