نادي السيارات > مراجعات رواية نادي السيارات > مراجعة Mina Said

نادي السيارات - علاء الأسواني
أبلغوني عند توفره

نادي السيارات

تأليف (تأليف) 3.4
أبلغوني عند توفره
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
0

نادي السيارات .. قضايا معاصرة بصيغة الماضي

"المكان" .. تلك المساحة الجغرافية، كم كانت مصدر إلهام لدي أدباء وروائيين ومفكرين كثر، لدرجة أن البعض الكثير من الروايات حملت اسماء أماكن ليتخطى دور المكان لدي المبدع من مجرد المعني حسب الإطار الجغرافي إلي عنصر رئيسى تتعلق به كل أحداث العمل الأدبي، مما دفع البعض لإدراج هذة النوعية من الأدب تحت تصنيف "أدب المكان".

وإذا أردنا تتبع أمثلة لهذة النوعية من الكتابة فلا يخفي علي الجميع "ثلاثية القاهرة" لأديب نوبل، نجيب مصر المحفوظ، وأضف إليها روايات؛ "ميرامار"، "خان الخليلي"، و "القاهرة ٣٠" كما يمكننا أن نشير إلي "رباعية الإسكندرية" للكاتب العالمي الكبير "لورانس داريل"، والعمل الذي سوف اتحدث عنه في كلماتي القادمة وهو نادي السيارات.

استطاع الكاتب أن يجعل من هذا النادي الإجتماعي؛ نادي السيارات، إطار ظهرت من خلاله صورة مصر الأربعينيات من القرن العشرين، بل أنه أستطاع، وبفضل موهبته الفذة في الوصف والسرد، أن يجعل من هذا المكان عنصر متضافر مع الحدث، مشارك في صناعته وصياغته من خلال نسيج قصصي في عالم روائي مُحكم البناء استغرق سنوات خمس -مدة كتابة الرواية- ليظهر للنور

"أن الأدب الجيد هو جغرافيا جيدة"؛ بهكذا عبارة قدم لنا الأديب الكبير "محمد المنسي قنديل" تعريفًا هامًا من تعريفات الأدب، وبحسب هذة الإضاءة من "قنديل"؛ فإننا أمام عمل جيد وبديع قُدِم من خلال جغرافيا جيدة تم تجسيدها في صورة نادي السيارات، وبقلم يمتلك كل مفاتيح الإبداع فتح لنا الكاتب أبواب ناديه ليُطلع القارئ علي صورة مجتمع بدا مستكينًا للظلم ثم ما لبث أن بدء تذمره يعلو ضد سلطة تعبث، مجتمع أدرك مؤخرًا أن له حقوق طال صمته عنها، يطرح الكاتب علي ذهنك أسئلة قد تدفعك إلي الإعتراف بأن الرجل مُفكر حقيقي، وأهم التساؤلات المطروحة في العمل كانت؛ هل يقبل الإنسان أن يحيا في ذل مع توفير الحماية والأمن له ام يختار الوقوف في وجه الإستبداد ليحيا حياة كريمة دون مهانة ولو كلفه الأمر حياته؟، وذلك في رحلة تمتد بالقارئ لأكثر من ستمائة وأربعين صفحة تم إصدارهم في طبعة مميزة عن دار الشروق وصمم غلافها المُعبر الفنان عمرو الكفراوي.

__المكان هو البطل والكل أبطال:_

بداية الرحلة معاناة؛ إذ يتتبع القارئ من البداية الصورة من نهايتها، لأسرة "الهمامية" ؛ واحدة من اكبر العائلات الصعيدية،

بقيادة عائل الأسرة عبدالعزيز همام، تتجة الأسرة -عبد العزيز وزوجته وسعيد وكامل وصالحة ومحمود- مغادرة موطنها وراحلة إلي القاهرة، ليلتحق همام الأب بالعمل في نادي السيارات كمساعد في المخازن، ونادي السيارات هذا كان قد تم إنشاءه في مطلع أربعينيات القرن الماضي، لتنظيم كافة شئون السيارات، ومُلاكها، وخصوصًا الأجانب في مصر، بعد أن ازدادت أعداد السيارات بالبلاد، كما ضم النادي نخبة المجتمع المصري، والجدير بالذكر أنه حظي بالرئاسة الشرفية من قِبَل ملك مصر والسودان.

