الحالة الحرجة للمدعو "ك." > مراجعات رواية الحالة الحرجة للمدعو "ك." > مراجعة A-Ile Self-hallucination

الحالة الحرجة للمدعو "ك." - عزيز محمد
تحميل الكتاب

الحالة الحرجة للمدعو "ك."

تأليف (تأليف) 4.1
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
1

الحالة الحرجة للمدعو ك

لست من الأشخاص الذي يرغب بالقراءة تحت تأثير الضجة، لكن هذا العمل دفعني لإسقاط القاعدة بعد الكم المخيف من القرّاء والأصدقاء والإعلام، الذي صوّر العمل على أنه إحدى التحف الخالدة في التاريخ الأدبي .. وتمت قراءة العمل بصعوبة بالغة.

العمل فاشل بالنسبة لي بنسقين، الأول هو ليس من النوع المفضل من الأعمال التي يمكن لي أن أشعر بالانبهار من خلالها، وربما مردّ ذلك لأني لا أحبذ كثيراً منطق التسوّل الأدبي الذي يقوم على استجرار العواطف نحو الجزء الضعيف من الإنسان، لأنّ هذا المنطق يقوم على أحد شكلين، إما أن الكاتب ضعيف في صناعة عوالم تخيلية فيستعيض عنها بعالم واقعي سردي، بنائه تراجيدي كي يخفي ضعف الخيال الأدبي بتطور الشخوص والأحداث المُربكة والمفاجآت، وإما لأنه يُريد نسبة تعاطف أكبر مع حالة ليست فريدة من نوعها، لكنها تقوم على مسألة إشكالية تاريخياً وهي انتظار الموت .. لكن ما هو الجديد في رواية عزيز بمعالجة فكرة الموت !!!

عزيز لم يعالج فلسفية الموت بقدر ما طرح عُصاب مجتمعه حول الموت ورغبته بخلق صدام مُهذّب لم يجرؤ أن يكون صداماً ثقافياً بقدر ما هو صدام يختفي وراء فكرة التعاطف مع إنسان سيقضي نحبه. وهذه الصدامية المتوارية نشاهدها تماماً عندما يُعلن رسمياً لإصابة الشخصية بالسرطان. تبدأ الشخصية بممارسة الانتقام من المجتمع الذي قمع البطل خلال حياته، فأتى السرطان كصورة دفاعية وانتقامية من المجتمع، دون أن يجرؤ أحد على إذلاله أو صدامه .. لأن (لا شماتة في الموت) هذه البديهية المجتمعية الدينية التي عرفها بطل الرواية كانت الشكل الذي اختفى ورائه ليحقق انتصاراته العصابية على ذلك المجتمع.

هذا الشكل الذي بُنيت عليه فكرة الرواية بالنسبة لي هو منطق فاشل بجدارة لأنه لا يُقدّم تطور للشخصية ولا للأحداث التي يمكن أن تفاجئ قارئ. منذ البداية توضحت الصورة التي ستسير عليها الرواية، سرد ممل للتفاصيل حول كيف يرى المُصاب بالسرطان الحياة وكيف يمكن أن ينتقم من المُدعين .. وهذه النقطة الوحيدة الجيدة في العمل يمكن الاستفادة منها، وهي أن أي قارئ يمكن أن يُصاب بالسرطان مستقبلاً فلديه فكرة كافية عن مشاعره وآليات العلاج ونظرة الناس له، باعتبارنا كلنا نعيش ذات المنطق الشرقي العاطفي والإنساني مع فكرة الشخصية الضحية وهي تنتظر موتها.

أما النسق الثاني لفشل العمل فهو الحالة الأدبية.

قدّم الإعلام والقرّاء العمل بهالة كافكاوية مطلقة، وكأنّ الرواية هي إعادة إحياء لجنس أدبي تلاشى من التاريخ.

منذ البداية يحاول عزيز فرض إيقاع خاص حول ما يجب أن تكون عليه الرواية وليس لأنّ الحدث والشخوص (بافتراض أن الرواية تحمل شخوصاً تتصاعد بمستوياتها النفسية بعيداً عن الشخصية الرئيسية) هو ما يقود الرواية، أراد منذ البداية أن يقنع القارئ بأنه أمام الهالة الكافكاوية، وهذا ما نقرأه في الصفحات الأولى عندما يتم ذكر كافكا وشخصياته لأكثر من مرة، وكأنه يريد أن يُطبّق مقولة، تكرار الكذبة يؤدي لتجذرها، وفعلاً نجح في إيهام القارئ بهذه اللعبة.

لكن أين تتجسد الكافكاوية التي نشرها الإعلام ؟! إن الفرق بين استحضار الكافكاوية كشكل وبين الجوهر ليس واضحاً جداً، عندما نتحدث عن عمل كافكاوي، فنحن نتحدث عن وعي شخصي عُصابي ناتج من الذات للعالم مما يؤدي لإنشاء صورة غرائبية عن العالم الخارجي من منظور الذات، وهذا ما نقرأه تماماً في شخصية سامسا وشخصية ك في المحاكمة وحتى في رواية القلعة .. لكن شخصية رواية عزيز تناولت الشكل الخارجي للمعنى الكافكاوي دون التجرؤ للدخول إلى عمقه، من خلال وضوح صورة بطل عزيز الذي أُصيب بالسرطان كما أُصيب كافكا بالسل، وشخصية الأخت الشبيهة بشخصية أخت سامسا عازفة الكمان (وحتى جملتها بأنها تتمنى له الموت القريب)، دون أن يخلق العنصر الأساسي للفن الكافكاوي وهي الرؤية الذاتية للعالم، بل ما فعله عزيز هو العكس تماماً، فقبل إصابة الشخصية بالسرطان كانت متفردة بسأمها نتيجة تأثير عقلية المجتمع عليه، وبعد إصابته بالسرطان تحوّل إلى منطق الصدام مع المجتمع وراء قناع الموت (حتى الصِدام ليس شجاعاً) وأصبحت الشخصية تفهم تراتبية المجتمع وتسعى لضرورة نقده والانتقام منه لأنها سبب عُصابيته وليس لأنّ الشخصية هي متفردة بعالمها الذهني الفلسفي. ما شاهدته شخصية عزيز وما عاشته لا يعدو عن كونه نقد اجتماعي لأعراف يومية يعيشها كل البشر في مجتمعات متخلفة، لكن الهالة المترتبة على سياقات الموت وانتظاره أخفت هذا الجانب النقدي وخدعت القارئ فعلياً.

إن شخصية بطل عزيز هي سطحية بكل معنى الكلمة (لا تطور فكري إلا ما نذر من خيالات تنبع من فكرة أنه يموت تدريجياً، ولا تصاعد نفسي مضطرب لأحد أشد الأنواع الوجودية شراسة وهو الموت، فمن يدرك موته على الأقل يخضع لنوع من اضطرابات تتأرجح بين محاولة المقاومة والاستسلام، وهذا نجده في كل شخوص كافكا، لكن بطل عزيز لا مشكلة لديه وكأنه ينتظر وجبة طعام .. هذا الانطباع الشخصي بالاستسلام يجب أن يكون له مبررات قوية لم توجد في رواية عزيز) شخصية لا تمتلك أي نوع تصاعدي، عبارة عن سرد بطيء وروتيني وممل.

من قرأ كافكا سيدرك أن شخوصه تغوص إلى القاع رغم محاولتها المقاومة والاستسلام، دون الحاجة للنقد أو الإثبات لأهمية الذات أو الانتصار الانتقامي، ومن هنا فعلياً يأتي التفرّد الكافكاوي.

وبعيداً عن مسألة التشبيه بكافكا .. ما الذي قدمته الرواية أو عالجته على مستواها الفكري ؟؟ أيستطيع أحد من كل الذين أثاروا حولها المديح أن يُقدّم إجابة واضحة ؟؟؟ بعيداً عن مسألة أنها رواية تحكي قصة إنسانية والتي شخصياً لم أتعاطف معها كمريض سرطان. أيمكن لأحد أن يشرح فعلياً ما هي تطورات الشخوص الدرامية المرافقة لبطل العمل .. ذهنياتها، رؤاها، أفكارها ؟؟

بعيداً عن كل ذلك ، ما هو التراجيدي الممتع في هذا النص .. إذا اعتمدنا المنطق الطبيعي للأدب أنه حتى في أعتى النصوص المأساوية يوجد العنصر الذي يجعل القارئ يتأمل مطولاً في معنى الحالة المعروضة ضمن النص ويستمتع بها رغم ألمها .. بطل عزيز لم يعاني بالمعنى الحقيقي للمعاناة كما عانى مثلا هامسون في الجوع ليجعلني أشعر بالتعاطف مع الشخصية .. وحول مثال هامسون، من قرأ العمل سيفهم تماماً المقصود بالتراجيدي الممتع .. رواية تقوم على معاناة الإحساس بالجوع دون أن يأخذ النص إلى مساراته المتطرفة بقضايا الوجود الكبرى كما فعل عزيز نحو الموت، لكن من قرأ الجوع سيشعر بمقدار الألم الممتع في مسألة طبيعية وغريزية، لكن عزيز رغم تنويعه على المنحى الأكثر راديكالية في العقل البشري وهو الموت، لم يُقدّم ذلك النوع التراجيدي (باعتبار الرواية هي تقوم على هذا النمط المأساوي والسوداوي) بشكل مؤثر ... بُنيت الرواية على العاطفة (وعاطفة هشّة) لتخفي الضعف الفكري للكاتب

ببساطة الرواية عبارة عن موت مدلل باسوأ صورة

هناك روايات تأخذ هذا الجانب السردي الممل كرواية الهدنة لبينديتي، لكن تطور الشخصية يُضفي طابعاً فكرياً ومتسائلاً عن معاني الإنسان اتجاه كثير من المشاكل الوجودية والفكرية .. لكن هذا العمل لم يُقدّم لي أي شيء سوى القراءة بصعوبة، والشعور بالراحة عند انتهائها.

هذا العمل له جانب إيجابي واحد، أنه استطاع أن يُشرّح آلية القارئ العربي الذي يسير بمنطق التأثير الإعلامي فقط.

Facebook Twitter Link .
1 يوافقون
اضف تعليق