بين القصرين > مراجعات رواية بين القصرين > مراجعة Salma.Ahmed

بين القصرين - نجيب محفوظ
تحميل الكتاب

بين القصرين

تأليف (تأليف) 4.2
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
4

ترى كيف أستطيع أن أبتكر حرفًا، يمكنه أن يطفئ حريقًا أشعله "نجيب محفوظ"في عقلي وروحي،بعدما سافرت مع حروفه طواعية إلى الماضي، حيث القاهرة القديمة..وحي الجمالية والحسين ،وبين القصرين ،حيث بيت "السيد أحمد عبد الجواد"سي السيد- الرجل الذي جمع كل المتناقضات،وانفرد بطبيعة متسلطة نرجسية، يعز بل ويندر أن يكون لها مثيل وزوجته (أمينة )الزوجة الخانعة المستسلمة،التي كادت أن تخشى حتى أن تتنفس،قبل أن يسمح لها بعلها بذلك

فترى كيف لي أن أجد حرفًا يضمد جرح كرامتي كامرأة.. وكل الحروف لا تستطيع أن تستر عورة وجع ؟!

صحيح أن تلك الفترة ،فترة ماقبل الثورة وبعدها ،كانت تحمل سمات مختلفة للشخصية المصرية سواء للرجل الذي كان سيد القرار ولا يُراجع أمره، أو المرأة التي لم يكن لها الحق في اتخاذ أي قرار خاص بها أو بشؤون بيتها وأولادها ،أو حتى المشاركة في إبداء الرأي

-إلا أنني أرى أن محفوظ بالغ في وصف وتعنت شخصية أحمد عبد الجواد ،وبالغ في وصف تناقض وازدواج شخصيته التي كادت أن توصف بالفصام ،

رجل ورع في المسجد وفي الصلاة،وأخر عربيد يستحل المحرمات ومعاقرة الخمر والنساء خارج المنزل فيقول محفوظ مثلًا:

"صلى بوجه خاشع ،وهو غير الوجه البسام المشرق الذي يلقي به أصحابه ،وغير الوجه الحازم الصارم الذي يواجه به آل بيته ،هذا وجه خافض الجناح تقطر التقوى والحب والرجاء من قسماته المتراخية التي ألانها التزلف والتودد والاستغفار"

.....

فتشعر أن "أحمد عبد الجواد" وكأنه حين يصلي ينفض عن جسده وروحه عبد الجواد الأخر العربيد ، اوالكاشر الوجه ويضعه بجانب (مركوبه) على باب المسجد ،وبمجرد أن يؤدي الصلاة ،ويفرغ من العبادة ،لا يلبث أن يرتديه .

برع نجيب محفوظ أيضًا في رسم شخصية "أمينة" التي كانت تقطر طيبة وعطفًا.. برغم إستسلامها الموجع ،فاراني فُتنت بها كأم وهي تقطر دفئًا وحنانًا وألفة في مجلسها مع الأبناء ،في غير وجود الأب ،وهي توسع لهم المكان والقلب والكلام ،فتفرط عليهم الدفء والحنان كحبات الرمان،وتخلص في العبادة والدعاء ،وتعرض عن اللغو ،حتى أنها لا تطيق أن تستمع إلى كلمات الإبنة الكبرى وهي تتحدث عن خادمتهم السيدة البدينة "ام حنفي" وهي تتهمها بسرقة السمن والطعام ،فتسكتها بعبارات تنم عن الطيبة والكرم والترفع.

أرى أن أمينة برغم جهلها ،ومعتقداتها البالية بوجود الجن والعفاريت ،إلا أنها كانت شخصية مؤمنة بالله إيمان صادق ،لا يحمل شبهة تناقض،هي السيدة المخلصة لربها ولعبادتها طيلة الوقت تمتلك حياءًا،يكسبها جمالًا من نوع خاص،تمتلك أيضًا خيالًا خصبًا مستعينة بما منحها وقتر عليها القدر والواقع من أدوات وأماكن ،فترسم ملامح لمسجد سيدنا "الحسين" في عقلها وتمزج بين الصورتين،الصورة التي في مخيلتها ،والواقع الملموس الذي تراه لأول مرة حين خرجت مع إبنها الصغير

فنجد أن محفوظ سجل هذه اللقطة بإحترافية شديدة أضافت هالة حول الحروف،وسحرًا خاصًا ،تكاد أن تعيشه لا أن تقرأه فيقول:

وبين الصورة التي خلقها خيالها له مستعينا في خلقه بنماذج من الجوامع التي في متناول بصرها بجامع قلاوون..فوجدت الحقيقة دون الخيال لأنها كانت تنفخ في الصورة طولا وعرضا على قدر يناسب منزلة صاحب الجامع من نفسها،بيد أن هذا الاختلاف بين الحقيقة والخيال لم يكن ليؤثر شيئا في فرحة اللقاء،التي ثملت بها جوانحها.

كشف محفوظ عن ملامح البيت المصري في ذاك الوقت وأساليب التربية وقتذاك ،فنرى أن البيت في ذاك العصر اتسم بغياب الوعي وعدم مراعاة المشاعر ، وتسطح المفاهيم

فنرى تهكم الأخوة على شقيقتهم الكبرى،والتنمر طيلة الوقت على أنفها وملامحها ،بل والتغزل والمدح ،والمقارنة بينها وبين الأخت الصغرى ،دون أن نجد أي رد فعل أو اي نهر من جانب الأم أو الأب،فنسجل سقطة أخرى لملامح البيت المصري والبيئة وقتذاك ،وكأن جمال المرأة هو سلاحها وكل مؤهلاتها في الحياة ،كان المرأة وعاء وجسد ليس إلا ،فنشعر طيلة الرواية بالتقزز والنفور ،

لم ينسى محفوظ التحدث عن الجانب الرومانسي ،فنرى حب "فهمي" العفيف لجارته ،وكيف رسم محفوظ شخصية فهمي الذي كانت من أجمل الشخصيات ،احب "مريم " كأجمل ما يكون الحب ،فنراه مولع بها كروح أكثر منها جسد فيقول الكاتب مثلاً عن لسان فهمي ،في أثناء عُرس شقيقته الصغرى "عائشة" والذي كان يبحث عن صوت مريم حبيبته وسط الأصوات المتعالية الغناء والتصفيق فيقول:

"وتمنى لو كان بوسعه أن يميز صوتها من تلك الأصوات وان يفرز تصفيقها من ذلك التصفيق ولكن لم يكن ذلك بأسهل من تمييز صوت موجة بالذات من هدير الأمواج المتلاطمة على الشاطئ"

احببت شخصية فهمي وبكيت من أجله حين بكى قهرًا ،عندما ضيق عليه الأب الخناق وحينما تمادى في بطشه وتحكمه وفرض السلطة الأبوية المطلقة عليه،فأنتزع منه البكاء عُنوه ،كما ينتزع كل شئ حوله

وينتقل محفوظ إلى شخصية الإبن الأكبر (ياسين) فنراه نموذج أحقر من الأب في الميل للشهوة والنساء ،والعربدة،وضعف النفس وسقوطها احط سقوط ،اختلف ياسين في سلطته عن الأب ، فياسين شخصية هشة فلم يستطع أن يفرض هذه السلطة إلا في صورة سخط وعقوق لوالدته ،وان يعطي نفسه الحق في محاسبة أمه ونبذها طيلة عمره ،فلم تحركه أي مشاعر إلا في نهاية عمرها

ياسين احط نموذج أفرزته شخصية احمد عبد الجواد ،اورثته طفولته البائسة مع ام غير مستقيمة شخصية مبتذلة ،ثم اكمل أباه على ماتبقى من أمل في النجاة فازداد الإنحراف والتدني حتى وصل إلى ذروته.

