شجرتي شجرة البرتقال الرائعة > مراجعات رواية شجرتي شجرة البرتقال الرائعة > مراجعة أحمد فؤاد

شجرتي شجرة البرتقال الرائعة - خوسيه ماورو دي فاسكونسيلوس
أبلغوني عند توفره
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
4

إن التعاسة شعور مؤلم، لكنها في عيون الأطفال لا حدّ لألمها، لأنها تتمدّد في عقولهم بمقدار مخيلاتهم. إن حلّت التعاسة في قلب طفل، فإنها تنسج خيوطها كأنثى عنكبوت ضخمة تلتهم فيه معاني السعادة التي تحيط بها. يهرب حينها الطفل إلى المكان الوحيد الذي يضمن له ملاذًا آمنًا... الخيال. يهرب إلى عالمه التخيّلي على الرغم من أن البعض قد يتهمه بالجنون. أما إن فقد هذا الخيال فإما أن يرفض الحياة فيصير انطوائيًا أو أن يقدم على الانتحار، أو أن يصير وحشًا مُتنمّرًا لكل من حوله ينتظر نصف فرصة من أجل الانتقام من الكبار.

زيزا... الطفل الشقي البريء المفتقد للحنان، هذه الروح البريئة التي كان كل جريمتها أنها نضجت قبل الأوان! يجد كل من حوله مطحونًا في آلة عملاقة اسمها العمل، مصنع يمتص دماء البسطاء ويسرق أحلامهم الصغيرة مقابل أقل القليل من المال، دفعهم فقرهم إلى الرضوخ لنفعية صاحب العمل المادي الذي لا يهتم بروح الانسان ومسؤولياته الاجتماعية، بل يهتم به في نطاق كونه ترسًا في آلته الضخمة!

يُسقط الجميع آلامهم وعجزهم على زيزا، يحاول الطفل أن يُخفف عنهم، أن يعوضّهم بتلوين صفحة حزنهم بابتسامة مُشرقة. لكن معاناتهم لا تترك لديهم سوى الظن بأن محاولات زيزا ما هي إلا وسيلة للسخرية منهم، لم يدركوا أن زيزا كان مرآتهم التي يرون فيها مدى الكرب الذي وصل حالهم إليه.

يكره زيزا الجميع بحُب! تختلط لديه مفاهيم الحب والكراهية بقدر تغيّر تلك المفاهيم في عقله. يكره بأدواته البسيطة العفوية، يقتل شخصًا بأن يقتله في قلبه كزهرة، وإن رأى أن حكمه كان خاطئًا فيقوم بزراعته مرة أخرى ليُزهر من جديد!

يتحوّل زيزا إلى ملاكًا من فرط امتثاله لأوامر كل من يغدق علىيه الحنان، ويصادق ويهتم بكل من يتفّهمه. أما الآخرون فهو يحاول دائمًأ أن يلفت انتباههم أن يتمرّد على أوامرهم التي لا يفسرونها، وكأنه يُعاقبهم على كل المرات التي ضُرِبَ فيها على أخطاء لم يكلف أحدهم نفسه بأن يشرح له جرمه فيها. لكن رغم ذلك يغدق زيزا الحنان على أخيه لويس بكل رقة وعذوبة، يرق حاله عليه وكأنه يرى نفسه عندما كان صغيرًأ فيه ، ويحاول ألا يمر بنفس مأساته. نرى كيف يفيض زيزا بكل هذا الحب والحنان رغم أنه محروم منها.

أما علاقته مع صديقه فهذه قصة تُفرد لها مساحات عظيمة في وصف جمالها ورِقّتها، بل وأراها هي أجمل ما في القصة، لكنني لن أتحدث عن هذه الجزئية كي لا أرق أحداث الرواية.

لكن المؤلم بالفعل هو أن أحداث الرواية هي قصة حقيقية، فهي سيرة ذاتية لطفولة الكاتب البرتغالي خوسيه ماورو دي فاسكونسيلوس، ووجدتني أُسقط هذه السيرة على كل الأطفال الذين يُعانون في هذه الحياة، أطفال المُخيّمات، الأطفال اللاجئين، أطفال الشوارع، أطفال الأُسر المجبرة على مواجهة قسوة الحياة، الأطفال الذين يعملون بمشقة في أعمار من المفترض أن تكون أعمارًا خاصة بالبراءة!

باختصار وجدتني أُفكّر في كل طفل نضج قبل الأوان. لكن هذه هي الحياة التي قد لا نستطيع أن نُغيّرها، لكننا على الأقل نستطيع أن نمنح هؤلاء الأطفال بعض الحنان، أن نعاملهم برقة، أن نمنحهم عندما نُلاقيهم بابتسامة. مُجرد ابتسامة.

اقتباس

"الآن عرفتُ فعلًا ما الذي يعنيه الألم. الألم، ليس في تلقي الضربات حتى الإغماء. وليس في انغراز قطعة من الزجاج في إحدى قدميك تستوجب نقلك إلى الصيدلية لرتق جرحك. الألم، هو هذا الشيء الذي يحطم قلبك، الألم هو الموت من دون القدرة على البوح بسرنا لأي كان. إنه ألم يشل ذراعيك، وفكرك، ويجعلك غير قادر على إدارة رأسك على المخدة

رواية رائعة موجعة لكنها بريئة خفيفة."

هناك نقطة سلبية وحيدة، هناك خلل ما في السرد لا أعرف إن كان بسبب الترجمة ( وهي جميلة بالمناسبة) أو بسبب السرد ذاته لكاتبها الأصلي. قد يعود ذلك لرغبة الكاتب في تصوير اندماج الأحداث خيالية مع الحقيقية في ذهن الطفل.

تقييمي 4 من 5

أحمد فؤاد

5 آذار مارس 2020

Facebook Twitter Link .
5 يوافقون
اضف تعليق