دلشاد : سيرة الجوع والشبع > مراجعات رواية دلشاد : سيرة الجوع والشبع > مراجعة Raeda Niroukh

دلشاد : سيرة الجوع والشبع - بشرى خلفان
تحميل الكتاب

دلشاد : سيرة الجوع والشبع

تأليف (تأليف) 4.4
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
0

فلسفة الجوع والضحك في رواية دلشاد

" من عرف الجوع يعرف أنه يبقى في الدم، مثل مرض، ولا يمكن لأي شبع بعده أن يشفيك"

ليس الجوع هو خواء البطون وترجيع صدى قرقرة المعدات الخاوية، الجوع هو تاريخ للبؤس الإنساني، للوجع المعجون بشظف العيش، هو سجل توثيقي للمهمشين الذين لا تتذكرهم إلا شواطئ المنافي البعيدة، وهم يتجولون بين أزقة حاراتها يبحثون عن كسرة خبز، أو نواة تمر، أو رشفة حليب، يسكتون بها صيحات الجوع التي تصم آذانهم وتعمي أبصارهم عن رؤية مباهج الحياة.

للجوع وجه وجودي، يدفع المرء لمساءلة معنى الحياة وعدالتها، جوع يحفز كل خلية في الجسد لتثبت للعالم أجمع بشريتها، مهما كانت العرقية التي تنتمي إليها، جوع للعدل في زمن لا يعترف إلا بلغة الغنى والقوة.

للجوع والشبع سيرة أخذت الكاتبة "بشرى خلفان" على عاتقها رواية أحداثها، بسرد يلتقط تفاصيل المشهد العماني في بدايات القرن العشرين بتقنية الكاميرا السينمائية، متنقلة بين حارات مسقط وما فيها من خيام للبلوش والعرب، ماضية إلى حارات مسقط وأسواقها، متجهة إلى " مطرح" وخيام المشردين، وحارتها الشمالية، لتصل إلى بومباي في الهند و" مكران “في بلوشستان.

أثرى هذا التنقل المكاني أحداث الرواية بتنوع لغوي وثقافي، تجلى من خلال النصوص التي أوردتها الكاتبة باللغة " الأوردية"، وأخرى " بالسواحيلية"، ولإن اللغة حاملة الثقافة، فقد كانت تلك النصوص نافذة يطل من خلالها القارئ على أساطير بلوشستان، وأثيوبيا، والهند، ويسمع حكايات تعكس البنية الثقافية لتلك المجتمعات.

فالبعد الأنثروبولوجي واضح في الرواية، إذ أغنت الكاتبة روايتها بذكر عادات وتقاليد الفسيفساء العرقية في عُمان، كحديثها عن ملابس البلوش وعاداتهم في الزواج، والموت، العين والحسد، والمرض، ولم تغفل الكاتبة الإشارة إلى التراتبية الاجتماعية التي سادت في المجتمع العماني وفقا لهذا التنوع العرقي.

هذه التوليفة العرقية انصهرت في بوتقة التعايش والتسامح الديني، فللمسلمين مساجدهم، وليس بعيداً منها معابد الهندوس، إلى جانب كنيسة الإنجليز وإرسالياتهم التبشيرية.

إلا أن ما جمع هؤلاء في رواية واحدة هو " سيرة الجوع والشبع"، وكان بطل الجوع هو " دلشاد" العربي الجائع المنبوذ الذي حمل اسماً بلوشيا، يعني " السعيد او الفرحان"، في مفارقة درامية بين معنى اسمه وطبيعة حياته القاسية.

دلشاد، الطفل الضاحك اللقيط، تربى في خيام البلوش، وقد نبذته أمه طويلاً، عاش في حظائر أبقار الهندوس، وبعد موتها عاش في خيمة ماه حليمة، ليكون أخا لأبنائها، لكن سرعان ما خطفت الكوليرا أبناء حليمة.

كان سلاح دلشاد الوحيد لمواجهة مآسي الحياة هو الضحك، كان ينفجر ضاحكاً في أكثر المواقف تراجيدية، ضحك مخيف، يعبر عن آخر حيلة دفاعية يمتلكها المرؤ حين يعجز عن تغيير واقعه.

وورثت ابنته مريم عن أبيها ذاك الضحك، كلما اشتدت عليها مآسي الحياة تضحك، كان الضحك سلاحها ضد الفقد، والهجر، والترمل، والموت.

" بسهولة كانت الأشياء تضحكني، خاصة تلك التي لا أفهمها حقاً".

يقول عالم الانثروبولوجيا دافيد لو بروتران: " الضحك مبدد لليأس، يؤكد سيادة المرء على القدر المعاكس الذي يصيبه، فحين لا يستطيع أحد تغيير مسير الأمور، وحين يرزح تحت نوئها يضحك منها".

الضحك تحول كيميائي للهشاشة أو الرعب القاهر، والشعور بالعجز، انتصار للأنا على عجزها من تغيير واقعها، سبيل لحفاظ المرء على رأسه عالياً، من خلال تحويله المآسي لحدث مضحك، يعلن من خلاله انتصاره على الألم، وعدم رغبته للانسياق خلف سوداوية واقعه المر.

الضحك الذي حمل دلشاد اسمه، ضحك بصيحة ألم، احتضار روح، صلاة أرواح معذبة، ضحك أسود، يناسب تماما سيرة الجوع التي لم تعرف بعد طعم الشبع.

Facebook Twitter Link .
1 يوافقون
1 تعليقات