ارى في النهاية أن لكل كاتب مميزاته وسر قوته وتميزه،وأدوات وصوله إلى قلب القارئ،وقد كان سر تميز "محفوظ" وانفراده ككاتب وهنا في هذه الرواية بصفة خاصة أنه استطاع أن يصنع خليطًا عجيبًا بين التأمل الفلسفي ،والرومانسي،والإنساني والبلاغي، والشعبي في آن واحد

استطاع أن يصوغ من الحرف خليطًا يوقد الحس ويلهبه،استطاع أن ينقل صورة حية للحارات والبيوت ،والمقاهي،فجعلنا في حالة من التوحد،حيث كل ملامح التلاقي دون أي فاصل

جسد نجيب محفوظ كفاح الشعب المصرى من أجل الاستقلال بقيادة زعيم حزب الوفد وزعيم الأمة السيد سعد زغلول باشا والذى كان نفيه إلى جزيرة مالطا فى نفس العام بداية لمرحلة إيقاظ الوعى الشعبى لدى الجماهير المصرية والعربية.

بين القصرين رائعة من روائع نجيب محفوظ ،يعيبها فقط الإسهاب في بعض المناطق ،والمط في الأحداث

اللغة كانت اروع ما يكون

الوصف .صدقًا لم أقرأ وصفًا للأماكن كما يصفه محفوظ ،فلا يمكن إلا أن تفتن كقارئ بروعة الوصف وسحره ،وتشعر بتحليق روحك في أي مكان يصفه

الحبكة كانت متماسكة إلا في هنات قليلة

احببت الرواية ،وتألمت كثيرا مع أمينة ومع كل إمرأة مقهورة في ذاك العصر

من أجمل الإقتباسات

الأنف الذي ورثته خديجة عن أبوها الذي يناسبه ويكسبه جلالًا ملحوظاً ،فقد لعب دورا مختلفا في وجه الفتاة.

عائشة الجميلة تمتلك شعر ذهبي دللها به قانون الوراثة فحصها به وحدها من ميراث جدتها لأبيها

ولازمت الإطلاق كأنما أخذتها سنة من النوم

صمت صامت مسربل بالتعمد

وكان للبيت فناء متسع،في أقصاه إلى اليمين بئر سدت فوهتها بعارض خشبي مذ دبت أقدام الصغار على الأرض،وفي أقصى اليسار على كثب مدخل الحريم حجرتان كبيرتان

وكان لحجرة الفرن على عزلتها علاقة بقلبها لا تهن،فلو حسب الزمن الذي قضته بين جدرانها لكان عمرا،إلى ماتتزين به الحجرة من مباهج المواسم عند حلولها حين تتطلع إليها القلوب الهاشة لأفراح الحياة.

كأن لا حركة كونية كاختلاف الليل والنهار،غير مجد أي اعتراض عليها

الصور تتعمق في أنفسنا باندماجها في مختلف الأماكن التي تمتد إليها تجاربنا

ليلة مريضة تداووا بها بجرعات من الخمر

الإنجليز عدو مخيف وبغيض معا أما أبوه فرجل مخيف ومحبوب

وإذا كانت أمينة تشعر بأنها في أعلى البيت سيدة بالنيابة وممثلة لسلطان لا تملك منه شيئا،فهي في هذا المكان ملكة لا شريك لها في ملكها

فهذه الفرن تموت وتحيا بأمرها.

"هل تشعر بوخز الألم الحاد؟

هذا هو الألم حقا

كيف تنخدع أحيانا فتزعم انك متألم..كلا لم تتألم قبل اليوم..هذا هو الألم حقا"

هذا الإقتباس كان من أكثر الإقتباسات إيلامًا وقوة.

بين القصرين هي بداية ثلاثية موجعة تستحق القراءة والإعجاب.

Facebook Twitter Link .
1 يوافقون
اضف تعليق