تلك العتمة الباهرة > مراجعات رواية تلك العتمة الباهرة > مراجعة Shahed

تلك العتمة الباهرة - الطاهر بن جلون
أبلغوني عند توفره

تلك العتمة الباهرة

تأليف (تأليف) 4.2
أبلغوني عند توفره
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
4

هل يمكن أن يكون هنالك "بشر" بهذه القساوة؟.. نعم يوجد، يوجد من هم بهذه القساوة، يوجد من هم أقسى من ذلك، السجون والمعتقلات جميعها متشابهة في قساوتها، ومن يستمع لما يُروى له لا يضاهي أبداً من يعيش في معتقلات كمعتقلاتنا العربية، -لا اعتقد أن كلمة يعيش في مكانها المناسب-..

ولكن، "ما جدوى العقل، هنا حيث دفنا، أقصد حين ورينا تحت الأرض"..

بهذه الافتتاحية يخبرنا طاهر على لسان أحد السجناء بشيء جوهري للنجاة بأعجوبة: أن تتخلى عن عقلك، عن مشاعركَ.. حقدكَ.. حبكَ.. ذكرياتكَ.. أملكَ.. أن تتخلى عن أبسط شيء يدركه عقلك، عن النور، عن السماء... عليك أن تكون حراً في كونك مجرداً من كل شيء..

ثم عليك أن تنسلخ من جسمك، لأنه مهما يكن، سيظل جسدُك يتألم.. لا سبيل للخلاص إلا بالتحرر منه.. استغنِ عن جسدك لكن لا تَمُتْ..

السرد مذهل.. لسنا أمام رواية لأدبِ سجونٍ تصف أساليبَ تعذيبٍ أو ما شابه، لا، لقد سرد طاهر باللامرئي.. غير الملموس.. لقد تكلّمَ عن الزمن، الزمن الذي كان جوهر عقوبتهم، فخلال ١٨ سنة لم يحدث أي تغيير في يومياتهم، كان الروتين قد استشرى المعتقل، واستشرى معه تساقط المعتقلين واحداً تلو الآخر..

لم يكتفِ بعامل الزمن، وصف العتمة الحالكة...وصف الصمت، استطاع أن يقسِّم الصمت لعدة أنماط، لكل نمط سحره الخاص الذي يميزه عن غيره:

" صمت الليل، وكان ضروريا لنا.

صمت الرفيق الذي يغادرنا ببطء.

الصمت الذي نلزمه شارة حداد.

صمت الدم الذي يجري متباطئا.

الصمت الذي ينبهنا بوجهة سير العقارب.

صمت الصور التي تلح وتلح على اذهاننا.

صمت الحراس الذي يعني الكلل والروتين.

صمت ظل الذكريات المحترقة.

صمت السماء الداكنة التي تكاد لا تهدينا ولو علامة واحدة.

صمت الغياب، غياب الحياة الباهر."

كان يصف باختصارٍ الصراعَ من أجل الحياة داخل القبر، وكان ذلك بأن يأخذنا لخيالات السجناء ويغرقنا داخلهم..ومن حين لآخر يوقظنا من خيالاتهم بآلامهم الجسدية المبرحة..

الرواية أعمق بكثير من أن توصف بكلمات.. أنها ليست مجرد وصف.. أنها عالم بحد ذاته.. لا يمكن تجاهله.. الناس تمضي قدماً في حين أن هنالك سجناء يقبعون تحت التراب وهم أحياء..إن مجرد التفكير بهذه الفكرة تسبب الهذيان.

Facebook Twitter Link .
1 يوافقون
اضف تعليق