تدور الأحداث لنتعرف علي شخصية "جيمس رايت" مدير النادي؛ الرجل الإنجليزي الذي يحتقر المصريين ويحيا البراجماتية في اجلي صورها حتي انه يحاول جاهدًا لإقناع ابنته "ميتسي" في النوم علي فراش الملك لإمتاعه؛ فيحصل هو علي إمتيازات، حتي ولو انها مغموسة في الحقارة.

كما سنتعرف علي "الكوو" فنقرأ ("الكوو". هكذا يُنطق اللفظ، زفرة واحدة من الحنجرة مع فتح الفم وتدوير الشفتين. معنى الكوو باللغة النوبية القائد أو الكبير، لكنه في نادي السيارات يستدعي معاني أكبر كأن الكوو كائن أسطوري، كأنه طائر خرافي، قريب وبعيد، ممكن ومستبعد، حقيقي ومتخيل، يتناقل عنه الناس الحكايات ولا يصدقون تماما أنه موجود حتى يتجلى أمامهم فجأة ثم يختفي فجأة ويتركهم تحت تأثيره العارم المزلزل. الكوو شخص حقيقي، اسمه بالكامل "قاسم محمد قاسم"؛ نوبي سوداني، جاوز الستين من عمره.)

هذا الكوو أو كبير شماشرجية الملك ورئيس الخدم والذي بفضل الصدفة أصبح الشخص المقرب جدا من الملك هو من يختار الخدم الملكي ويُعين خدم نادي السيارات ويسمح لهم بالبقشيش؛ إذ أن مرتباتهم لا ترتقي إلي مطالب أبناءهم ولا تسعفهم في فتح بيوتهم، كما أن له سلطة العقاب عن طريق الخادم حميد الذي يؤدب المخطئ بالضرب المهين وبأوامر من الكوو.. وغيرهم الكثيرون الطامع، البخيل، المتمرد، الخانع، الوطني.

لنكتشف اننا أمام عالم مُصغر وحياة من صنع الكاتب.

مع تتابع الأحداث تظهر أمام القارئ خطوط متوازية واحيانا متقاطعة من حياة أبطال العمال كلها يجمعها عامل مشترك؛ هو المكان؛ نادي السيارات.

__كم رجلا يستطيع أن يساند الحق حتى لو أضر بمصالحه؟:_

من خلال قصص أبطال العمل يطرح الكاتب تساؤلات عديدة؛ تساؤلات معاصرة تم تقديمها في الماضي بمنتهي البراعة.. مثلا لو انك تعمل في نادي السيارات هل تقبل أن تُعاقب بدنيًا إذا أخطأت ام هل ستقف في وجه الكوو وحميد من خلفه دون خوف من بطش أو تحكم في الرزق؟، تساؤل آخر هو جد خطير وهام؛ هل التعميم أمرًا صائبًا؟ وهنا لزم التوضيح؛ إذ إن الأسواني قدم عملا يتنافي وفكرة التعميم كما أبرز هذا المعني من خلال صور التضاد في العمل؛ فنجد زملاء عبد العزيز الذين رأوه يُضرب وعرفوا بموته كمدًا في نفس الليلة في بيته لا يجرأوا علي الوقوف أمام الكوو أو مدير النادي، ولكن علي الجانب الآخر السيدة ام سعيد زوجة المرحوم عبد العزيز تقف في وجه الكل لتحصل علي معاش زوجها المصري وحينما تعلم بأن ليس للمصريين معاش في نادي السيارات تتجه للقضاء دون استسلام فيتم تعيين اثنان من ابناءها كترضية دون محاكم أو قضايا، نري ايضًا جيمس رايت مدير نادي السيارات الإنجليزي الذي يحتقر المصريين ونجد علي النقيض من فكره شخصية ميتسي ابنته التي احبت كامل عبدالعزيز همام والذي يعمل في مخازن النادي عوض أبيه ويعطيها دروس في اللغة كونه شاعرًا وطالبًا في الحقوق.

صالحة وتجربتها في الحياة أيضا أظهرت لنا فكرة هذا التضاد الأدبي الجميل، هذة الابنة المدللة والمتفوقة في دراستها منذ الصغر -عكس سعيد أخيها الأكبر ومحمود ضخم الجثة قليل الإستيعاب- هذة المرة اختارت الارتباط بعبد البر شريك أخيها سعيد ولكنها بعد الزواج اكتشفت عجزه الجنسي وإدمانه الشم فأصبحت أمام قرارين عليها الإختيار لإحداهما؛ إما أن تتحمل وتعيش مع عبد البر من أجل الأمن والاستقرار، أو تختار الرحيل لتحيا كأنسانة بكرامتها مهما كانت الخسائر، وحينما نقرأ قصتها كاملة نجد أنفسنا أمام تساؤل؛ هل الحب شرط الزواج، فنقرأ مثلًا: "الزواج بدون حب هو عقد بيع لجسد المرأة مهما كان غطاؤه الديني أو القانوني، إذا تزوجت بدون حب فأنت في الحقيقة مجرد سلعة تم عرضها وأعجب بها الزبون فقرر شراءها." تساؤل، قد تتفق أو تختلف مع العبارة ولكن لا خلاف ولا اختلاف حول أهمية الفكرة من الناحيتين الإجتماعية والنفسية.

كما سنتقابل مع عائشة أو عيوشة كما يدللها زوجها البخيل "علي حمامة"، هذة المرأة الجريئة أو القبيحة باللفظ الدارج وسط الأهالي المحافظة، جارة ام سعيد وحماة سعيد، ام فايقة زوجته، هذة السيدة رغم جرأتها الجنسية التي تصل إلي حد الفجور فإننا نري لها مواقف أقوي من رجال كثر، فنجدها مثلا تشهد بالحق، وتساند صالحة وتدعم قرارها بالطلاق من "عبد البر" رغم انه شريك سعيد زوجة ابنتها، ولكن السيدة أخذت جانب الحق بعيدًا عن مصلحتها الشخصية، وكان هذا موقف لعائشة المرأة الخليعة وهو ما يبرز موقف العمال المتضاد في نادي السيارات الذين يخشون علي بقشيشهم فيشهدون كما يحب الكوو أو كما يرغب، فنجدهم لايقولون كلمة حق بسبب مخاوفهم علي ارزاقهم كما يرون، قابلون للخضوع مستسلمون للمهانة في سبيل لقمة العيش.

__معاني ولغة ونقد إجتماعي:_

العمل ملئ بالإسقاطات داخل عبارات قيلت في الماضي أنما تصب في خانة التعبير عن المستقبل وحياتنا اليومية، فتجد إشارات تكاد نعيشها اليوم في الفروق الطبقية وما تعانيه الطبقات الكادحة الفقيرة بالمقارنة مع ما ينعم به قلة قليلة مسيطرة علي المادة وتحيا كما يحلو لها.. فنقرأ مثلا: "شاكر وطربوش وركابي شركاء الكوو في النهيبة، مستحيل يقفوا معنا ضده.. أنتم نسيتوا نظام النادي .. الكبار يقسموا البوناس مع الكوو، هو سايبهم يسرقوا وهم بيدفعوا له"

كما لم استطع أن أغالب دموعي حينما قرأت الفصل الثالث عشر وفيه موت الأب عبد العزيز همام وإنهيار حال الأسرة فنقرأ مثلا: "قد تستغرق سنوات حتي تدرك معني موت أبيك، أن يموت أبوك معناه أنك أصبحت في العراء، مكشوفا، وحيدا، ضئيلًا بلا سند هدفا سهلا متاحا لكل الضربات ....."

جديرٌ بالذكر أن شخصية الملك في الرواية ليست شخصية رئيسية لكنها محورية إذ يتمحور حولها غالبية الأشخاص والأحداث وعلي هذا أيضًا لم يتناول العمل اي قضية سياسية ضخمة مرت بها البلاد في هذة الحقبة التاريخية المليئة بالأحداث إذ أن الكاتب كما وضعنا في عالمه الخاص هكذا وضع ابطاله أمام القارئ وجهًا لوجه، حتي أن القارئ يلتمس العذر لبعض أبطال العمل فتشعر أن قلة حيلتهم في مواجهة الصعاب تضاعف من مرارة حياتهم هذا المرارة بدورها قد تتحول الي سخط أو إذعان وكلاهما يُولد في قلب القارئ تجاة هؤلاء الأشخاص إشفاقًا حتي لو كان ممزوج ببعض الغضب.

