لاشين: الكتاب الخامس - حكايات الشمندورة > مراجعات رواية لاشين: الكتاب الخامس - حكايات الشمندورة > مراجعة سُلوان البري

لاشين: الكتاب الخامس - حكايات الشمندورة - شيرين هنائي
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
5

(لماذا نحب الأشرار في روايات أحدهم؟)

★★★★★

..في هذا المقال لن أتكلم بالطريقة التي اعتدتُ فيها علىٰ صياغة مراجعاتي الأدبية لما أطلع عليه من كتب، لأنني لن أراجع كتابًا واحدًا أو حتىٰ اثنين بل سأراجع خمسة كتب في مقالة واحدة!

خمسة كتب صدرت ضمن سلسلة شهيرة اسمها (لاشين) للأديبة والمترجمة/ شيرين هنائي.. مضمون المقال هذه المرة مختلف - كما نوهت - حيث أنه لا يناقش محتوىٰ السلسلة بالمعنىٰ الدقيق ، بل يتطرق إلىٰ أقصىٰ درجات العمق فيها. تحديدًا إلىٰ عالم الأشرار في الروايات الذي عادة ما نميل إليهم ونحبهم دون وعي منا.

حسنًا.. لن أُطيل في المقدمة كثيرًا.. أحببت فقط توضيح فحوىٰ المقال منذ بدايته؛ والآن فلنبدأ الإبحار في عالم لاشين السحري من أول سطوره وحتىٰ صدور الجزء الخامس منه.

★★★★★

** الرابط بين الماضي والحاضر:

في سلسلة ما وراء الطبيعة ذائعة الصيت للراحل خالد الذكر د/ أحمد خالد توفيق يرد ذكر برنامج تلفزيوني اسمه (بعد منتصف الليل) البرنامج مستوحىٰ من خيال الأديب وتمت إضافته لسلسلة الروايات الشهيرة، وقد ارتبطت الحلقات باسم بطل السلسلة د.رفعت إسماعيل والمذيع شريف السعدني.. حيث تقوم فكرة البرنامج علىٰ حلقة أسبوعية تتضمن حضور الضيفين الدائمين د. رفعت إسماعيل الطبيب المهتم بعلم الماورائيات والمذيع الشاب حينها أ/ شريف السعدني؛ للحديث عن المواقف المرعبة غير المفسرة في ساعة متأخرة من بعد منتصف الليل مرة أسبوعيًا والتي عادة ما يتم طرحها علىٰ لسان أحد المتصلين من أصدقاء البرنامج.. تزداد وتيرة الرعب بمرور الأيام .. وتتزايد معها نسب الاستماع والمشاركة مما يجعله برنامجًا إذاعيًا ناجحًا بمقاييس هذا العصر.

وهكذا تستمر وتيرة الحلقات إلىٰ أن تتوقف فجأة دون إبداء أية أسباب منطقية سوىٰ أنها قد تسببت في هلع ورعب مجتمعي مما استوجب من الإذاعة اتخاذ قرار بإيقاف البرنامج نظرًا لما ينتج عنه من إيذاء معنوي للشباب والأطفال.

وبالفعل يتوقف البرنامج الذي أُذيع للمرة الأولىٰ عام ١٩٧٠م ويُتناسىٰ أمره تمامًا.. إلىٰ أن يأتي عام ٢٠٢٠م أي بعد مرور خمسين عامًا كاملة علىٰ صدور النسخة القديمة، لتظهر النسخة الجديدة ( بعد منتصف الليل ٢) ولكن هذه المرة علىٰ هيئة برنامج إذاعي حقيقي يتم بثه في حلقات يوتيوب في مجاراة لتطور آليات الزمن. إلا أن صياغته في العصر الحالي تأتي علىٰ أيدي الكاتبة شيرين هنائي فنرىٰ ضيفين جديدين وهما أ/ سهير زاهر، والمذيع الشاب/ مهاب عمارة... ويقتحم برنامجهم في مرحلة متقدمة الباشمهندس/ آدم.. الذي صار لاشين.. الأول والأخير!

★★★★★

**بداية السلسلة وطريق البحث:

الآن صارت بداية ظهور لاشين واضحة.. ولكن من لاشين؟ ومن سهير زاهر ومهاب عمارة، الذين ورد ذكرهم في السطور السابقة؟ من هنا تبدأ الحكاية.. حكاية الاختيار والترتيبات التي يحسب من يراها أنها صدف كونية إلا أنها في مضمونها الحقيقي تبدو أبعد من هذا بكثير.

سهير زاهر المصورة الفوتوغرافية ومؤلفة كتاب (أشباح الموالد) التي تتقابل صدفة في طريقها مع الإذاعي الشاب مهاب عمارة ليتفق الاثنان علىٰ إذاعة برنامج أُغلق منذ نصف قرن، وكلاهما يظن نفسه صاحب الاختيار والقرار حتىٰ تبدأ الحلقات وتنهمر الاتصالات ويعلم كلاهما أنهما تسببا في كارثة محققة، ويلتقي في طريقهما بعدها المدعو لاشين.. الشرير الذي أحبه مستمعو البرنامج لدرجة تناسوا معها أنه الجانب المظلم في الحكاية.. الجانب الذي عليهم محاربته لا محبته! الجانب الذي سيبنىٰ عليه سلسلة أدبية كاملة وصلت حتىٰ جزءها الخامس مؤخرًا والله أعلم متىٰ تنتهي.

**كيف تصنع شريرًا محبوبًا في رواية؟

آدم.. فتىٰ صغير يحيا بإحدىٰ القرىٰ.. لا يعلم من الدنيا سوىٰ عائلته الصغيرة أبيه وأمه وأخيه الكبير.. عائلة ريفية عادية تبدو كأي عائلة مصرية طيبة، أين تقع القصة إذن وما المميز فيها؟!

القصة تقع منذ لحظة ولادة آدم والمميز فيها طريقة اكتشافه لماهيته ومصيره. لأن الفتىٰ (آدم) الذي يبدو عاديًا هو ليس كذلك علىٰ الإطلاق!

..تبدأ نشأته في بيته فلا يرىٰ أمامه سوىٰ أم محبة ترعاه، ووالد يدعوه الناس شيخًا يخشون غضبه ويهابون سطوته عليهم، وأخ كبير عطوف يسعىٰ كل السعي لإبعاده عن البيت وهو لا يدري لماذا؟! لماذا يبتعد عن بيته ولا يعود إليه سوىٰ لتناول الطعام والنوم؟! لماذا يكرهه أقرانه في المدرسة والقرية رُغم مهابتهم الشديدة لأبيه وأخيه الاكبر؟! ولماذا تخشىٰ عليه أمه الطيبة وتسعىٰ طيلة الوقت لتتبع خطواته الصغيرة أينما كان؟!

دائرة من التساؤل ودائرة أكبر من الإجابات المبهمة التي لا تحمل بين طياتها غير المزيد من الحيرة والتشتت.. وهكذا يستمر الأمر وتمضي السنون حتىٰ تأتي لحظة اكتشاف الحقيقة.. لحظة تتبع آدم لأبيه وأخيه ليعلم سرهما الأعظم.. سر الشيخ لاشين وولده الأكبر، أو بمعنىٰ أدق سر الساحر لاشين وولده الأكبر النصاب!

الآن يتفهم آدم الفتىٰ الذي سيصير رغم كل الظروف والمعيقات معيدًا في كلية الهندسة، إلا أن عهد أبيه مع العالم السفلي سيحوله إلىٰ الشيطان لاشين.. الأول والأخير.

في هذه اللحظة ستدرك عزيزي القارئ لماذا عليك أن تتعاطف مع لاشين، لأنه وبكل بساطة لم يسعىٰ لما هو فيه الآن.. إنه ضحية! مجرد مقهور صار شيطانًا دون إرادته.. الآن تبدأ أولىٰ خطوات الانجذاب الحقيقية نحو الجانب المظلم في القصة.. الآن تصنع أنت بتعاطفك شريرًا محبوبًا في الرواية التي تقع أوراقها بين يديك!

