حياتي مع الجوع والحب والحرب - الجزء الأول > مراجعات رواية حياتي مع الجوع والحب والحرب - الجزء الأول > مراجعة alatenah

حياتي مع الجوع والحب والحرب - الجزء الأول - عزيز ضياء
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
5

يوميات قراءتي لكتاب حياتي لعزير ضياء:

ـ لم يسبق لي أن قرأت كتاباً لـ"عزيز ضياء" أما مقالاته التي كنت أطالعها في الصحافة فلم تكن تشدني غير أني استمعت له مرة وهو يتحدث عن بعض ذكرياته في إثنينية "عبدالمقصود خوجه" فأعجبتني حكاياته وودت لو استزاد منها، فما زلت أبحث له عن لون مشابه حتى عثرت على هذه المذكرات ففرحت به جداً.

ـ مقدمة الكاتب توحي بأنه كتب هذه الذكريات على مراحل متفرقة وفي ظروف مختلفة.

ـ أهدى الكاتب كتابه إلى أمه، وخاطب في مقدمته ابنه ضياء.

ـ الكاتب من أصول صينية فيما يبدو أو تركية روسية.

ـ أثبت المؤلف صورة أمه سافرة الوجه حاسرة الرأس، ولا أحسبها إلا كانت تغطي كل ذلك، وأجزم أنها لو كانت حية لما رضت صنيع ابنها بها، وهذا لون من العقوق شاع بين بعض المثقفين السعوديين للأسف الشديد، تعيش أمه حتى تموت وهي متلففة في ثيابها لا يُرى منها شيء طاعةً لربها، فإذا ماتت هتك أبناؤها حرمتها وتداولوا صورها في الأنترنت وغيره.. موهمين من يشاهدها أنه كانت على نحوٍ من التحرر وهي أبعد ما تكون عن ذلك.

ـ يذكر الكاتب أنه عرف الجوع في صغره على نحو قاسٍ، فقد كان هذا الجوع يمزق أمعاءه، ويجعل وجبة الخبر الأسود أشهى وألذ وجبة يمكن تناولها، وهو عندما كبر قرأ قصصاً وأساطير عن الجوع مريعة لكنه عاشها بنفسه عاشها حقائق لا تخيلات، يروي المؤلف أيضاً أن الجوع بلغ بهم إلى الحد الذي كانوا يمشون فيه بالطريق لا ينظرون إلى من يمر فيه بل ينظرون إلى الأرض وحدها ليتحروا العثور على كسرة خبز أو عظم، وهم إن عثروا عليها قد لا يسلمون ممن ينتزعها ليس من أيديهم بل حتى من أفواههم ولو اضطره ذلك إلى شقه وإسالة دمه!

ـ أجاد الكاتب تصوير رحلة مغادرتهم المدينة كما يجب أن يكون التصوير بعيني طفل صغير محمول على صدر جده ولا يعلم شيئاً عن كنه ما يجري حوله وإنما هو مدهوش مشدوه.

ـ حديث عزيز ضياء عن القطار الذي كان ينقلهم من المدينة إلى حماه كأنه قادم من عالم آخر إذ لا أزال غير مصدق أن ذلك كان يحدث بالفعل: أن يتواصل سكان البلاد العربية مع بعضهم بالقطار على هذا النحو العفوي والسريع، لقد مضى هذا الزمن لكنه لم يزل أمنية وإن بعد تحققها رغم كل التقدم التقني والرخاء المادي الذي نعمت به بلادنا العربية.

ـ لم يتوسع الكاتب في تناوله لرحلتهم بالقطار من المدينة إلى حماة بل اكتفى بالإشارة إليها، وأحسب أن القارئ ـ وقد شده حديثه عن القطار ـ كان ينتظر منه أن يطنب في الوصف.

ـ يبدو أن الكاتب قرر تأجيل بسط الحديث عن القطار إلى رحلة أخرى، وها هو يفعل الآن على نحو تفصيلي دقيق.

ـ سيرة "عزيز ضياء" مكتوبة برنة حزن رفيفة وهو يرفق بقارئه فيخبره بأن شخوصها سيعانون فقراً وفاقة شديدين! وسطوره تنطق بهذا كله.

