لعبة الملاك > مراجعات رواية لعبة الملاك > مراجعة حسين قاطرجي

لعبة الملاك - كارلوس زافون, معاوية عبد المجيد
أبلغوني عند توفره

لعبة الملاك

تأليف (تأليف) (ترجمة) 4.4
أبلغوني عند توفره
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
4

🗝 قراءة في رواية "لعبة الملاك" للروائي الإسباني كارلوس ذافون 🇪🇸 بقلم: حسين قاطرجي

كارلوس ذافون كاتبٌ حاذق، يعرف كيف يقدّم (سلعةً) أدبيةً لاتنتهي صلاحيتها، وأدبٌ هو أهلٌ لكل الأعمار والأزمان، "لعبة الملاك" هي الجزء الثاني من سلسلة "مقبرة الكتب المنسيّة" التي بدأها برواية "ظل الريح" وأتبعها بعملين آخرين هما "سجين السماء" و"متاهة الارواح"، ورغم أن الرباعيّة ترتبط ببعضها عبر الشخصيات والأماكن، إلا أن كل روايةٍ من هذه الروايات مكتفيةٌ بذاتها وتتمتع بوحدةٍ سرديّةٍ مستقلة يمكن قراءتها بمنأى عن أخواتها الثلاث.. وقد قرأتُها مدفوعاً بحماسٍ متّقد هو نتيجة حتمية لبراعة الكاتب في جذب القارئ حتى نهاية الرواية، وإيقاد حماسه لقراءة الرواية التي تليها وهكذا حتى نهاية السلسلة.

شخصياً لا أحبّ الأعمال الأدبية المسلسلة، لأن الذوق السليم عند الكاتب الناجح يدفعه ليقول كلّ ما يريده في كتابٍ واحدٍ دون أن يضطّر قارئه لانتظار الإصدار الجديد لمتابعة الموضوع. سلسلة "مقبرة الكتب المنسية" لا تندرج ضمن هذا الإطار، فالكاتب لايُلزم أحداً بقراءة الرباعية تدرّجاً من إصدارها الأول، لكنّي وبعد قراءة الروايات الأربع أختارُ للقارئ أن يبدأ بلعبة الملاك، ثم ظلّ الريح، ثم سجين السماء، وأخيراً متاهة الأرواح؛ وهذا ترتيبٌ ذوقي خاصٌ بي، ونصيحةٌ أسديها لمن قرّر أن يدخل برشلونة من بوابة "كارلوس ذافون".

💢 في الرواية: "دافيد مارتين" شابٌ صغير هو بطل الرواية، هذا الصغير كان يعيش مع أبيه الذي عاد عليلاً من حرب الفلبّين، زاد في علّته أنّ زوجته هجرته قبل عودته بسنتين. كان هذا الأب الطيّب يعمل حارساً في جريدة "صوت الصناعة" وكان يصطحب ابنه معه إلى عمله. وفي يومٍ كئيبٍ خرج مسلّحون ثلاثة، وبدافعٍ لم يشرحه الكاتب قتلوا الأب بدمٍ بارد وتركوا الصغير "دافيد مارتين" في عتماتٍ ثلاث هي: الليل والخوف والوحدة.

💢 عَلِمَ الدّون "بيدرو فيدال" (احفظوا هذا الإسم جيّداً) وهو أبرز كاتبٍ في الجريدة، بقصة هذا الطفل اليتيم فمنحه فرصة العمل في قسم الخدمات في الجريدة والعيش في غرفة الحراسة. ثمّ رأى منه بشائر الموهبة الأدبية فشجّعه على الكتابة وعيّنه معاوناً له. لاحقاً كتب "مارتين" سلسلةً روائيةً نالت استحسان القرّاء فصار عنده دخلٌ ثابت حسّن به مستواه المعيشي وانتقل إلى نُزُلٍ أقلّ سوءاً من سابقه. وبعد فترةٍ تلقّى عرضاً جديداً من دار نشرٍ شهيرة هو أكثر سخاءً، يقضي بكتابة سلسلةٍ روائية جديدة بعنوان "مدينة الملاعين" فاستبشر بالعرض ووافق فانتعش جيبه وانتقل للعيش في برجٍ مهجورٍ بعد أن أجرى له بعض الإصلاحات، وهناك رَغِدَ بعيشٍ ملكّيٍ من الطراز الرفيع.. لكن ليس طويلاً!

💢 تصل رسالةٌ غامضة إلى "دافيد مارتين" ممهورةٌ بتوقيع "اندرياس كوريلي" يطلب منه زيارته، وخلال اللقاء يعرض "كوريلي" على "مارتين" أن يوقع معه عقداً غريباً لمدة عام، ومضمون هذا العقد هو أن يضع "مارتين" ديناً جديداً يُقنع النّاس للإيمان به والعمل بمناسكه زاهدين بأديانهم التي اعتنقوها سابقاً. ورغم المال المغري الذي عرضه "كوريلي" أمام الكاتب الشاب إلا أنّه رفض الموافقة لإلتزامه بالسلسلة الروائية "مدينة الملاعين" التي وقّع عقدها مع دار النشر العريقة. لكنّ حريقاً مجهول السبب اندلع في مقر دار النشر أتى على أصحابها وموجوداتها؛ وهكذا تملّص الكاتب من عقده معهم وصار متفرّغاً لوضع الدين الجديد..

💢 هذا (الكتاب/الدين) هو محور الرواية برمّتها، وسيتّضح للكاتب الشاب "مارتين" مدى تهوّره الأرعن عند قبوله الطلب، لأنّه ورّط نفسه بسلسلةٍ من المشاكل التي لاتنتهي، وسيكتشف "مارتين" أن "كوريلي" رجلٌ لايرحم، ولايقبل أنصاف الحلول، والماء والدم عنده سواء، كلّه في سبيل ابتكار هذا الدين الجديد، والكاتب المسكين "مارتين" غير قادرٍ على التملّص من العقد أو التخفّي بعيداً عن ملاحقة "كوريلي".

💢 في الرواية أيضاً: يتردد مارتين إلى مكتبة "سيمبيري وأبناؤه" التي يعتبرها ملاذه الوحيد. وهناك يلتقي "بإيزابيلا جيسبرت" التي يشجعه "سيمبيري" أمين المكتبة على توظيفها كمساعدةٍ له تؤرشف أوراقه وتنظّم حياته، فيوافق "مارتين" على مضض، ويصحبها إلى بيته ويرشدها إلى عملها. مع الأيام تستفحل "بإيزابيلا" نيران الشهوة وتعرض نفسها على الكاتب الشاب لكنّه لم يبادلها شيئاً من ذاك الحب، وبقي أمامها كالعجينة الرخوة؛ لا تستحثّه غريزةٌ ولا يراوده غرام الوطء. وهي مع ذلك بقيت وفيةً، مخلصةً له ولعملها المتفاني في بيته.

💢 لكن لاتظنّوا أنّ "مارتين" بليد المشاعر إلى هذا الحدّ، فقلبه مسلوبٌ عند فتاةٍ اسمها "كريستينا" كانت تعمل سكرتيرةً عند الدون "بيدرو فيدال" ملهمه الروحي (والذي طلبتُ منكم آنفاً أن تحفظوا اسمه جيّداً)، وفي أحداث الرواية تُرغم الفتاة على الزواج من مديرها، لكنّها تبقى أسيرة حبّها الأول "لمارتين" وتنشب بين الرجلين بوادر خلافاتٍ تحاول المسكينة أن تنأى بنفسها عنها كي لاتكون بين مطرقة الزوج وسندان الحبيب.

💢 حبكة الرواية محكمة للغاية وفيها أحداثٌ تعزّز التشويق والغموض ويُضيف الكاتب شخصياتٍ عدة محوريةٌ تفيد العمل وتضفي عليه مزيداً من أسباب الإثارة كالمحقق "فيكتور غراندس" ومعاونيه "ماركوس وكاستيلو"، والأب "كولينيه"، والراقصة "ايرينا سابينو" المتهاونة في صون سُمعتها والتي تريد التواصل مع روح أمّها، و"داميان روريس" الذي يتمنى أن يتواصل مع روح ابنه هو الآخر، فيلتقي بالراقصة عند مُحضّر الأرواح اللص المحترف "دييغو مارلاسكا" وعلاقة كل ذلك "بمارتين" وعقد (الكتاب/الدين) الكارثي الذي وقّع على تأليفه.

💢 إنّ الوقت الذي تستغرقه قراءة الرواية وقتٌ غير مهدور، فالمتعة حاضرةٌ في كل فصول الرواية والتي بلغت 25 فصلاً، وتسلسل الأحداث منطقيٌّ رغم ارتكاز الكاتب في غير مرة على (الفلاش باك) والعودة بالزمن إلى الوراء؛ هذه التقنية التي تشتّت القرّاء عادةً عندما لا يُحسنها الروائيّون.. ولكنّ قلم "ذافون" لا يخونه.. وكأنّه وقّع عهداً مع قرّائه بألا يُفقدهم بوصلة الرواية، وأن يبقى واضحاً معهم حتى السطر الأخير؛ وهذا ما يُفسّر انتشار رباعيته بين القرّاء باختلاف بيئاتهم وأعمارهم، وتفاوت خبراتهم في قراءة الأعمال الضخمة كهذه الرواية.

💢 صدرت الترجمة العربية عن منشورات الجمل، وتقع في 680 صفحة من القطع المتوسط، ونقلها إلى العربية المترجم المحترف معاوية عبد المجيد الذي حافظ على بريق النص وأخلص له، ولا أنكر أن أكبر الفضل يعود له في تعريفنا بأدب الكبير الراحل "كارلوس ذافون".

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق