كل تقرير عن كتاب، لم يترك أثراً في نفس قارئه، لا يُعَوَّل عليه.

أحمد بن فؤاد

عندما شرعت بقراءة رواية موت صغير، كان اليقين يملأني بأنني سأقرأ كتاباً رائعاً ،يزيدني علماً لغوياً ومتعة روائية، فيسعد العقل وتنتشي الروح من حلاوتها، لكنني وصلت إلى ربعها الأول وأنا أكاد لا أرى فيها جمالاً سوى لغتها الرائعة. عزوت ذلك لجهلي وفساد ذائقتي التي قد تكون قد ألفت روايات سريعة الوتيرة، فأبحرت بقراءتي أكثر إلى أن وصلت لمنتصف الرواية. ملأ الضيق صدري ولم تعد لي رغبة في إكمالها؛ بعد أن شعرت بالملل الشديد في قراءتي، فعزمت أن أتوقف عن قراءتها كي لا أُضيّع وقتي مع كتاب لم تستطع روحي أن تفك طلاسمه.

لا أدري كيف برق في عقلي، فاسترشدت في ضوئه بأن أمنح نفسي فرصة ثانية للكتاب، وعندما نويت استكمال القراءة ، رأيت أن أتجرد من كل الأفكار السلبية التي ملأتني في منتصف رحلتي، فأمعنت التأمل ورحت أبحث عن سبيل يجعل من السفر في فيافي الرواية سفراً سلساً. هداني الله إلى ما قد غاب عني، وما أن عرفته حتى هدأ غضبي من الرواية وانقشعت سحابة الملل من سماء ذائقتي لأجد في النص حلاوة تسكر الروح قبل العقل.

هذه الرواية تعود بالزمن إلى عصر الأندلس المسلمة وعصر الأيوبيين، وهي عصور قديمة استخدم فيها الكاتب نفس أسلوب كتابة كتبها في تلك الفترة، وهي فترة تعج بالإسهاب و الإطناب، وهي سمة من سمات هذا العصر، وكان الناس شعورهم بالزمن بطيء بالنسبة لنا، لهذا فلا يصح أن نقرأ مثل هذه الرواية بقوانيننا، إنما يصيبنا الصجر والانزعاج عندما ننظر إلى الرواية كأرنب يشاهد سلحفاة.

لهذا أنصح من أراد الاستمتاع بهذا النص، أن يقبل بهذا الشرط، و يخلع عباءة الحاضر، ويخضع لعالم الماضي، عندها فقط ينكشف السر ويسيح داخل النص فلا يكاد يشعر بوجوده في عالمنا، وكأنه ارتدى نظارة من نظارات الأبعاد الثلاثية كلما وجه ناظريه يميناً أو يساراً وجد وصف الكاتب لكل مكان، يرى الحجيج في مكة وحمامات دمشق، ومكتبات بغداد، وأسوار الأندلس، وحدائق ملطية، ومساجد الأناضول.

رواية جميلة اللغة، رائعة الوصف ،ترى أحوال مصر والشام ومكة و الأندلس وتركيا، سواء أحوالهم السياسية أو أحاول معيشتهم و دراستهم. تعرف فيها عن مسالك السفر بين البلاد و صعوبة السفر.

لن أذكر عن تفاصيل الرواية شيئاً ولا عن محي الدين بن عربي، كي لا أحرق أحداث الرواية.

رواية تقف على حدود المتعة والملل ولا يفصلهما سوى اختيارك، لهذا يجب أن تتمعن في الجملة التي افتتح بها الكاتب صدر الكتاب؛ كدليل لك للدخول إلى عالم تلك الرواية. "طهّر قلبك ثم اتبعه."

أحمد فؤاد