ـ بالفعل هي سيرة معجونة بالمعاناة تستمطر الدموع من عين القارئ وهو يشهد مأساة هذه الأسرة التي خرجت من طور الغنى إلى الكفاف في يوم واحد والتي يكابد فيها الجد ليؤمن لقمة العيش لأبنائه وأحفاده الذين يعاني بعضهم من المرض الشديد.

ـ حديث "عزيز ضياء" عن جده فيه صدق وشفافية ولا أفهم من قسوة جده هذه إلا أن الفقر أنشب أنيابه في هذا الكهل حتى ألصقه بالأرض الدقعاء، وبلغت خشيته على أسرته درجة تماثل الدرجة التي بلغت به حاجته إلى إطعامها، وهو لا يخشى عليها الجوع فحسب بل يخشى معه ما يخشاه أي رجل تربى في بيئة طاهرة نقية.

ـ في هذه الذكريات صدق وعفوية وبوح شفيف يشدك إليها، ولا أدري لماذا لم تحظ هذه السيرة باهتمام في الصحافة والإعلام والثقافة يضارع قيمتها الأدبية والاجتماعية والتاريخية؟!

ـ الكتاب شيق، أغيب عنه لنوم أو عمل فيكون أول ما أفكر فيه فور فراغي.

ـ هذه السيرة مكتوبة في قالب قصصي بديع وبإتقان فني فالكاتب لا يزال يروي مشاهدات الطفل "عزيز" كما كانت بالفعل وهو لا يفسرها ولا يشرحها وإنما هي تقدم نفسها بطريقة سلسلة فيتضح لنا الظرف الذي وقعت فيه بدون أن يتدخل المؤلف بتوضيح أو تهميش، إن نجاح الكاتب في تقديم سيرته على هذا النحو يدل على تمكنه من أدواته الفنية، كما يؤكد براعته في كتابة القصة.

ـ أسرة "الكاتب" تتكلم التركية مع العربية، فحيناً بالتركية وأخرى بالعربية، لكنهم حين يتكلمون بالعربية فهي مكسرة على نحو ما ينطقها غير العرب هذا ما حاول المؤلف أن يوصله لقارئه بطريقة غير مباشرة، كما أن هذه الأسرة لم تكن حريصة على إكساب أبنائها اللغة التركية بدليل أن "الكاتب" لم يكن يفهم عليهم إذا تكلموا التركية فيما بينهم.

ـ لم تعانِ هذه الأسرة من الجوع والخوف والهجرة بل ومن المرض والموت الذي تربص بأفرادها واحداً تلو آخر حتى لم يبق منهم حتى الصفحة المئة من الجزء الأول غير الجد وابنته وحفيده الكاتب!

ـ كان العرب يقاتلون مع الإنجليزي لطرد الأتراك من البلاد العربية، والمؤلف وجده من القومية التركية بل ومن المحسوبين على المنظومة الرسمية، وكان يفترض بالكاتب أن يشير إلى موقف العرب من الأتراك والعكس ولا سيما أن الثورة العربية وقتها كانت ملء السمع والبصر.

ـ المئة صفحة الأولى من هذه السيرة متماسكة جداً من الناحية الفنية لكنها في الخمسين التي بعدها بدأت تضعف حين أكثر الكاتب من الإحالات على حياته بعد أن صار شاباً وكهلاً، بل إن بعض الفصول بدت وكأنها مقالة لا فصلاً من سيرة.

ـ يبدو أن النفثة الفنية ضعفت عند المؤلف بعد كتابته للمئة صفحة الأولى أو أنه مل وتكاسل أو انشغل بما أضعف همته؛ فوجدناه يحوِّل ضمير المتكلم إلى والدته لتكمل قصَّ ما حصل لهم بعد وفاة جدهم، ورغم الحيلة الفنية التي لجأ إليها الكاتب لتبرير هذا التحول إلا أن القارئ الواعي يفطن لهذا التغير الذي طرأ على جسد السيرة، ويدرك أن الكاتب كان يسعه أن يواصل القصة بما بدأ به، وأن عذر المؤلف واهٍ وضعيف بدليل أنه قص تاريخ هجرتهم من المدينة وإقامتهم في حلب من أفواه من كانوا معه، ونجح في ذلك نجاحاً جعل هذه الصفحات فنية بامتياز، وهذه المواضع هي أصعب ما في السيرة لكنه سردها في قالب قصصي بديع ومؤثر.

ـ في الصفحة 146 يكاد المؤلف يعترف بأن شيئاً ما أصابه جعله يختزل هذه السيرة بل يتوقف عنها، وهو يزعم أن الصحف الآن باتت تزدحم بمواد ثرية كافية، وهو لا يريد إضجار القراء بما يحكيه، لكني أتساءل هل اعترى الفتور المؤلف أم أنه كان ينتظر أن يكون لهذه الفصول التي نشرها في الصحافة صدى وأثر لكن لم يجد ذلك فأصيب بالإحباط وآثر التوقف، أم أن شغلاً ما عرض للمؤلف فصرفه عن الكتابة؟ طبعاً نحن نعرف أن المؤلف غير رأيه بعد ذلك وقرر استئنافها لكن هل سيكون مستوى ما يكتبه بذات الفنية والإجادة التي بدأ السيرة بها؟ هذا ما آمله وإن كنت غير متفائل.

ـ يقع في ظني الآن أن الكاتب فرغ من كتابة المئة الصفحة الأولى من سنوات طويلة ولعله كتبها ثم فتر عنها سنوات ليعود لها في أخريات عمره، بل لعله كتبها على شكل رواية واستعار أحداث سيرته لها إذ لا شيء يفسر ضعف كتابته بعد ذلك إلا هذا؟!

ـ الكاتب ولد عام 1914م والحرب العالمية الأولى انتهت 1918م أي أن الكاتب روى أحداث هذه السيرة وعمره وقتها لا يتجاوز الرابعة وقد أجاد تصويرها، أما الفصول التي أقرؤها الآن فليس فيها من فن السيرة شيء وإنما هي ذكريات وانطباعات وبعضها يخرج عن ذلك ليكون تاريخاً ونقداً.

ـ يشط المؤلف الآن بعيداً عن سيرته ويسرد أحداث تاريخية من وجهة نظره، وما يكتبه يشدني ويعجبني لكن ما يعجبني أكثر هو أن يعود إلى سيرته ويتناولها بذات ما بدأه بها.

ـ قومية الكاتب التركية لا شك أنها تؤثر على موقفه من الخلافة العثمانية أقول هذا عنه رغم انحيازي إلى وجهة نظره وبرمي الشديد من هذه المسماة زوراً بالثورة العربية، رغم تسليمي بأن الدولة العثمانية انحرفت في سنواتها الأخيرة عن نهجها الإسلامي، بل لعلها لو لم تسقط في الحرب العالمية الأولى لكانت إمبراطورية تركية علمانية تحكم العالم العربي بالحديد والنار قد يكون رأيي متناقضاً لكن يبدو أن كثيرين يشتركون معي في هذا الارتباك أثناء تقييمهم لتلك الفترة التاريخية الخطيرة في تاريخ أمتنا، والكاتب "عزيز ضياء" من أوائلهم.

ـ يبدو أن قراء الكاتب كانوا يلحون عليه بمثل رأيي فتجده بعد ذلك يعلن توقفه عن تأملاته التاريخية وعودته إلى سيرته غير أنه يفشل في الإمساك بالخيوط التي تشد القارئ إليه ويكتب على نحو ما يفعله الكاتب الصحفي حين لا تسعفه ملكته الكتابية على كتابة شيء فيضطر إلى الكتابة عن الكتابة والكتابة لإنه يجد الكتابة لا تؤاتيه في هذه اللحظة فيلجأ للكتابة عنها، وكاتبنا هنا يفعل مثل ذلك لكن بمواربة لا تخفى على قارئه.

ـ في الصفحة (171) بدأت أقرأ ما كأنه عودة وأوبة للكاتب وأتمني أن يكون ظني في محله.

ـ لقد عاد الكاتب الآن إلى مضمار الكتابة بقلمه السابق الذي لا يشق له غبار.

