أشياء تتداعى > مراجعات رواية أشياء تتداعى > مراجعة أحمد فؤاد

أشياء تتداعى - تشنوا أتشيبي, عبد السلام إبراهيم
تحميل الكتاب

أشياء تتداعى

تأليف (تأليف) (ترجمة) 3.8
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
4

هل يحق لنا الحكم على الآخرين بالفناء لمجرد الاختلاف عنّا؟

يقول ماريو فارغاس يوسا الكاتب البيروفي الحائز على نوبل للآداب عام 2010

"لاشيء يحمي الإنسان من غباء الكبرياء والتعصب والفصل الديني والسياسي والقومي أفضل من تلك الحقيقة التي تظهر دائمًا في الأدب العظيم: أن الرجال والنساء من كل الأمم متساوون بشكل أساسي، وأن الظلم بينهم هو ما يزرع التفرقة والخوف والاستغلال."

لكن كيف يمكن أن ندرك مدى الظلم الواقع على مجموعة من البشر دون أن نرى أثره على نفوسهم؟ كيف نستطيع فهم قدر المعاناة التي يمرون بها دون أن نسمع منهم حكاياتهم؟

قد تكون هناك مآسي كثيرة في التاريخ؛ لكن أقسى وأعظم أمثلة التعصّب العرقي والعنصرية البغيضة، تأتي صارخة من أفريقيا؛ خاصة وسط وجنوب القارة. خليط عجيب من الدونية الإنسانية تتجلّى في جرائم ارتُكِبَت في حق شعب هذه القارة. استعباد وسخرة وتهجير وسلب حقوق و نهب أرض. صحب ذلك انتشارًا واسعًا لخطاب كراهية ضد الرجل ذو البشرة السوداء.

استخدم الرجل الأبيض كل أدواته القمعية وحتى الناعمة من أجل تبرير عنصريته البغيضة. لم يعد الأفريقي في نظر الرجل الأبيض انسانًأ، لهذا فقد بلغت به البشاعة أن يُقدم ولأول مرة في التاريخ الإنساني على إنشاء حدائق حيوان بشرية ببروكسل البلجيكية، ونرى في إحدى الصور الشهيرة التي ونُشرت عام 1958؛ طفلة ذات ثمان سنوات ببشرة سوداء تقف في وسط قفص مفتوح، يشاهدها حشدًا من الزائرين يتزاحمون من أجل التسلية بإطعامها.

أرجع الكثيرون سبب هذه المشاعر المُتبلّدة تجاه الانسان الأسود إلى استخدام الأدب الغربي كوسيلة لزرع فكرة لا انسانية الانسان ذو البشرة السوداء داخل عقول مواطني العالم الغربي، والذي أمعن خلال عقد من الزمن في شيطنة وتصوير الأفريقي كمتوحش كسول بغيض يموت كالذباب. يتجلّى هذا التصوّر في العديد من الأعمال الأدبية، اقتبس اقتباسًا أراه كافيًا وهو من رواية "قلب الظلام" لجوزيف كونراد

"مجرد التفكير في إنسانيتهم... كإنسانيتك... شيء بشع".

في عام 1958 وبعد مرور مائة عام على وصول أول الحملات الإنجيلية إلى نيجيريا، قرر الكاتب النيجيري تشينوا آتشيبي أن يدافع عن قومه وحقهم كبشر في الحياة بشكل انساني. استخدم الأدب ليس كأداة للإساءة إلى الغربيين، وإنما كوسيلة للتنوير وإيضاح الحقائق المضللة التي زرعها الرجل الأبيض خلال السنوات الطويلة الفائتة في عقول الأوروبيين.

رواية الأشياء تتداعى لا تملك حبكة مميزة، هي بالأساس لا تحتاج إلى حبكة، فالغرض الحقيقي من الرواية هي استضافتك كشاهد عيان. يقبلك تشينو آتشيبي -بكل ترحيب- ضيفًا عزيزًا في حكايته، لتشارك أكونكو -بطل الرواية- نشأته، من أجل أن ترى بعينيك الوقائع اليومية في حياته. تشاهد احتفالات فلكلورية غنيّة عجيبة. تعرف تقاليد القبيلة ومدى احترام الجميع لها. تختلط بهم جيدًا دون أن تفهم أن ضيافتك لم تكن إلا محاولة لتوريطك في الإجابة عن أسئلة لم تُطرح في الرواية بشكل جليّ. لكنك تراها مختبئة وراء تتابع التعقيدات والتناقضات التي بدأت مع وصول البعثات التبشيرية إلى قرية أموفويا، ومه بداية النهاية لتقاليد قبائل الأغبو في صراع ثقافي غير متكافئ مع الغرب.

