هل هناك وجود للجريمة الكاملة ؟ هل يمكن للقاتل الفرار بفعلته في ظل تقدم أساليب البحث والتقصي الجنائية وهل يكفي الأدب والكتابة في الروايات البوليسية والجريمة كي تصبح قاتل محترف أم انك هناك ثغرة ستبرز ولابد من قلب القصة تصبح مفتاح حل اللغز؟
نوح الالفي الضابط القاسي ظاهريا علي كل من حوله،المنغمس في عمله لدرجة الانسلاخ من شخصية الاصلية ذو النظرة الساخرة الحانقة علي كل من هو سخيف ومزيف ومتصنع،تركيبات نوح الذهنية وتركيزه في بعض الاشياء مندفعا بعاطفة وعنف يجعله في بعض الاوقات يفوت الفرصة علي نفسه في رؤية الاشياء المهمة.. فقط اذا غير زاوية رؤيته.
هل يمكن اذا كانت لديك هبة التحدث مع الاشباح او اطياف الارواح ستعتبرها نعمة او نقمة ؟ وهل هذا شيء يسعد او يقلق كيف هي الحال حين تمسك فروق العوالم وتصعقك شحنات اختلاف الابعاد؟هذا الازيز الكهربي والحرارة الخانقة،وصف دقيق لشيء - وإن ساورك الفضول-لن تتمنى تجربته علي الإطلاق.
للمرة التانية تصبح الطبخة مضبوطة بدقة بين وجاهة تفكير قطز الضابط المتعلق بأدب الجريمة وبين الضابط نوح الواقعي الذي يري سخافة في القراءة وفي كل ماهو - يهز صورة الضابط القوية- خفيف ورقيق او انساني.. فكل ما هو مفعم بالمشاعر شئ سخيف ولا يرقى لتفكيره حتى الكلمات الرقيقة مع من جذبه سحرها.
الدقة في ربط الخطوط الزمنية وبين الاحداث بين دقة وثبات وهدوء قطز ورعونة وعنف واستعجال نوح.. الادب ودوره في توسيع المدارك واستجلاب المعلومات والدروس الحياتية.. الجزء الرومانسي الخفيف بلا تلزيق ولا سخف.. بساطة طرح الجزء العائلي من نوح وجدته واخته.. الخيوط بين دوره في حياة من يحبهم ويخاف عليهم بطريقته ومحاولته لحمايتهم - من وجهة نظره- ولو بشكل خاطئ لكن بدافع القلق وربما اذاء نفسه واذاؤهم حتي ولو لم ينتبه فمحركه الاساسي يسوقه.
الشك كخطيئة منفردة ودافع ربما يجعلك تقع في شراك نفسك قبل ان توقع غيرك بعدم تثبتك ومهنيتك في التعامل مع ما يرد إليك من معلومات وكيفية ليِّ الواقع ليتوافق مع ما تراه ان وليس البحث في ما ترى ومطابقته مع القرائن السليمة لتجد الحقيقة.. الحكمة والخبرة لا تأتي فقط من التجارب والحديث مع النفس والتقليل من الآخرين عليك باحترام الجميع والاستفادة من كل متقن لشيء فانت لا تعلم أي معلومة ستقودك لحل اللغز.
الفصل بين ضغوظ العمل ومشاكله وكيف تحيا حياتك.. لا تعد بالعمل الي المنزل ولا تأخذ المنزل معك للعمل.. هذا درس من الدروس التي نتعلمها من حياة نوح وما آلت إليه بسبب خلطه لصداقته مع عمر وبين ومحاولته بالثأر له بعد مقتله او بحثه عن الحقيقة من منطلق الصداقة وليس من منطلق المهنية وتحقيق العدل.. ماترتب عليه من كتمان ومعاناة داخلية ربما لو افضى بها لأراحته كثيرا.
العزوة والسند هم اعمدة الحياة التي يؤسس عليها بنيان الحياة السوية السليمة التي تمنحك تركيز العمل وبساطة ومتعة الحياة ذاتها.. كل هذه الدروس وضعتها ميرنا المهدي ببساطة وسلاسة فى قصة نوح مع خليط من المعلومات الطبية والعلمية عن انواع السموم وآثارها وتأثيرها مع جزء كوميدي ظريف يخفف حدة الاحداث وتعدد الجثث وتوارد الارواح والاشباح بين الحين والآخر في احداث متجددة متواكبة مع التكنولوجيا واساليب البحث الحديثة في رواية قليلة الصفحات ثرية الاحداث بسيطة السرد ممتعة جدا.
**اقتباسات **
❞ انهمرت أمطار السكينة التي بعثتها لي روحها، لتطفئ لهب الحسرة بداخلي، وكأن ثقبًا أسود قد ابتلع كل المشاعر التي تركل أحشائي بوحشية لم أصدق… لم أصدق أنني أبكي في حضن امرأة دون أن أشعر بالخزي، أو العار، أو التقليل من نظرتي الذكورية إلى ذاتي. ولم أتخيل أن العناق خير دواء، وأن البكاء بين ذراعَي من تحبك هو حقٌّ للرجال أيضًا. ❝
❞ هي التي لا تضجر من صمتي، ولا تمل بسبب كتماني فترحل كمن رحل، ولا تسهو عني لتدعني أخطو نحو الظلام غافلًا.
لقد أحبتني كما أنا. ❝
❞ معها أنا مطمئن إلى أنها لن تلقي الاتهامات في وجهي إذا هفوت، ولن تلعب دور الواعظة إذا بحتُ لها بذنبي، ولن تتصيد لي الكلمات الطائشة التي تفلت مني، ولن تستدعي في شجارنا مواقف قد مرت أو موضوعات قد أُهيل عليها التراب **
❞ وهي التي جعلت الطمأنينة تجد طريقها إلى نفسي لتنتشر باعثةً سلامًا داخليًّا كفرتُ يومًا بوجوده. ❝