ـ يجب أن يتذكر القارئ أن الكاتب ألمح إلى أنهم عاشوا حياة شظف وفقر مدقع بلغ بهم أن الواحد منهم إذا مشى في الطريق لا ينظر في وجوه من حوله بل إلى الأرض لعله يعثر على عظم أو فاكهة فاسدة زهدت فيها حتى الحيوانات! لقد أشار الكاتب إلى ذلك لكنه لم يأت عليه بعدُ، والجوعُ الذي عاشه في حلب ليس بذلك الجوع الشديد الذي ربما كان يقصده.

ـ لعل أسرة الكاتب تضايقت مما كتبه عن فقرهم وإدقاعهم فاستجاب الكاتب لذلك بأن صرف النظر عن هذا، وإن صح وهمي هذا فالكاتب تخلى عن مصداقيته وشفافيته التي بدأ بها سيرته، وأنا لا ألومه فبيئتنا الاجتماعية لا تقبل مثل هذه الاعترافات، ولعل الكاتب ألمح إلى ذلك حين تناول سيرة "روسو" في فصول سابقة.

ـ الفصول التي كتبها المؤلف عند أيامهم في المدينة بعد العودة إليها شيقة كسابقاتها لكنها تخلو من الشجن والحزن، الحياة بدأت تبتسم لهم، وظروفها غدت رخية.

ـ القصص التي يرويها المؤلف فيها من الخيال أكثر مما فيها من الواقع، ويبدو أنه يحب المغامرات فعلاً إذ سبق وألمح إلى حبه لهذا اللون من الأدب، وانجذابه إلى السينما بسببه وهو مسوق بهذا الحب إلى اقتناء جهاز فيديو ليشاهد فيه ما يحبه من أفلام المغامرات!

ـ ثعابين، وجن، وكنوز، وكباب... صفحات كثيرة تتناول قصص المؤلف معها بما لا يسمنني ولا يغنيني من جوع، أنا كقارئ أبحث عن شيء آخر، أبحث عن صورة المدينة في ذلك العهد، وعن مشاعر الناس وأحاسيسهم.

ـ لست مهتماً بحكايات الكاتب مع الحب ولا سيما أنه لا يزال وقتها طفلاً صغيراً لذلك تجدني أمر على هذه الصفحات بسرعة فائقة؛ لأني أبحث عن أشياء أخرى، وأهتم بأمور أهم.

ـ انتهى الجزء الأول من هذه السيرة بقصة زواج أمه من الدكتور التركي، ولقد شدتني هذه القصة كثيراً، وتكملتها في الجزء الثاني الذي أتوقع أن لا يقل تشويقاً عن الجزء الأول.

ـ لا يمكن لي كقارئ عادي أن أبدد وقتي في قراءة "خمسين صفحة" تتناول حادثة ختان الكاتب! سأمر بها سريعاً.

ـ أخشى أن تنتهي هذه السيرة وكاتبها لم يتخرج بعدُ من "الكتَّاب" وأنا شديد الشغف بقراءة شهادته على دخول السعوديين المدينة والحرب العالمية الثانية غير أنه يقع في وهمي أن سيرته ستتوقف قبل ذلك.

ـ دخول السعوديين إلى المدينة والحجاز وآثار الحرب العالمية الثانية مرَّ عليها الكاتب مروراً سريعاً، وكنت أنتظر منه تفصيلاً أكثر.

ـ رحلة الكاتب من المدينة إلى مكة شيقة وفيها وصف دقيق لظروف وأحوال وبيئة البلد في تلك السنوات، وهذا ما أبحث عنه في مثل هذه السير أن يكون فيها شهادة على العصر وتقييد له.

ـ يجيد الكاتب تشويق القارئ، وإثارة حماسه لمتابعة أحداث القصة التي يرويها إنه حكَّاء بارع يعرف ما يريده القارئ فيستغل ذلك في حمله على التهام أسطره سطراً يتلوه سطر.

ـ توقفت هذه السيرة عند مرحلة الشباب التي بلغها الكاتب وقد بدأ العمل في سلك الشرطة، لكنه لم يكتب شيئاً عنها أو عن غيرها حتى توفي رحمه الله، بعد أن نشر كتابه قبل وفاته بعامين.

ـ لقد كانت سيرته ثرية وشائقة، وكتابه هذا يستحق القراءة بالفعل.

ـ رحم الله عزيز ضياء وأسكنه فسيح جناته.

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق