وكالة عطية > مراجعات رواية وكالة عطية > مراجعة Nàdjwá

وكالة عطية - خيري شلبي
تحميل الكتاب

وكالة عطية

تأليف (تأليف) 4.2
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
4

وكالة عطية... مرحبا بكم في العالم السفلي لمدينة دمنهور!!!

الآن فقط أدركتُ ما يقصده "أومبرتو إيكو" حين قال(ماذا يعني تخيل قارئ قادر على التغلب على كفارة الصفحات المائة الأولى؟يعني على وجه التحديد أن كتابة مائة صفحة إنما ترمي إلى تشكيل قارئ مناسب لما سيأتي لاحقا بعدها من صفحات)و تعني أيضا يا إيكو المتعة التي يُكافَئ بها القارئ ككفارة للمئة صفحة الأولى من رواية وكالة عطية للكاتب (خيري شلبي ) شيخ الحكائين كما يطيب للبعض تسميته.

و كأني (بخيري شلبي) جالسٌ قبالتنا على تلك المصطبة لا غيرها التي يجلس عليها (الشوادفي)_ مالك وكالة عطية_و هو منهمكٌ في تحضير عدة الشاي و لفِّ سيجارة الحشيش التي سيأخذُ بعد قليل نفَسها رويداً رويداً مع كل حكاية يُطلعْ نفس و تِطلع جنية أو جني بطلٌ لهذه الحكاية ، (الشوادفي) و هو يروي على مسامع البطل (فلان) الذي فضّل (خيري شلبي) أن يترك إسمه هكذا دون تحديد دون تفصيل حتى يقول أننا قد نكون ذاك الشخص يوما ما و أننا لسنا بمعصومين من دوران الزمن كما يقال ، و أن ما حدث ل (فلان) قد يحدث لأكثر شخص حريص فينا على شرفه، هيبته و كرامته ، يقول خيري شلبي ( إن الانسان لا يمكن أن يكون شريفًا داخل محيط من الفساد و الفسق، الشرف لايمكن أن يكون فردياً بأى حال من الأحوال،حتى لو تحلى به الإنسان و اعتنقه، فالشرف كما يبدو لي الآن؛ لا يتحقق بالاختيار فقط ولا بالممارسة فحسب و إلا فأنا شريك بالصمت في هذه الجريمة) ربما تعد هذه الإشكالية من بين أهم القضايا التي طرحها علما الإجتماع و النفس، هل الإنسان إبن بيئته؟ و كيف يأثر و يتأثر بها؟

إذن ما الحدث الذي جعل بطل روايتنا يقع بين فكي(وكالة عطية) ؟؟ و لا يستطيع الخروج منها بعد ذلك !! يقول (فلان)( ما كنت أحسب أن الحال يمكن أن يتحدر بي إلى حد قبول السكنى في وكالة عطية. بل ما كنت أتصور أنني قد صرت صعلوكا حقيقيا، ومن زمرة الصياع القراريين، إلى حد إن أعرف مكانا في مدينة دمنهور اسمه "وكالة عطية"... المفروض أنني طالب بمعهد المعلمين العام، أقصد كنت كذلك لما يزيد على عامين. إلا أنني رزئت بمدرس... لم يعجبه أن أبناء الفلاحين المعدمين، القادمين من القرى والعزب أشبه بالجرابيع الحفاة، يمكن أن يتفوقوا على أبناء المدارس الأصلاء من أبناء الذوات )

وكالة عطية... المسرح المفتوح على الحياة..