★★★★★

**رحلة التحول.. ومبررات التعاطف مع الأشرار:

في الفقرة السابقة رأينا معًا كيف بدأت رحلة التحول.. كما رأينا مبررات التعاطف الأدبية، ولكن هل يكفي هذا ؟

هل سنتعاطف مع الشيطان لأنه كان إنسانًا ذات يوم؟

في الخمسة كتب يكرر علينا لاشين أنه يتمنىٰ الموت ولم يفعل ما فعله من شرور سوىٰ لأنه مضطر.. حسنًا إن كان يتمنىٰ الموت حقًا لماذا لم يرفض عهد الدجالين ومات شريفًا مؤمنًا رافضًا للشرور والعهود الشيطانية؟!

هنا تظهر الثغرة التي ستمكنك من رؤية الاختيار ساطعًا كنور الشمس.. فآدم صار لاشين بإرادته رغم كل شيء، وسيرىٰ المطلع على القصة أنه لا يتمنىٰ الموت كما يدعي بل يسعىٰ للخلود والانتقام والدلائل كثيرة وستظهر من خلال قراءة الكتب الخمسة حيث أنه في كل مرة تضعه الظروف في موضع الخطر أو التضحية.. يختار النجاة بنفسه علىٰ حساب أحب الناس إليه كما يدعي! ومن هنا يمكننا رؤية الأمر كاملًا.. لاشين الذي كان آدم ذات يوم هو شيطان حقيقي اختار التخلي عن إنسانيته القديمة وصار ملعونًا يستتر بحجة الظروف. غير أنه مع قليل من النظر والتمعن إلىٰ تاريخه وطريقة رسم شخصيته الأدبية سيرىٰ القارئ كم هو شخص انتهازي انتظر فرصة الانتقام الحقيقية علىٰ كل ما مضىٰ ولن يستعاد. ليختار بوعي وإدراك كاملين طريق الشيطان متبعًا القانون الميكافيللي الأشهر ....(الغاية تبرر الوسيلة)؛ بل يزيد الأمر ويتمعن في جذب المزيد من التعاطف لنراه يتوجه للصلاة التي لم ينتظم فيها يومًا كما جاء علىٰ لسانه في الروايات مطهرًا بذلك نفسه من الشعور بالذنب. وكأنه يذكر القاريء ببشريته وإيمانه رغم ما تحول إليه، ولكن ما الحيلة إنها الظروف!

ومع هذا ستتجه الأغلبية العظمىٰ من القراء وبرغم كل هذا الشر الواضح إلىٰ رؤية جانب الضحية مما ينتج عنه جرعة محبة وتعاطف زائدة مع شخصه!.. وهنا يكمن نجاح السلسلة الفعلي، فأنت الآن تقرأ الحكاية من منظور الشيطان وتتعاطف معه بمرور السطور متناسيًا ماهيته الحقيقية، وبالرغم من أن صراعه لا يعنيك في شيء فهو شيطان يحارب شياطين أخرىٰ مثله.. فلا يوجد أمامك كائن شريف مثلًا لتؤيد مساره وصراعه. ولكنك في نفس الوقت لا تتمكن من تجاهل لاشين لأنه مالك الحكاية ومحورها الأهم، فكيف لا تحبه؟!

أما عن القصة ذاتها فهي تدور حول العديد من الأبطال الأساسين؛ فالشخصيات المؤثرة والمحركة متعددة. ولكن لاشين يتربع علىٰ عرش العمل، ولأن المقال يناقش نظرية الميل إلىٰ الشر في الحكايات فسأكتفي بهذا القدر من السرد يا قارئي العزيز، وسأترك لك بقية الحكاية لتقرأها دون أي إفشاء أو حرق للأحداث.

وكما اعتدنا في عالم الأدب.. فالأحكام ليست واحدة، والرؤية الشخصية تختلف من قاريء لآخر. لذلك لك مطلق الحرية في أن تكره أو تحب ما تشاء دون أية أحكام مسبقة، وهنا تكمن المتعة الحقيقية لعالم القراءة السحري الذي يضعك في مواجهة أخلاقية مع نفسك، فلا يعلم دوافعها ونتائجها سواك.

وفي النهاية يبقى السؤال الأهم .. هل علمت لماذا نحب الأشرار في روايات أحدهم؟!

Facebook Twitter Link .
1 يوافقون
5 تعليقات