أنثى موازية > مراجعات رواية أنثى موازية > مراجعة Moustafa M. El Sayed

أنثى موازية - علي قطب
تحميل الكتاب

أنثى موازية

تأليف (تأليف) 3.8
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
3

يا عانس!

الكتاب: أنثى موازية

المؤلف: على قطب

دار النشر: العين للنشر والتوزيع

سنة النشر: 2022 (الطبعة الثانية)

الصفحات: 144

يواصل الأستاذ علي قطب في روايته الجديدة "أنثى موازية" الصادرة عن دار العين للنشر والتوزيع، تقديم نماذج بشرية حية من واقع المجتمع. فيحكي لنا عن ظاهرة العنوسة المتفشية بأرقام مذهلة وخطيرة كما تؤكد الإحصائيات الرسمية. اختار لبطولة روايته "عبير" الابنة الكبرى لعائلة صغيرة تنتمي للطبقة المتوسطة، بل أقل قليلًا. هي الأخت الكبرى لشقيقتيها، وإن كن جميعا في سن الزواج. الأخت الوسطى سارعت وأصرت على الزواج برغم الحزن المخيم على الأسرة لفقد الأم. وعندما حاولت عبير إثنائها عن ذلك، وطلبت منها التريث، هاجمتها ورمتها بأسوأ كلمة من الممكن أن تقولها أخت لأختها: "يا عانس". والأخت الوسطى قبلت الزواج برغم فارق السن الكبير بينها وبين المتقدم لها، هربًا من نفس مصير عبير.

وبقيت عبير وحيدة، بعد أن ماتت أمها وأبيها، لتواجه حياتها بكل قسوتها وتقلباتها ومتناقضاتها، مع بدايات مبشرة وآمال عريضة، تفضي بها إلى نهايات حزينة ملؤها إحباطات الفشل وانكسار الهزيمة. بقيت لتقوم بدور العانس في مجتمع قاس، اسودت قلوب أفراده ونظراتهم، ولبسوا مسوح الفضيلة والورع، وطفقوا يرمونها بأقذع الاتهامات وأبشع الرذائل. فهي "خطافة الرجالة" بالنسبة لصديقتها أو جارتها.. وهي "المومس" التي ستستجيب -طوعًا- لأول لمسة من يد متحرش أو نظرة من عينيه الفتاكتين (كما يظن). ويمكن أن تكون "العين السوداء الحسودة التي تفلق الحجر"، فالبعد عنها غنيمة... وهي أيضا المريضة نفسيًا التي تحتاج إلى طب وعلاج لكيلا يشقى المجتمع بجنونها.

حقيقة لقد أبدع المؤلف في تصوير عبير في هذا الدور من كل الزوايا، وضمن روايته أغلب نظرات المجتمع لها، حتى أن القارئ ليستشعر أوجه الشبه العديدة بين قصتها وقصة البغي "مريم المجدلية" في مجتمع اليهود، والمسيح عليه السلام يدافع عنها بقوله المشهور: "من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر". ولكن من أين لعبير بالمسيح عليه السلام.

*****

أبرز ما أعجبني في الرواية هو تركيز المؤلف الشديد على شخصية عبير وبنائها، فكان أشبه بطبيب تفرغ تماما لدراسة أحوال مريضته وما ينتابها من أعراض. فهي حاضرة في كل موقف وكل قصة ومع أي شخصية.. والشخصيات -وكلها تقريبًا هامشية بالمقارنة مع دور عبير- تتوالى تترًا على الرواية، فقط لإضافة وصف جديد لها أو جانب من جوانب شخصيتها. وهكذا سخر المؤلف كل مواهب الحكي لديه وحيله ليخرج لنا ما يمكن أن نطلق عليه -بحق-: "السيرة الذاتية لفتاة عانس في المجتمع" بكل أطوارها ومراحلها. وهذا ما يقول عنه الكاتب الكبير محمود عبد الشكور في كتابه "ونس الكتب": "تظل كتب السيرة الذاتية دومًا ممتعة للقارئ، لأنها تنقل إليه معالم تجربة شخص آخر، وتلخص حياة إنسان في سطور". وهذا -بالفعل- ما صنعه المؤلف في هذه الرواية. ولذلك فهو يوجه لها الشكر كتب فيه:

"شكر

لعبير الحقيقية التي أفرغت ما أتاحته ذاكرتها الهشة، وخصصت لي جزءًا من وقتها رغم مشاغلها الكثيرة..."

كذلك أعجبني كثيرا أسلوب المؤلف -أو لنقل حيلته التي يجيدها تمامًا- في التنقل السريع بين الفقرات والأحداث سواءً علي مستوي الزمان أو المكان. فمثلًا نجده يصف لنا لقاء عبير بإحدى الشخصيات، ثم ينتقل سريعًا ليمددها علي "الشيزلونج" أمام طبيبة الأمراض النفسية، وبعدها يرجع إلى الماضي البعيد وحديث الذكريات، وهلم جرًا. هذا الأسلوب حافظ على سرعة إيقاع الرواية، واحتفظ للقارئ بعنصري الإثارة والتشويق لمعرفة المزيد والمزيد مع كل فقرة أو صفحة جديدة.

أيضًا أعجبتني التجربة التي لجأ إليها المؤلف، إذ قرن عناوين أخبار المجتع الهامة بأحداث روايته، ومن ثم فهو يؤرخ للأحداث التي جرت في مصر خلال العشرين سنة الأخيرة، ويربطها بتطورات أحوال عبير. تلك التجربة صنعت نجاحًا باهرًا من قبل في روايتي "ذات" لصنع الله إبراهيم، وكذلك في ثلاثية الإسكندرية لإبراهيم عبد المجيد. وهنا أيضًا أجاد المؤلف في التجربة، وإن كان لم يتوسع فيها مثلهما.

*****

أما ما لم يعجبني في هذه الرواية وهو أمر واحد فقط، فأستميح القارئ عذرًا ألا أذكره، منعًا لحرق أحداث.

*****

أخيرًا لقد تعاطفت كثيرًا مع شخصية عبير، خاصة وأنها تجسد شخصية موجودة بكثرة في مجتمعنا، بين أقاربنا وأصدقائنا وجيراننا، وآلمني كثيرًا ما تعرضت له من قسوة وظلم بل وسفالات، والآلام والأوجاع التي كانت تتسلل إلي حياتها ليلًا ونهارًا.

وأكثر المواقف إيلامًا التي صادفتها أثناء قراءتي، هو حينما دفعتها قسوة الظروف دفعًا إلي الجنون، فتعتقد بنفسها أنها تعاني من مرض نادر لا يصيب إلا فردًا في المليون... ومن أعراضه الشعور الدائم بالفشل والإخفاقات المتكررة. بل وتشخص مرضها كطبيب نفسي محترف.. لقد توقفت عن القراءة، ونحيت الكتاب جانبًا، وفي حسرة وغم رددت علي نفسي الأسئلة: ماذا لو كانت أختي؟ أو ابنتي؟ أو ابنة أختي؟ أو ابنة صديقي أو جاري؟...

Facebook Twitter Link .
2 يوافقون
1 تعليقات