يبدع كالعادة الحكاء(خيري شلبي) في وصف تفاصيل التفاصيل في رسم جسد المدينة، تعرجاتها، شوارعها، أزقتها، أناسها، روائحها ووو كله مجسد أمامك من خلال كلمات و حبكة شلبي ، يجعلنا في كثير من الأحيان نشك في وجود تلك المعالم التي يرويها لنا شلبي و نحن فاتحي الفم ، نعم فاتحي الفم ذهولاً لدقة الوصف ثم لأسطرة الأماكن أيضا، هل يمكن أن يصدق شخص قرأ رواية وكالة عطية أن الوكالة لا وجود لها على الواقع ؟ أبدا... أبدا ، لابد و أنها موجودة و أن شلبي رآها رأي العين أو على الأقل سمع عنها من خلال الآثار ، لكن أن تكون محض خيال المؤلف فهو الإبداع بل السحر بعينه... ( الوكالة مكونة من طابقين اثنين رغم علو جدرانها ، حجرات صغيرة متلاصقة متداخلة ؛ كل حجرة يلتصق بها سلم حلزوني من الخارج متآكل الدرج يوصل إلى الحجرة العلوية . أمام كل حجرة مساحة يزيد عرضها على المترين مسقوفة بالخشب الجملون فوق عمدان خشبية تأخذ شكل البواكي . معظم الحجرات مفتوحة في الطابقين ، يطل من بعضها ضوء خافت ، مع أصوات خافتة بلغط كـالعراك ، كالمودة ، كالمزاح ، كالمناهدة ، كالمواقعة الجنسية ، كل ذلك يطـن في الفناء الواسع . روائح تجثم على الأنف دفعة واحدة : عطانة ، عرق ، كحول محترق ، دخان محمص ، سردین ورنجة ، روث ، صنان ، لكن الهـواء من حين لآخر يحمل لفحة عطر عابرة تلطش الأنف بزخم ثقيل كريه) ثم مع تأثيث المكان (الوكالة ) يأتي شلبي لخلق عوالم هذه الوكالة بشخوصها، بلحمهم دمهم، صورهم،قصة حياتهم ،بل حتى مكنوناتهم !!! لا نبالغ إن قلنا أن (وكالة عطية) تنافس ألف ليلة و ليلة و لا نبالغ إن قلنا أن شلبي قعد في مكان شهرزاد و تربع، فلم يثنه حتى صياح ديك الصباح على المضي قدماً في نسج حكاياه و غزل صوف قصصه.

ربما أكثر شخصية _محورية_ في وكالة عطية هي شخصية هذا المارد (الشوادفي) ، هو بالضبط كمن يمسك خيوط اللعبة ، أو كمن يحرك الدمى على المسرح، يعلم بكل شاردة وواردة في الوكالة بيده مفاتيح أسرار الجميع، هم تحت قبضته شاؤوا أم أبوا ، و لرسم شخصية الشوادفي أعطى شلبي له بعدا اسطوريا، و وصفاً خيالياً و مرعبا أيضا( ثمة يد كبيرة بأصابع كالثعابين تمتد لترفع شريط لمبة الفانوس . عمّ الضوء برحاية مدخل البوابة ، فإذا برجل يتمدد على مصطبة مبنية بالأسمنت لصق الحائط ، لا يقل طولها عن ثلاثة أمتار ، يفترش ويتغطى بمجموعة من الأجولة المرقعة ببقايا بطاطين الجيش . شكله يقطع بأن جسده لم يعرف الماء طول حياته وأنها قد لا تصله في طعام أو شراب حتى إن الحشف والقشف جعلاه يبدو كجذع شجرة جزورين جافة أحرقتها شمس لاهبة، أصابع يديه و قدمه طويلة الأظافـر كالمخالب المخيفة ، وجهه مثل قدر فخاري أسود ، بلحية منتصبة الشعر كالأسلاك الشائكة . تطل منه عينان كعيني الجمل العجوز يتطاير منهما الشرر الأحمر ، وفم واسع كفتحة المرحاض خال من الأسنان ، وأنف مثل كوز الذرة المشوى).

ربما حدث الرواية أو حبكتها الأساسية تتمثل في إنحدار البطل (فلان) من عالمه الخاص و بيئته، الطالب الفلاح المنتمي إلى عالم "المتعلمين من ذوي الأصول الريفية" إلى عالم "الصياع و ذوي السوابق ، الحشاشين من ذوي الأصول الريفية أيضا" بعد واقعة أو حادثة طرده من المعهد أي سقوطه من عالمه إلى العالم السفلي في الرواية ،بالإضافة إلى ذلك نجد الزمان و المكان الذي شكل هذا العالم السفلي المتمثل في حكايات شخصيات نزلاء وكالة عطية و يكتشف البطل (فلان) قصصهم تباعا، و يكتشف القارئ معه قصصهم و أخبارهم (شوادفي ـ قطيطة ـ دميانة والقرد ـ الداية والحانوتي ـ زينهم العتريس ـ عفريت أم وداد ـ سندس والهريسة ـ وديدة أنقح من وديدة ـ بديع ـ فكيهة).

قد لا تكون لوكالة عطية وجود حقيقي أو فعلي في الواقع لكن الشيء المؤكد أن حكايا نزلاءها موجودة في بين الأزقة و الحواري المظلمة لكل مدينة مهمشة يعيش أصحابها تحت أنين الظلم و قهر الزمن.

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق