"حكاية فرح.. المرأة بين ضغوط المجتمع واختلاف التربية"

لكل منا تفاصيل مختلفة، ولكل امرأة تفاصيل أكثر تعقيدًا، ربما تعيش امرأة في حالات من السكون والغضب والراحة بتناقض مستقيم يرجع إلى عوامل كثيرة، وتعيش كل منهن حياتها إما تابعة أو متبوعة أو مستقلة، ضد صراعات لا تنتهي.

هي حكاية فرح، ليست فرح فحسب، وإنما ربما آلاف قريناتها من النساء، يأخذنا هذا النص البديع في تفاصيل حياتها، لنتعرف على هذه الشخصية التي لا تنفصل عما حولها في المجتمع.

النص أغلبه على لسان الراوي العليم وهي فرح، وينقسم إلى ثلاثة أجزاء: في البداية طفولة ومراهقة فرح، ثم فرح الناضجة، ثم علاقة فرح بابنتها.

في الثلث الأول رأينا معاناة فرح وقهرها التي عاشته في بيت أبيها وأمها، زواج محطم، ونفسيات مشوهة، وتفرقة في أمور كثيرة بينها وبين أخويها، جعلت منها شخصية غاضبة متمردة، في هذا الجزء تشكل في وجدان القارئ كل ما تم غرسه في نفس فرح، والذي سينفجر عدة مرات في مستقبلها، وكيف استقبلت تربية أمها "زينب".

أعجبني كثيرًا في هذا الثلث حادث البالوعة الذي تعرضت له فرح، وكيف أثر في حالتها النفسية، وخلق حالة رعب تجاه جسدها وشخصيتها، ويستمر تأصيل نفس فرح وربما حدث بعض الإسهاب في هذا الجزء سبب بعض الملل، لكن في ذات الوقت رأينا كيف عاشت فرح في هذا البيت، الذي وقفت تشاهده بعينيها لحظة هدم حوائطه في مشهد رائع وعبقري ومؤثر للغاية.

ثم الجزء الثاني عن حياة فرح بعد زواجها، وانفصالها، وقد أبدع الكاتب في وصف أدق تفاصيل ما يمكن أن تعانيه المرأة المنفصلة، فهي في حيرة بين كراهية تكرار زواج ينتهي بفراغ سجن، وبين أمل في العثور على حبيب تحتاج أن يشاركها ويدعمها مهما طغت عليها الظروف، صراع نفسي دائم يخضع للوحدة والرغبة والاكتئاب والخوف من المستقبل، لتتورط فرح في علاقة جديدة مع شخصية "كريم" فلا تعرف أهو الحب والنعيم الذي حلمت به، أم مجرد نوع جديد للشقاء والهموم.

وفي آخر ثلث تتحدث فرح عن علاقتها بابنتها، وتبدأ هذه العقد والصراعات في إعلان تمردها وتشكيل تربية مختلفة لخلق مصير جديد لابنتها، وتظن أن الحرية هي الحل لكن تجد نفسها في دوامة جديدة من أسلوب تربية معقّد، يكاد يميت ابنتها.

هذه الصفحات قدمت نصًا بديعًا، السرد ممتع، واللغة رائعة ومناسبة تمامًا للشخصيات والحدث، والحوار رغم قلته ترك أثرًا عميقًا، خاصًة في جزء حديث فرح مع كريم عن الوحدة.

كلها عوامل شكّلت ملحمة أدبية عظيمة، ثرية في تفاصيلها، صادمة في صدقها، وممتعة لأقصى درجة، ومؤثرة في الوجدان، تثير تساؤلات لا تنتهي، وتحقق أعلى جرعة من الفن والجمال.