ومن كل ما سبق طرحه نجد أن الكاتب رسم شخوصًا حقيقةً؛ لا هو أبرز أجنحة الملائكة خلف ظهورهم، ولا أطال قرون الشياطين فوق رؤوسهم.

__الروائي يصنع عالمًا من حقه أن يضع له خلفيه:_

ما يسمي ب "الخلفية" في الادب العالمي تكاد تكون أصبحت قاعدة في الكتابة؛ ولأن الروائي يصنع عالمًا فمن حقه أن يضع له خلفيته؛ أي ما يراه تمهيدًا لعرض فكرته وهذا ما قام به الكاتب في روايته؛ إذ قدم خلفية للعمل مطروحة علي شقين؛ الأول تاريخي؛ ويشمل تاريخ صناعة السيارة وقصة "كارل بنز" أول مخترع للسيارة في ألمانيا نهاية القرن التاسع عشر وكيف استطاع بمساعدة زوجته بيرتا في تحقيق هذا الإنجاز التاريخي لخدمة البشرية رغم ما واجهه من صعوبات وتحديات كادت تؤدي إلي فشل التجربة. ثم ينتقل بنا الأديب الكبير إلى مصر، وأول سيارة دخلتها، التي كانت سيارة الأمير عزيز حسن؛ حفيد الخديوي اسماعيل، من طراز "ديون بوتون" عام ١٨٩٠م. وكيف أن المصريين أحبوا هذا الإختراع الجديد وبدأت السيارات تتوافد إلى مصر حتى بلغ عددها ١١٠ سيارة في القاهرة و٥٦ سيارة في الاسكندرية عام ١٩٠٥م.

أما الشق الثاني من المقدمة فهو فانتازي؛ يرصد لنا فيه الكاتب لقاء شيق جمع بينه وبين بطلي عمله؛ "كامل همام" وأخته "صالحة همام"!

__تكنيك مثير وكتابة سلسة:_

استخدم الكاتب لغة سهلة خليط بين العامية والفصحي ليجد القارئ نفسه وكأنه يقرأ عمل مكتوب كله بالعامية فإذا به أمام فصحي رشيقة جدا، لذلك لا أبالغ حينما أذكر أنها خلطة أدبية سحرية، كما تميز الكاتب بدقة الوصف مما ساعد علي خلق صورة ذهنية للمشهد طوال القراءة حتي المشاهد الجنسية والتي أراها موظفة لخدمة العمل والأفكار دون إقحام.

ورغم أن السرد كان بصيغة الراوي العليم، أنما لم تغب المتعة، ولا التشويق طوال العمل الذي امتدت صفحاته لتعبر حاجز المائة السادسة وقد كان لهذا الأمر سببين؛ الأول هو استخدام الكاتب لطريقة "تعدد الأصوات المتداخلة" حيث قُسِم دور الراوي علي ثلاث كامل وصالحة والراوي الغير متداخل في الحدث، بحيث يبدأ أحدهم القصة أو الموقف ويسلم الراية لغيره ليقود القارئ في مسيرة الرواية مما يساعد القارئ أن يري الحدث أو الفكرة المطروحة من أكثر من زاوية ليكتشف تفاصيل قد تغيب عنه لو أن الراوي كان صوتًا واحدًا.

السبب الثاني في عنصر التشويق هو اعتماد الكاتب تكنيك الكتابة السينمائية إذ ان طوال أربعة وأربعين فصل -هم إجمالي فصول العمل- لم ينتهي فصل إلا علي حدث مثير، حدث يثير الشغف لدى القارئ الذي يلهث ليعرف ما قد تم حتي انني أحسست أحيانا انني اريد ان اعبر علي بعض الصفحات لأعرف مصير أحداث وجدتها مشوقة جدا.

ولكن للأمانة لاحظت اختفاء لبعض الشخصيات كنت أتمني لو أنها استمرت اكثر، كما لاحظت سرعة الإيقاع الرهيب خصوصا في ربع الرواية الأخير حتي انني أحسست أن النهاية قد كُتبت علي عجل، هذة النهاية التي رغم أنها تحمل حدث جلل، إلا أن القارئ سيشعر انها نهاية مفتوحة تحمل الكثير من الأمل فيما هو قادم، أو ربما تحمل غموضًا.

Facebook Twitter Link .
1 يوافقون
اضف تعليق