نوح الألفي يُسَمَم من جديد!

بعد ما يقارب من أربع سنوات صدر الجزء الثاني من تحقيقات نوح الألفي للكاتبة الشابة ميرنا المهدي

بلغة فصحى سلسة في السرد ممزوجة بعامية ملموسة في الحياة اليومية ومحببة في الحوار الدائر بين شخصيات الرواية أُناسًا كانوا أم أرواح.

رغم أن الجزء الثاني قائم على قضية ست الحسن الوارد ذكرها في الجزء الأول إلا أن الكاتبة حرصت على التوضيح لمن لم يتسن له قراءة الجزء الأول من تحقيقات نوح الألفي كما أوضحت كيف مُنح نوح بالعيون الأثيرية وكيف اكتسب قدرته على التحدث مع الأرواح الهائمة.

لذا إن كنت ممن فاتهم قراءة الجزء الأول، أود أن أطمئنك بأنك ستتفهم وتستوعب الجزء الثاني تمامًا إلا أنك ستفوت عليك مزيد من المتعة والتعلق بشخصيات أساسية كشخصية نوح، قطز، نادية، طارق، سونة.

أو سيزيد استياءك من شخصية كشخصية صلاح!

بما أن الفقد يلد في الأحشاء وحشَ انتقام غاضبًا، فيظل يتغذى على كل فضيلة إنسانية بين ذرات الإنسان، حتى لا يبقى في داخله سوى المرارة المتقدة التي تتضخم لتجعله قاسيًا معدوم الرحمة، لا يرى أمامه سوى هدف واحد؛ الثأر!

لذا؛ لم تتقاعس فتون عن الثأر لفلذة كبدها عمر، صديق الطفولة لكلًا من نوح، قطز.

فتون قاتلة أم ضحية! شئنا أم أبينا ستجد نفسك تتعاطف معها حينًا وستمقتها أحيانًا أخرى.

أحاطت فتون نوح بظهورها الصاعق المتكرر وبظهور مربك ومخيف له ولكل المحيطين به.

لكن لم تكن فتون وحدها التي تخطط للثأر، فهناك من تخطط للثأر لأحبتها والتضحية من أجلهم.

سلسلة جرائم شائكة تصيب تباعًا أفراد تُشكِل الدائرة القريبة من عامر سيد البغل المالك لمصنع مبيدات، بدأت في الليلة السابقة لحفل عيد ميلاد طفليّ نادية لينتهي لغز الجريمة وما تلاها من جرائم بعد اكتشاف جثة سهر في أيام لا تتعدى عدد أصابع اليد الواحدة.

لن أنكر أن جميع تكهناتي بكشف القاتل ودوافعه فشلت، وهنا زادت متعتي، نعم أنا أبتهج حين يصح توقعي، لكن متعة لا نهائية تنتابني حين أعجز عن التكهن وأشعر بتدفق الأدرينالين حين يصيبني التوتر والقلق على أشخاص أحببتهم ولا أطيق تعرضهم للأذى.

تناولت الكاتبة الجانب الإنساني وتوتر العلاقات وتخبطها حتى بعد مرور سنوات وسنوات بين رجل بالغ وأمه التي اختارت طوعًا الحياة مع رجل آخر بعد وفاة زوجها بعامين وتركها لطفليها في رعاية الجدة.

كما تناولت دور الثروة الكلامية والمفردات التي يفتقر إليها نوح للتعبير عمَ يجيش به قلبه من مشاعر تجاه دليلة، دليلة قلبه ودربه.

فكان يتعامل بمنطق أنه حين يشعر أن أحدهم يكشف أسراره الحساسة لا يسرع في ستر نفسي فحسب، بل يلكمه في عينيه حتى يعجز عن رؤية عورته.

أبهرتني ميرنا من جديد فيمَ يتعلق بمعرفتها للدلائل الجنائية وأوجه الخلاف بين الحمض الننوي والحمض الميتوكوندري.

من الاقتباسات التي لفتت انتباهي ولمست قلبي:

❞ ما البكاء سوى تهذيب للنفس الغرور والذات المتعالية التي توسوس لصاحبها بأنه لا يُهزم ولا يُكسر، كحجر اختال بنفسه حتى أتت السيول ونخرته وأزاحت كبرياءه. ❝

❞ مُضلِّلٌ هو من أوهم الأحبة أن العشق لوعة وعذاب!

‫ فما العشق إلا سكينة وسلام ❝

‏

الرواية من ٣١٢ صفحة تتناول قضية واحدة إنما في الواقع فهي تضم أكثر من قضية تداخلت فيما بينها كحلقات سلسلة.

سلسلة جرائم لكنها لا تخلو من حب، حقد، دهاء، ولا من خفة ظل.

جاء الغلاف ملائم تمامًا، فهو مشهد من مشاهد الرواية.