رأفت الهجان > مراجعات رواية رأفت الهجان > مراجعة محمد أحمد خليفة

رأفت الهجان - صالح مرسي
أبلغوني عند توفره

رأفت الهجان

تأليف (تأليف) 4.3
أبلغوني عند توفره
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
5

هذه ملحمة عظيمة ورائعة تفوق أي وصف، بل إن الكلمات لتعجز عن التعبير، فلن يسع البيان أن يصف ما تموج به النفس من فيوض المشاعر الغامرة القوية التي اجتاحتها وعصفت بها طوال أحداث الرواية، بل وفي كل سطر من سطورها، والتي خطها صالح مرسي الرائع بكل وطنية وصدق من القلب.

إنني لا أُغالي مطلقًا إن قلت بأن الواجب على مناهج التربية والتعليم أن تتخذ من هذه الملحمة البطولية من الفداء للوطن الغالي منهاجًا يدرسه الطلبة، يغرس فيهم حب الوطن الذي من أرضه نشأنا وإليها نعود، يعلمنا كيف ضحت الأجيال التي سبقتنا، وكيف كان تاريخنا حافلًا بالأمجاد والبطولات كما كانت تقصم ظهورنا فيه المحن والنكبات.

إن الهزيمة الحقيقية هي في الركون إلى اليأس والاستسلام والرضا بالذل والعيش في الحضيض، أما النصر فلا ينبلج فجره إلا من القلوب العامرة بالإخلاص والحب للوطن وأرضه وشرفه وكرامته.

إن ملحمة الفداء العظيم التي قدمها "رأفت الهجان" أو "رفعت الجمال" لوطنه في عشرين عامًا قضاها على أرض العدو لتستحق منا جميعًا أن نفخر وبصدق بأنه، وبالرغم من كل ما مرت به مصر من أزمات وهزيمة وحروب خاضتها واستنزفتها، إلا إنه كان هناك رجال وهبوا أنفسهم وأرواحهم فداءً لمصر وطنهم، عاشوا وماتوا في الظل دون أن ينتظروا ذيوع شهرة أو صيت، كان كل ما يحلمون به هو مجد ورفعة وطنهم، وكانوا في كل دقيقة من أعمارهم يحملون أكفانهم بين أيديهم، وهم يخوضون الصعاب المستحيلة في أوقات الحرب والسلم، يسطرون تاريخًا مجيدًا ومشرفًا، لا يصلنا منه للأسف إلا أقل القليل.

إن الإنسان لا يشعر بقيمة وطنه وبحقيقة الانتماء لأرضه وأهله إلا حين يغترب ويعيش خارج بلده، ولقد عشتُ أحد عشر عامًا أعمل في الخليج، كنت لا أقضي في كل عام منها سوى شهرين على أرض مصر في إجازتي الصيفية، فشعرت باليتم والألم، وكأنني سمك أجبروه على الخروج من الماء، لكن الظروف أجبرتني على أن أكمل الطريق، حتى إذا لاحت لي أولى بوادر إمكانية العودة لوطني استقلت بمحض إرادتي وسعادتي غامرة لا حدود لها، وعدت لوطني أحيا على أرضه بين أهلي، وأتمنى لو لم تكن الظروف قد أجبرتني على أن أغادره يومًا.

لا أقول هذا الكلام لشيء سوى أنني أرد على من لم يغترب يومًا عن أرض الوطن، فلم يدرك كيف هو الشعور بمرارة وآلام الغربة والذل والمهانة التي يلاقيها المصري -الذي يحب بالفطرة كل العرب- من أهل البلاد التي يغترب بها أملًا في لقمة عيش أفضل، ولا ألوم على من تضطره ظروفه ليكمل حياته هناك حتى تنتهي، أو من يقرر أن يستمر في غربته وإن كان لم يعد بعد في حاجة إليها وقد حقق هدفه منها، فكل إنسان حر فيما يختاره لحياته، أما أنا فمن ذلك النوع الذي لا يستطيع أن يستمر في غربته بعد أن لاحت له بوادر الاستقرار في وطنه، ولست كذلك الشخص الذي إن أخذ قرارًا رجع فيه وندم عليه، فكم استبشعت بعد عودتي لوطني فكرة أن أغترب مرة أخرى، مهما واجهت من صعوبات على أرضه، فكلها تهون مادمت بين أهلى وأسرتي راضيًا قانعًا.

إن الحديث لذي شجون، ولقد جددت هذه الملحمة العظيمة في قلبي وعقلي قصة الغربة، لكنني إذ أعود إلى الرواية أقول بأن لهذه البطولة غير المسبوقة في تاريخ المخابرات العامة المصرية تاريخًا حافلًا من "نوستالجيا" الحنين والارتباط بجيل الستينات والسبعينات والثمانينات، فأثناء قراءتي للرواية كنت أتمثل "محمود عبدالعزيز" في "رأفت الهجان" و"يوسف شعبان" في "محسن ممتاز" و"محمد وفيق" في "عزيز الجبالي" و"يسرا" في "هيلين ريشتر" و" عفاف شعيب" في "شريفة الهجان" و"أحمد راتب" في "إيزاك بن عميتاي" و"يهوديت موردخاي" في " فايزة كمال" و"إيمان الطوخي" في "إستر بلينسكي" و... و... و... عشرات الشخصيات الحية على الشاشة الفضية شاهدتها هذه الأجيال، بل وعاشت معها في صحوها ومنامها وانتصاراتها وانتكاساتها، في أفراحها وأتراحها، في آمالها وآلامها، بل إنه من المعروف للغالبية منا أنه وقت عرض المسلسل في أجزاءه الثلاثة، لم يكن هناك أحد من الناس في الشوارع، فالكل جالس يشاهد الحلقات ويتفاعل معها، ويعيش مع أبطالها، وفي هذا إشادة بالدور العظيم الذي أداه كل من قاموا بتشخيص تلك الملحمة الوطنية بكل إخلاص وصدق وحب للوطن.

لا تكمن روعة هذه الملحمة الروائية فيما تحكيه من قصة جاسوس مصري عاش في أرض العدو لعشرين عامًا، ونجح في تكوين شبكات فرعية كان يقودها بكل حرفية وذكاء، إضافة لكونه رجل أعمال واقتصادي بارز يُشار إليه بالبنان في المجتمع الإسرائيلي، بل أكثر من ذلك في رحلة هذا الشاب المصري وحياته وتحليل الكاتب العظيم لنفسية كل شخصية والظروف التي تحيط بحياتها وترسم لها خط سيرها واختياراتها، وفي الوطنية الصادقة التي تنبض بها حروف الرواية في الحوار بين رجال المخابرات ومندوبهم ٣١٣ في إسرائيل، وفي المعلومات التي وافق رجال المخابرات على التصريح بنشرها في الكتاب، والتي وبرغم قلتها تعطينا فكرة كبيرة عن كم الجهد والمشاق التي يواجهونها في تدريب العملاء وجمع المعلومات وتأمين الشبكات والتضحية بكل غالٍ ونفيس في سبيل رفعة الوطن. لا أقول بالطبع أنه لا يوجد تقصير هنا أو هناك، فالكمال لله وحده، لكن تبقى الغاية النبيلة هي سبيل النجاح وتحقيق المجد والنصر للوطن.

هذه رحلة شاقة وجد مشوقة، ساقتني إليها أحداث الرواية بأجزائها الثلاثة، فاستغرقتني تمامًا لخمسة أيام خلت، كنت أتمنى أن تطول، فقد كانت ممتعة لا أذكر فيها ثانية واحدة من الملل، بل كثير من الدموع التي كان بعضها حبيس جدران العينين، فيما فاض البعض الآخر عنهما فسال على الخدين، في مشاعر جياشة تفاعلت فيها مع شخصيات وأحداث الرواية بكل ما في نفس وعقل وقلب أي مواطن يعشق تراب وطنه ويشعر نحوه بعد غربة إجبارية بكل الحب والتقدير والعرفان بالجميل.

وهذا أيضًا سجل ودفتر للوطن، بكل ما مر به من أحداث جسام منذ عام ١٩٥٢ وحتى عام ١٩٧٨م، وفي الرواية الكثير مما لم يذكر في المسلسل لأسباب سيعرفها من يقرأها، لذلك فأنا متأكد من أن مَنْ أحبَّ المسلسل وتابعه بشغف في صغره وكبره، سيحب بالتأكيد، بل وسيعشق هذه الرواية العظيمة.

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق