بريد الليل > مراجعات رواية بريد الليل > مراجعة حسين قاطرجي

بريد الليل - هدى بركات
تحميل الكتاب

بريد الليل

تأليف (تأليف) 3.4
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
1

♦️ قراءة في رواية بريد الليل، للروائية هدى بركات، بقلم: حسين قاطرجي

الرواية الحائزة على الجائزة العالمية للرواية العربية ، بوكر ٢٠١٩

🔹️ (نُشرت هذه المراجعة لأول مرة في صفحة "رحلة مع كتاب" في 2019)

رسالةٌ كتبها عاشقٌ لحبيبته، ضمّنها كل ما لم يستطع أن يخبرها به شفاهاً ، ثم ترك الرسالة في جارور غرفة ٍ صغيرة ٍ في فندق شعبي، ورحل..

وقعت الرسالة في يد نزيلة ٍ جديدة، هالها حديث العاشق وأحزانه فكتبت بريدها هي الأخرى، وفي لحظة ضعف ٍ رمتها في سلة مهملاتِ المطار ورحلت..

متسكّعٌ حيرانٌ في صالة المطار لا يألو على شيء، رأى الرسالة في الزبالة ، انتشلها وفضّ ورقها المجعّد؛ فحرّكت كلماتها لواعج صدره المحموم فكتب رسالته وأسراره ثم لسببٍ ما رماها ورحل ...

وصلت رسالته إلى خادمة ٍ ألفت خدمة الناس وتلبية رغباتهم لتوفر حياةً كريمة لابنتها الوحيدة، عندما عادت إلى وطنها فُجعت بأنّ أمها باعت ابنتها لميسور ٍ خليجي لأجل حفنة ٍ من المال ، فكان لها هي الأخرى رسالةٌ حزينةٌ وبريد ...

وهكذا تنتقل رسائل المهاجرين والمنبوذين والمشرّدين بين الأيدي دون توقيعٍ وتاريخ؛ ليقرأها الكثير من الناس إلا من كُتبت له وأرسلت إليه ...

كل المصابين في قلوبهم، وجوعى الحب، والمتعطّشين إلى اللقاء يملكون ما يقولونه، لكن قلةٌ منهم من يملك جرأة البوح، فما كان من الروائية هدى بركات إلا أن أعارتهم قلمها فخرجت إلينا بواحدة من أمتع الحكايات وأكثرها إلهاماً على الإطلاق، ولقد قرأتها في سويعات ٍ من ليل قصير؛ وكتبت حولها ملاحظاتي التالية:

_ هذه الرواية ملهمة بامتياز، رسائل الحيارى والمتردّدين تدفعك لتكتب رسالتكَ أنت أيضاً، فإن فعلت فسيُدهشك كمّ الأسرار التي يخفيها صدرك ، وإن فعلت أيضاً فستحَارُ إلى من تبعث برسالتك ومَن مِن النّاس ذلك الذي يقدر أن يحتوي ماضيك و يتفهّم أفعالك ويبرّرها لك ويتقبّلها منك..

_ رغم خلوّ الرواية من الحبكة إلا أنها شديدة التماسك وتحتوي تقريباً على خمسة خطوط حكائيّة (دراميّة) منفصلة تماماً لا يجمعها إلا بُعد ٍ دراميٍّ واحد وهو الرسالة التي تتقلبّ بين الأيدي، وهذا في عُرف الأدب إنجازٌ بليغ لا يستطيعه إلا الكاتب النحرير .

_ الرواية رغم صعوبتها مكتوبة ٌ بأسلوب ٍ تقليدي يأخذ بيد القارئ من بداية القص حتى نهايته، وهو ما اعتادت عليه الكاتبة في كلّ أعمالها، أو على الأقل ما سبق وقرأته لها..

_ يُلفت النظر ويُحسب لصالح الكاتبة خلوّ الرواية من البطل الأوحد، حتى أن كل شخصياتها بلا أسماء، كما جعلت جلّ الأحداث تدور في الفندق والمطار وهما المكانان الأكثر ازدحاماً بالغرباء؛ أولئك الذين يلتقون لمرةٍ واحدةٍ ويرحلون؛ وهذا ما يزيد الرواية غموضاً وإرباكاً، فأنت لا تتعلق بشخصيات الرواية تعلقك برسائلهم وبوح نفوسهم المكلومة.

_ استخدمت الكاتبة لغة فصحى لينة هيّنة، فلم يكن هدفها من الرواية استعراض قدراتها اللغوية، ولو أرادت لفعلت.

_ أجزم أن أجمل ما في الرواية هو فصلها الأخير (موت البوسطجي) حيث تنتظر مئات الرسائل مصيراً مجهولاً كمصير رسائل الرواية، فهي على الأغلب ستحتضر بشرارة حرب ٍ قد تحرق مركز البريد كله، وتحرق معها سيلاً من هموم القلوب وهمساته المسكوبة على الورق المبلل بالدموع .

_ المتبصّر في أحداث الرواية يجد تفصيلاً جميلاً تكرره كل الشخصيات، وهو الوقوف خلف زجاج النافذة في ليلٍ حالك، والهيام في السواد المُسدل على المُدن، والشرود مع الليل البهيم، كلّ ذلك إشارةٌ لطيفة من الكاتبة أن هؤلاء كتبوا بريدهم في الليل الذي طالما أغرى العشاق بالبوح والكلام، ناسين أن (كلام الليل يمحوه النهار)، وهذا ما حصل فعلاً، فلا البريد وصل لأصحابه، ولا أصوات الحزانى لقيَ آذاناً تصغى..

_ الرواية قصيرة جداً، تقع في ١٢٩ صفحة من القطع المتوسط، وقد صدرت عن دار الآداب العام الماضي، غلاف الرواية رائع ويفيد الغرض والمعنى، وعنوانها معبّر وهو أفضل ما يمكن أن تُسمّى به الرواية.

_ بعيداً عن حالة الإعجاب الأول التي تعتري القارئ عند الفراغ من أي رواية جميلة، أجدها بصدق واحدة من أروع ما قرأت هذا العام، وأعوامٌ أخرى مضت، وتستحق كل الإطراء الذي قيل فيها وأنصح بها كل محبّي الأدب..

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق