غريب الحارة > مراجعات كتاب غريب الحارة > مراجعة Bouchta Lechhab

غريب الحارة - عمار علي حسن
تحميل الكتاب

غريب الحارة

تأليف (تأليف) 4
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
0

ذكر- سحر- وغدوة- وبكرة- وما اشبهها

والحين والقرن والآن وإيّان وأوان والحقبة والكلام في إذ وإذا وهما للزّمان وما أشبهها قال أبو العباس محمد بن يزيد: اعلم أنّ المعرفة إذا أخبر عنها بنكرة فإنها توجب فيها مثل ما يكون لها لو كانت معرفة بنفسها، وكذلك النكرة إذا أسند إليها معرفة، والذي جعلها على هذا كونها خبرا عن معرفة، ولو انفردت عنها لم يكن كذلك، يقول: زيد منطلق فالعلم أنّ المنطلق هو زيد جعله مختصا كزيد، ولو انفرد لكان شائعا، وعلى هذا ما يقرب من النّكرات بالصّفات وما يجري مجراها كقولك كان عند رجل من آل فلان، وويل لزيد، لذلك يستفاد منه ما يستفاد من المعارف، أو تقاربه، فعلى هذا ما سمعنا بقول: سير عليه عشية أو غدوة أو ضحوة وكلّ ذلك نكرة لا يكون واحد من أمته أولى به من الآخر، ولا يوم من الأيام أحقّ بتعلّقه به.

فإذا قلت: سير عليه يوم الجمعة عشية، أو ليلة الجمعة عتمة، وأنت تريد ذلك من يومك وليلتك، لم يكن عشية ولا عتمة وما كان مثلهما إلا نكرات في الأصل ولوصفك إيّاهنّ موضع المعرفة ضعفن وامتنعن الصّرف، فلم تكن إلّا ظروفا منصوبة بوقوع الفعل عليها، ولم يقمن مقام الفاعل، كما كان يجوز فيهنّ إذا قلت: سير عليه عشية من العشيّات، وضحوة من الضّحوات، لأن الظّروف إذا قوين في أبوابهنّ فعلن مفعولات على السّعة، وأقمن مقام الفاعل، ووضعن موضع الخبر مرفوعات، كقوله تعالى: مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ [سورة طه، الآية: 59] وكقولهم: أقمنا ثلاثا لا أذوقهنّ طعاما ولا شرابا، وسير به يوم الجمعة، وكقول لبيد شعرا: فغدت كلا الفرجين تحسب أنّه

مولى المخافة خلفها وأمامها فعلى هذا يدور أمرهنّ، وإذا هنّ نكرات، أو كنّ معارف بأنفسهنّ فأما إذا وضعن وهنّ نكرات في موضع المعارف، فقد أزلن عن بابهن وعرفهنّ غيرهنّ فلم يجز أن يخرجن من الظروف إلى غيرها إذ كنّ قد أزلن عن أصولها فإذا قلت: آتيك ضحوة يومك وعشاءه، لم يكن سبيله سبيل ما هو عام فيما وضع له، فلا يحصل به اختصاص، بل هو موضوع موضع الضّحوة بالعرف، فصار يجري مجرى المعهود للمخاطب، أو المضاف نحو قولك: ضحوة يومي وإذ كان كذلك بان الفرق بين الموضعين، لأنّ حكم اسم الجنس أن يكون شائعا في الأصل.

ثم يحصل التّعريف فيه بوجه من الوجوه المعروفة وقولهم: عتمة مصدر مثل الغلبة ومعناه الإبطاء والتأخّر قال: يذكّرني ابني السّماكان موهنا

إذا طلعا خلف النّجوم العواتم إلا أنّه يستعمل ظرفا كما استعمل غيره من المصادر ظرفا، كخفوق النّجم، وخلافة فلان، وغير ظرف أيضا يقول: سير عليه عتمة فينتصب انتصاب اليوم والليلة ويجوز أن يسند إليه الفعل، فيقال: سير عليه عتمة من العتمات، فيدخل الألف واللام وقد يلزم الظرفية فلا ينتقل وذلك إذا أردت به عتمة ليلة، هذا مذهب سيبويه وكان الأخفش يقول: ضحوة وعتمة إذا كان في يومك لرفعهما أيضا، حتى أخذ العرب تمنع منه.

فأما غدوة فإنّه اسم مشتقّ من قولك: غداة، فلقّب به الوقت، فصار علما له كما وضع زيد علما للرجل، فلذلك منع الصّرف، إذا قلت سيّرته غدوة، لأنه معرفة، وجاز فيه ما جاز في يوم الجمعة وأشباهه، لأنّه معرف من جهة التّعريف، يقول: سير بزيد غدوة وإن شئت نصبت على أصل الظّرف، ويكره فيها مثل ذلك إذا حملتها على غدوة، لأنّ المعنى واحد، وإن أردت أن تجعلها كعشية وضحوة، فجيّد، وإنّما جعلوها معرفة تشبيها بما كان في معناها وهي غدوة، لأنّها غيّرت بالتّعريف كما غيّرت غدوة وامتنعت من الألف واللام، ونظير جعلهم نكرة بمنزلة غدوة، إذ كانت في معناها رفع الاسم ونصبهم بها الخبر وإجراءها مجرى ليس، إذ كانت في معنى ليس وإن ثبت تركها غير مشبهة فرفعت ما بعدها، وكذلك قولك: ودع يدع إنمّا كان الكسر نحو يعد ويزن، ولكن تعيّن فتحها وأجريت يذر مجراها لأنّها في معناها ولأنّ الفتحة أخفّ ولهذه نظائر.

فإن قلت: قد قرأ أبو رجاء المطاردي بالغدوة والعشي، فجعلها شائعة كما تقول: جاءني زيد وزيد، تريد جماعة اسم كلّ واحد منهم، فيقول المجيب: ومن الزيّد الأوّل والزّيد الآخر.

وهذا الزّيد أشرف من ذاك الزّيد، وعلى ذلك كانت تثنية المعرفة وجمعها إذا كانت غير مضافة يخرجها إلى النّكرة، لأنّ كلّ واحد يصير مرامه لكلّ واحد منها مثل اسمه، وتضيف زيدا وما أشبهه كما تضيف النّكرة لأنّه يصير معرفة بما أضيف إليه، كما قال الشّاعر: علا زيدنا يوم النّقا رأس زيدكم

بأبيض من ظامي الحد يديمان فإن تقتلوا زيدا بزيد فإنّما

أقادكم السّلطان بعد زمان وأمّا قوله تعالى: وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا [سورة مريم، الآية: 62] فإنّ ذلك نكرة ليس يريد كل بكرة وكلّ عشية، وإنّما تأويله والله أعلم: أنّ الجنة لا ليل فيها يفضي إلى نهار، ولا نهار يتّصل بليل، ولا شمس، ولا قمر إنّما هو في مثل مقادير العادة في الدّنيا.

وعلى هذا جاء الحديث: «نهار الجنة سجسج» : إنّما المعنى أنه أبدا كالنّهار وقوله: سجسج أي معتدل لا برد فيه ولا حرّ.

فإن قلت: كيف جاز أن يصير ما حكمه أن يكون شائعا فيما يصلح له مختصا ببعضه، حتّى زعمت في هذه الأسماء ما زعمت.

قلت: ذلك لا يمتنع في عادتهم وطرقهم، ألا ترى أنّ قولهم: ابن عباس يختصّ بعبد الله حتى لا يعلم منه غيره، وإن للعباس أولادا دون عبد الله، وكذلك قولهم: ابن الزبير اختصّ به عبد الله فيما استمرّ من العادة.

فأما سحر: فإنّك تقول: سير عليه سحر، فلا ينصرف ولا يتصرّف إذا أردت سحر يومك، ومعنى لا يتصرّف لا يتمكّن تمكن أسماء الأزمان في أبوابها.

ومعنى لا ينصرف: لا يدخله الجر والتنوين.

فأن أردت سحرا من الأسحار وهو في موضعه نكرة، فلا مانع له من الصّرف والتمكّن، ونقول: إنّ سحرا جزء من آخر اللّيل، وفي سحر وقع الأمر.

وقال الله تعالى: إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ [سورة القمر، الآية: 34] وعلى هذا إن أدخلت الألف واللّام تقول: سير به السّحر المعروف، وإنما منع الصّرف حين قلت: آتيك سحر، وأنتظر سحر لأنه معدول عمّا فيه الألف واللّام.

وكان شيخنا أبو علي الفارسي يختار أن يقال: إنّه معدول عن أحوال نظائره ألا ترى أنّ أخواته إذا عرفت جاءت بالألف واللّام فهو جار مجرى أخر، وجمع في العدل وإن كان أخر نكرة وسحر وجمع معرفتان، وقد بيّنا الكلام فيه فيما يجري ولا يجري، وإنّما لم ينصرف لأنه بلفظ النّكرة موضوع موضع المعارف من غير أن جعل علما، فهو مناسب لضحوة وعتمة إذا جعلا من يومك الذي أنت فيه.

قال أبو علي الفارسي: دخول الألف واللّام في عتمة إذا أردت عتمة ليلة لا أعلمه استعملت الكلمة بهما.

وسيبويه لم يذكره ولا يجوز حمله على ضحوة وغدوة وبكرة قياسا كما يقوله الأخفش، فيرفع وينصب.

قال: ويقوّي ما ذهب إليه سيبويه من أنّ عتمة لا يستعمل إلا ظرفا إذا أردت به عتمة ليلتك، أنّ ما أشبهها من الظّروف لم يستعمل إلا ظروفا.

فمن ذلك: سير عليه ضحى وصباحا ومساء وعشية وعشاء، إذا أردت بجميعها ما ليومك وليلتك، وكذلك سير عليه ليلا ونهارا، أشبه بالمصادر وقد جعلت ظروفا.

فإن قيل: إنّ ضحى إذا أريد به ضحى يومه مثل عتمة، وقد دخله لام التّعريف في قوله: أبصرته في الضّحى يرمي الصّعيد به.

وفي قوله: نؤوم الضّحى قلت: إنّ هذا قد خرج من أن يكون ظرفا لمكان الإضافة إليه، ودخول حرف الجر عليه فاعلمه، فإن قيل: لم خصّ بعض أسماء أوائل النّهار بأن جعل علما وبعضها بأن جعل معدولا من دون أسماء أجزائه الباقية؟ قلت: لمّا كانت المواعد والحاجات استمرّت العادة في أنّها أكثر ما تعلق تعلق بأوائل النّهار دون أوساطه وأواخره.

وكثر الاستعمال فيها لذلك استيجز فيها ما لم يستجز في غيرها من التّغيرات، يشهد لهذا أنّهم أقاموا مقام الأزمنة ما ليس منها، وذلك كالمصادر نحو خفوق النّجم، وخلافة فلان، وكصفات الزّمان نحو: قليل وكثير وقديم وحديث.

وهذا ما حضر في قولهم سحر وغدوة

Facebook Twitter Link .
1 يوافقون
اضف تعليق