حِكاية فرح > مراجعات رواية حِكاية فرح > مراجعة Mohamed Khaled Sharif

حِكاية فرح - عز الدين شكري فشير
تحميل الكتاب

حِكاية فرح

تأليف (تأليف) 3.7
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
4

"أدرك تماماً تداعيات كوني إنساناً وحيداً في هذا الكون الشاسع، لا يربطني ببقية سكانه شيء."

رواية "حكاية فرح" هي أول قراءاتي للكاتب "عزالدين شكري فشير"، وثاني قراءات القائمة الطويلة للبوكر العربية. فهل تستحق التواجد في هذه القائمة؟ من وجهة نظري، بكل تأكيد نعم لأسباب عديدة سأحاول أن أذكرها توالياً.

كما يُشير الاسم هذه الرواية عن فرح وحكايتها، الحكاية المريرة السوداء القاتمة، حكايتها التي لا تعرف أي أجزاءها أشد سوءاً من الآخر؟ هل عندما كانت طفلة؟ هل عندما كبرت؟ هل عندما تزوجت؟ أم عندما تطلقت؟ ففي كُل مرحلة تستطيع أن تستخرج عبثاً يحدث لها، فشخصية "فرح" تستحق التعاطف، في كُل المراحل. مُنذ نشأتها المُتذبذبة بين أم من الجيل القديم "زينب"، وطريقة تربية عقيمة، وبين أب لا يُساهم في التربية بأي شيء، حتى الأموال، يُساهم بها أحياناً، وأوقات أخرى يختفي تماماً، عاشت "فرح" طفولة مُشتتة بين الحلال والحرام، بين كونها طفلة صالحة، أم عاصية -تخفيفاً للفظ الذي تُطلقه على نفسها بداخل الأحداث-، تُحاول أن تُرضي أمها ومن حولها، وفي نفس الوقت لا تستطيع إلا أن تمشي وراء رغباتها، طبقاً لتفكيرها المشوه في كثير من الأوقات. وكُل تلك الآثار من الطفولة كانت حاضرة وبقوة في حياتها بعد ذلك، هي المحرومة من كُل شيء، التي تُعاقب بأن يتم ربطها بالحبال وتركها في غُرفة مُغلقة، أي طريقة تربية ذلك؟ أتخيل "فرح" الصغيرة وهي بغرفتها في الحبس الإجباري، وهي تنظر إلى نفسها في المرآة، تلك الطفلة التي شوهت تربية والديها حياتها.

الرواية تتمحور حول الأمومة والتربية، ورصدت ثلاث طرق مُختلفة لتربية الإناث فقط! من "زينب" والتدخل الكامل في حياتها من والدتها "زينات"، إلى "فرح" والتدخل شبه الكامل من "زينب" حتى زواجها، إلى "زينة"، والتدخل الضعيف، مع الدعم، تلك الطريقة الحديثة للتربية، ورغم أنه هناك ثلاث طُرق مختلفة، لم يكن هناك نتائج محمودة لأياً منهم، فكلهم غاصوا في نفس المشاكل، كُلهم لديهم طريقة تفكير أحياناً ما تكون غير سوية، وحرموا من العديد من الأشياء، فـ"زينب" حُرمت من الشخص الذي أحبته بسبب العادات والتقاليد التي طمست نفسها فيها وتصبغت بلونها، وعلى الرغم من أنها أحياناً كانت تخرج من تلك العباءة السوداء، ولكنها كانت تُمررها إلى ابنتها، و"فرح" حُرمت من الحنان، حنان العائلة، حنان الحبيب، حنان الأصدقاء، لم تجد "فرح" من يحنو عليها، يربت على كتفها ويُخبرها أن كُل شيء سيكون على ما يرام، حتى أصدقاءها كانت تشعر بفجوة بينها وبينهم، ولذلك ارتمت في أحضان ذلك المُمثل الشهير "كريم المالكي" بعدما فشل زواجها، ورغم أنني كنت أتوقع لشخصية "كريم المالكي" أن تكون شديدة النمطية، ولكنها كانت وللمفاجأة رائعة، شخصية مُرتبكة، لديها أفكارها الحقيقية، يلعن الأفلام التي يؤديها، وأنها تجارية بحتة، بالطبع لديه مشاكل عديدة، مثل أنه يخون زوجته، ولكنه كان يمر بمعضلة حقيقية، وذلك الكشف التي قامت به "فرح" في آخر مقابلة لهم كان مُبهراً. ولكنه للآسف لم يتعلم منه أبداً.

ثم نُتابع توالياً حكاية "فرح" مع ابنتها "زينة"، وتساؤلات "فرح" الوجودية عن تربية ابنتها، في زمننا الحالي، تُشاهد ابنتها تتحول من ابنة عادية، إلى مُتطرفة، إلى مُلحدة، ولا تستطيع التصرف، تُقارن بين طريقة التربية التي تلقتها، وبين التي تراه أمامها، تُحاول إنقاذ ابنتها، وفي نفس الوقت تخاف أن تتدخل في حياتها بشكل سافر -رغم أنها فعلت ذلك-، لتطرح الرواية سؤالاً شائكاً، هل عندما نرى أولادنا يتجهوا إلى الخطر، نتركهم ليتعلموا خطأهم، أم نتدخل بشكل سافر؟ بشكل غشيم ومُجحف قد يجعلهم يكرهونا، أليسوا سيكرهونا حتى لو لم نتدخل أننا وقفنا صامتين؟ تلك المُعضلة الخاصة بالإنجاب والتربية تؤرقني في الأساس وزادها الكاتب وزناً وتساؤلات إضافية.

أما السرد، ويا لجمال السرد!

كما ذكرت سابقاً هذه أول رواية أقرأها لـ"عزالدين" رغم نيتي أن أقرأ له منذ فترة كبيرة، ولم أكن أتوقع أن يكون أول لقاء بيننا هو آخر أعماله -لولا البوكر العربية-، ولكن، وبكل صدق وشفافية، هذا سرد رائع، يُنقلك زمنياً من الماضي إلى الحاضر إلى الماضي القريب إلى الماضي الأبعد، بسهولة ويُسر، ولا تزال واعياً بكل الخطوط، ورغم كثرة الشخصيات إلى حداً ما لا تزال تعرف كُل علاقاتهم بالأحداث، سرد سريع وشيق، ولم أشعر بالملل إطلاقاً، استخدام الألفاظ في الشتائم وجدته واقعياً وساخراً، مُلائم جداً للشخصية، التي تحكي وهي تنفعل، وانغمس بداخلها حتى كتب مثلها، فوجدت أن الذي يحكي هي "فرح"، وليست مُجرد رواية عن "فرح"، يسردها طرفاً ثالث، السرد كان شفافاً وواضحاً، لا يلتوي عليك، الشخصيات جريئة، ستجد المواضيع الذي يتحدثون عنها جريئة، وألفاظهم كذلك.

ختاماً..

كانت تجربة رائعة، ستظل هذه الرواية في ذهني فترة لا بأس بها، وسأتذكر أن بدايتي مع "عزالدين" كانت جيدة جداً، في رواية مليئة بالسخرية السوداء، تنقد المجتمع وعاداته وتقاليده نقد لاذع، تتحدث عن الأخطاء المُتكررة التي يقع فيها البشر مراراً وتكراراً. كرمزية الهدية التي تفتحها بداخلها هدية، بداخلها هدية، وكأننا جميعاً تكراراً لأخطاء تربيتنا.

يُنصح بها.

Facebook Twitter Link .
2 يوافقون
1 تعليقات