سنوات الجري في المكان > مراجعات رواية سنوات الجري في المكان > مراجعة Mohamed Osama

سنوات الجري في المكان - نورا ناجي
تحميل الكتاب

سنوات الجري في المكان

تأليف (تأليف) 4.2
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
5

#ريفيوهات

"سنوات الجري في المكان.....جسد مكتمل، ومعانٍ على مد البصر"

" - هل وصلتم إلى حياة آمنة مطمئنة؟

_نعم

- وكريمة؟ وفيها نفت وكبرياء وقدرة على اتخاذ القرار؟ فيها قدرة على الحركة؟ فيها عظمة وأنفة وأحلام وطموحات؟

_ما لنا ولهذا كله؟

- ما لكم وللحياة إذن؟!"

"من مسلسل الزير سالم- تأليف ممدوح عدوان"

- مثلما كان ذلك الحوار لا يحجمه زمن معين أو حدث معين- بل هو رداء فضفاض يضم أي موقف طالما كان متلامسا مع المشاعر التي أخرجت تلك الكلمات- كان أساس الرواية معنى فضفاضا هو الآخر- لا يختلف كثيرا عن ذلك المقطع- يتسع لتفسيرات وأسئلة مهما كانت متناقضة أو مربكة، وهو عن الجري في المكان، أجد نفسي مارا بشخصيات الرواية متأثرا بحالتهم أتساءل، ما معنى الجري في المكان؟ أهو ثبات الإنسان بماضيه رغم تحول الحاضر للدرجة أن يشعر بالغربة وهو بين أحبائه؟ أم هو شعور بارد تجاه حياة مكررة كل يوم؟ أم هو اضطراب لما بعد الصدمة يغلف المرء بدولاب كفأر مذعور يجري يود أن ينزع نفسه عنه؟ أم هو الروح المنطلقة التي انكشف لها كل شيء ولكن لازالت جوار جسد مسجى؟ أم هي الموهبة المستترة؟

-وأمام كل هذه الأسئلة لا أجد إجابة مطلقة بل حتى عن الجري نفسه هل يصنع صورة ملحمية نراها ونسمعها كمشروع سعد أو نتفاعل معها ونشعر بحرارتها كمشروع مصطفى السمعي، أو هو حسبه خط ممتد أوله مثل آخره لا فرق بينه وبين الموت كما جاء الحوار؟ لكن ورغم اتساعه تقسمه الكاتبة ببراعة وتوزعه على كل شخصية بحسب رؤيتها، وهي ما جعلت حياتهم لها مصداقية خاصة، وهي ما رتبت مواقعهم من الأعلى إنغماسا في المعنى، إلى الأقل والذي كان أقرب من الواقع إلى الحلم

-- جسد واحد "من الدفء إلى التداعي"

-منذ ثلاث سنوات تقريبا كنت أحب متابعة برنامج وثائقي يدعى "كنت هناك" وهو ببساطة يسرد وقائع تاريخية أو أحداث هامة، القصد أن ما يميزه عن غيره من البرامج ضيوفه، هم من شهود الحدث، من لمسوا حرارته وذاقوه أكان حلوا عزيزا "كمعر.كة الكرامة أو أحداث معبر رفح ٢٠٠٨" أم مريرا "كاغت.يال الحريري أو الهجوم الكيماوي على سوريا أو اجتيا.ح لبنان ٨٢"، تدور الحلقة بقطعات لكل متحدث، يتصاعدون ويتناغمون مع الأحداث كجسد واحد كأنها كانت أمس، ثم يهبطون وتصحبهم موسيقى وداعية باردة ويتلوها صمت لينتهي البرنامج

- وكان ذلك ما أعجبني في الرواية أيضا، فلم تكن رسومات الحواس ولوازمها عابثة، فسعد "الشهيد" ومصطفى وياسمين ويحيى ونانا صنعا -من نقاطهم المشتركة وتفردهم بالنظر لما خلف الأشياء والافتتان بالتفاصيل والهشاشة والشفافية- جسما واحدا، تعريفاته الخاصة عن الأشياء الأساسية "الحواس يعني" متآلفة بجوار بعضها في جو دافء "كشعور ياسمين في مطعم القزاز" وتلك ما تجعلها مكتملا، يظفر بابتسامة أو فرحة بل وتصل إلى شعور قوي بأنه موجود وأن له مكان وقدرة على الخطو، وترى فرحة سعد الأخيرة أو نظرة نانا لشارع شريف، أو رؤية مصطفى لميدان طلعت حرب، لحظة مندفعة صادقة كالحلاق الذي حفر الحفرة وأفشى السر

"وكيف يبقى آخرا.... قد مات عنه أوله"

"من أبيات يذكر أنها نقشت على قبر النبي إبراهيم عليه السلام- البداية والنهاية لابن كثير"

-ومنها-إن طابقنا البيت بحالهم- مثلما تترك الروح الجسد كدمية فارغة، تداعت شخصيات الرواية، انعدمت معانيهم، غلفهم شيء لا تعريف له "يشبه الهلام الشفاف كما وصفت ياسمين" يحجز بينهم وبين ماضيهم، يسحب هوياتهم ويجعلهم غرباء عن أنفسهم كما قالت نانا ليحيى "أنت لست حتى قادرا على تذكر نفسك"، يزيدهم حنينا إلى الأرض لتنهي مأساتهم، ليس كأجسام متفرقة ولا حتى جسما واحدا، إن هي أشلاء تريد أن تكون ترابا كالقطط الميتة "وهنا ترى ياسمين صادقة في تذكرها للآية الكريمة "كل نفس ذائقة الموت" وتلعثمها في إكمال باقي الآية "ثم إليه ترجعون" لأنهم كما قلنا لا يرون أنفسهم إلا مجرد جماد يطمح ليكون قطة ميتة.

ملاحظة : منهم من يفضل أنانية لطيفة لكي يعيش حياة طبيعية كيحيى ومسرحياته "كل مرحلة لها جمالها"، ومصطفى الذي وضع لحب سعد وقودا، لكنهم في رأيي يدورون حول أنفسهم، لكن يغيبون أنفسهم عن الحقيقة ومرارتها لأن الجهل بالأشياء مريح

--ورقة بيضاء خداعة

"في بعض الغياب حضور أكبر"

من أواخر ما نشرته الصحفية شيرين أبو عاقلة، قبل اغتي.الها

-تعالوا نسأل، ما معنى الغائب الحاضر؟ كيف يكون للغائب حضورا من الأصل؟ وهنا أصل المتناقضات في الرواية، هنا ما يجعل نانا ترى في الخلود موت لأنه يشيء اللحظات لكنها تفكر في كتابة رواية، ما يجعلنا أيضا نتقبل مصطفى بإخلاصه ثم أنانيته الرفيقة، هي بقية نظرة لما خلف الأشياء ترى التلاشي والموت مثلما نراه، لون حداد أسود نخافه كما خافوه، يصطبغ بحياتهم كلوحات فان جوخ، مجهول به ألوان مضطربة ممتزجة يطمس بعضها بعضا، لكنه يخدع كما خدع سعد بصورة أبيه الراحل، ونانا بمواقع التواصل، ويحيى ومصطفى، بأن جمع كل صفات الألوان ومتناقضاتها "شفافية وهشاشة ومكر وسلبية" ودورة الزمن وتردده بين النقيض والآخر كما صنع سعد بلوحة ألوان الطيف في لون واحد "أبيض" يجعل الرؤية من خلاله أكثر دقة من اللازم صافية تثير الاستغراب "مثل نانا وياسمين وسعد" ومنه كان بداية جديدة رغم أنه معناه نهاية أيضا.

-- غمد السيف وجناحا الطائر" المتلازمتان"

- من خلال ما قرأته، وما زادني ثقة برؤية علاقة نانا ومصطفى "والتي تلامست مع رواية الجدار "بين حياة وخالد" رأيت أن الكاتبة وضعت توازنا جديدا بين المشاعر من الألوان إلى الأشخاص، فمثلا، تجد أدريان برودي "بطل فيلم the pianist " حاضرا في ذاكرة ياسمين يوم موت جدها، وهو على حسب ما فهمته من حبكة الفيلم، ملائم للهشاشة "الممثلة بالأحمر" والتي تحيطها صلابة أو نظرة ميتة باردة "والممثلة بالرمادي"، كأنه سيف في غمده "جرابه" يحمي اندفاع صاحبه ويجعله مهابا، كالحجر الذي وضعه يحيى ليحمي دماء الشهداء من أن تداس

-وعلى نفس الطريقة تجد نانا ومصطفى، بعلاقتهما الغريبة وصفاتهما المتناقضة يصنعان جناحان، يترددان بين تلاقٍ ثم افتراق حتى لو كان طائرا يرقص رقصة الذبيح، فلا قيمة لأحدهما إذا انتزع من الآخر أو رأى نفسه مستقلا

--إنعكاسات عبر زجاج متكسر

-ولأن الرواية لا تخلو من التناقضات والاضطراب بين الأصل والصورة، كان لنا أن نرى صورا متعددة لأغراض مختلفة، تبدأ بانعكاس يفضح الذات ويكشفها نازعا خداع الذات وتبريراتها كالأب والابن "مصطفى وأبيه الذي لم يملك حياة حقيقية" أو كقول نانا ليحيى في تذكره لنفسه، ثم تتصاعد لمجادلة لوامة لا تدري أيهما صائب في نظرته "بين سعد ونفسه يوم جمعة الغضب" إلى أن تصل لمحاكمة يتنازع فيها القديم والجديد في نفس الإنسان "كيحيى ومؤلفاته"

-ومن هذا كله ومن الشظايا المتكسرة، تنعكس أمام تلك الشخصيات التجربة الذاتية للكاتبة بوضوح بينهم، في الوحدة وتجربة الرغبة بالتلاشي "فيتشابه ظل ياسمين بظل بطلة قصة فتح المندل" وهشاشتها تجاه الواقع "فيتفق التعبير عن الألم في ذكر مذ.بحة الغوطة الشرقية في رواية الجدار وفي تلك الرواية بذكر عبارة "سأخبر الله بكل شيء " " واغترابها والرؤية المصفرة "فنرى نفس الاحساس الصادق المقبض التي جربته نانا في كتاب الكاتبات والوحدة ورواية الجدار" وحتى خوفها من الموت "فترى إحساس الخوف موحدا في مشهد موت جد ياسمين وموت جد بطلة قصة خوف" وهنا أجد براعة في نسج كل هذا وضبطه على كل شخصية بل وتدعيمه بتفاصيل ترينا صورة كاملة

ملاحظة: ربما تتصاعد هذه الانعكاسات لخارج الصورة فتضع شخصية سعد مقابلا للشخصية المقتبسة منها "الشهيد"، كمسار آخر لحياتها

الخلاصة: رواية ممتعة رغم ما بها من ألم، وظفت الكاتبة فيه كل شيء ليوافق عنوانه الفلسفي ومعانيه المتسعة، كما أجادت في نقل كل شخصية بفنها وبرواية السرد التي تزيدها واقعية.

Facebook Twitter Link .
2 يوافقون
اضف تعليق