اشتهرت الرواية كونها أول رواية مكتوبة باللغة الإنجليزية تتحدث عن أعماق الشخصية الأفريقية الحقيقية، مخالفة للصورة النمطية المقيتة للرجل الأفريقي والتي رسخت لسنوات طويلة في مُخيّلة الرجل الأبيض. اعتبرت الرواية من أهم كتب الأدب الأفريقي، وقد تم بيع أكثر من ثمانين مليون نسخة حول العالم، كما تُرجِمَت إلى أكثر من خمسين لغة.

لهذا فلا عجب أن يعتبر الكثيرون الكاتب النيجيري تشينوا آتشيبي الأب الشرعي للرواية الأفريقية، وصوت الأفارقة الذي يصدح عاليُا مُدافعًا عن حقوقهم المسلوبة، ومن أجل أن يكشف للعالم ملامح حضارات تم وأدها بعيدًا عن العيون

جعلتني الرواية أتذكّر مقالًا قرأته منذ فترة لفارغاس يوسا بعنوان " لماذا نقرأ الأدب؟"، فعدت لقراءته مرة أخرى لأقتبس لكم التالي:

"لا يوجد من يعلمنا أفضل من الأدب؛ أننا نرى برغم فروقنا العرقية والاجتماعية ثراء الجنس البشري، ولا يوجد ما هو مثل الأدب لكي يجعلنا نكافئ ونمجد فروقنا بوصفها مظهرًا من مظاهر الإبداع الإنساني متعدد الأوجه. قراءة الأدب الجيد هو مصدر للمتعة بطبيعة الحال، ولكنه أيضًا تجربة لنعرف من نحن وكيف نكون."

"هذا الرابط الأخوي، الذي ينشأ بين البشر بسبب الأدب، يجبرهم على التحاور ويوعيهم بالأصل المشترك وبهدفهم المشترك، وبالتالي فهو يمحي جميع الحواجز التاريخية. الأدب ينقلنا إلى الماضي، إلى من كان في العصور الماضية قد خطط، استمتع، وحلم بتلك النصوص التي وصلت لنا، تلك النصوص التي تجعلنا أيضًا نستمتع ونحلم. الشعور بالانتماء لهذه التجربة البشرية التراكمية عبر الزمان والمكان هو أعظم إنجاز للثقافة، ولاشيء يساهم في تجددها كل جيل إلا الأدب."

تناغم ذلك مع ما كتبه سمير عزت نصّار مترجم رواية "الأشياء تتداعى":

" في كتب التاريخ يقتصر المؤرخ أو الدارس الإجتماعي على فصل أو فقرة معقولة في تصوير حدث ما. فهل يكفي هذا ليعطينا الصورة الكاملة عن حقبة تاريخية أو شريحة اجتماعية؟

هذه الرواية قدّمت لنا عالمًا يعج بالأساطير والحكايات الشعبية والوقائع اليومية والشخصيات المفعمة بالحياة؛ ومن هذا كله كُتِبَت رواية جيّدة، فالتاريخ والدراسات التاريخية والاجتماعية.. إلخ، لا تستطيع أن تدخلنا في عالم حياة أخرى (جماعية أو فردية) على عكس الرواية الزاخرة بالحياة."

إن هذه الرواية ليست مؤلمة إلى حد الوجع، وليست مذهلة إلى حد الإبهار. لكنها ساحرة جذّابة إن قَبِلت فقط أن تكون فردًا فيها كي تعيش أحداثها بروحك.

لا إثارة هنا أو حبكات بوليسية أو قصصًا عن الحب.

فهذه الرواية تحكي فقط قصصًا عن الانسان.

تقييمي 4 من 5

أحمد فؤاد

11 تشرين الثاني نوفمبر 2019

Facebook Twitter Link .
1 يوافقون
2 تعليقات