رسم العدم > مراجعات رواية رسم العدم > مراجعة Noor Shroukh

رسم العدم - أشرف فقيه
تحميل الكتاب

رسم العدم

تأليف (تأليف) 4.5
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
5

في صفحات التاريخ المغبرّة، بحث عنه. لملم شتاته من هنا وهناك، وبتعويذةٍ أدبيةٍ حاذقة، استحضره من الزمن الغابر ليحكي لنا قصته.

هذا ما فعله د. أشرف فقيه مع ليوناردو بن گويلمو بوناتشي.

ليوناردو فيبوناتشي، الرياضيّ البيزاوي الّذي أعطى شكلاً للمتوالية الحسابية التي سميت باسمه، والتي نجدها حاضرةً في الطبيعة حيثما التفتنا، متوالية فيبوناتشي.

في "رسم العدم" يضع الكاتب أمامنا مزيجاً ساحراً من التاريخ والفلسفة والرياضيات. ربما يظن القارئ بأنه سيظل من الغلاف إلى الغلاف يخرج من مسألة حسابيةٍ ليدخل في أخرى، لكنه ما إن يبدأ حتى يفاجأ بكل ذلك الجمال المتمازج الممتع: يسبر مع الصفحات أغوار نفس ليوناردو، وينظر في أفكاره وخواطره وأشجانه. يتعمق في مسائل حسابيةٍ منها ما هو مستعصٍ ومنها ما هو طريف، ومنها ما هو لطيفٌ لطف الأرانب البيضاء بأنوفها المرتعشة. يجد نفسه فجأةً يجوب صفحاتٍ من تاريخ بيت المقدس، ونزاعات الأباطرة المسيحيين مع كنيستهم، ويثور فضوله ليقرأ عن تاريخ الأيوبيين والخوارزميين والعباسيين.

وما الأداة التي يصل بها الكاتب إلى ذلك؟ لغةٌ عربيةٌ فصيحةٌ جزلةٌ تتناسب تماماً مع الزمن الذي تحكي عنه، لكنها لا تضيع بالقارئ المعاصر في متاهات الفصاحة ولا تلجؤه إلى صفحات المعاجم.

أمرٌ آخر لم أستطع إلا أن ألتفت إليه، ففي "رسم العدم" تمكّن الكاتب من نسج قصّةٍ تامّة الأركان، من مبدئها إلى منتهاها، بتدرج أحداثها، وعقدتها، وانحلالها، وخاتمتها، دون أن يخوض في تفاصيل قصة حبٍ واحدةٍ يدغدغ بها مشاعر القارئ ويشتري رضاه، بغضّ النظر "الجمهور عايز إيه"! إلّا إن اعتبرت زواج ليوناردو من تلميذته النبيهة زينب الذي ذكر عرضاً في آخر بضعة صفحات قصّة حبّ...

أمرٌ إضافيٌ لا بد لي من ذكره كذلك... ففي مشهدٍ ثقافيٍّ أدبيٍّ عربيٍّ يصرّ رواده على جعل تجاوز خطوط الأدب والحشمة مزيّةً ويصرون على أنّ من كمال العمل الأدبي أن لا يتورّع عن استدعاء هذه التفاصيل إن لزمها السياق (ونجد السياق دائماً ما يحتاجها بشكلٍ عجائبي)، يقدّم الكاتب هنا عملاً يبطل هذا الادعاء. فلا تحتوي "رسم العدم" بين دفتيها مشهداً واحداً يتجاوز حدود الآداب واللياقة، لا تصريحاً ولا تلميحاً، دون أن ينتقص منها ذلك شيئاً. بل تخرج إلينا بكل أبهتها و"دسامتها" دون أن (يحتاج السياق) فيها إلى أيٍّ من ذلك!

"رسم العدم"... تجعلنا ننتظر بصبر مزيد الكاتب...

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق