العمى > مراجعات رواية العمى > مراجعة A-Ile Self-hallucination

العمى - جوزيه ساراماجو, علي عبد الأمير صالح
أبلغوني عند توفره

العمى

تأليف (تأليف) (ترجمة) 4.2
أبلغوني عند توفره
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
4

بمهارة فائقة يخلق سارماغو في قارئه عالماً من التشويش والاضطراب كما روايته. إنه يحاول أن يجعل عملية القراءة أكثر صعوبة، تداخل بين السرد والحوار بطريقة صعبة، ليجعل القارئ يعيش نفس تجربة شخصياته المصابة بالعمى.

منذ البداية يضع سارماغو قارئه في قلب الحدث دون تمهيد. تتوقف سيارة أمام شارة مرور حمراء، لكن سائقها يبدأ ليرى العالم أبيض تماماً، وعندما تفتح شارة المرور، لا يستطيع الرجل التحرك، لأنه لا يرى شيئاً أمامه، ويدخل الشارع بحلقة من التساؤل وردود أفعال متباينة، لقد أصبح أعمى فجأةً. يتبرع أحد الأشخاص بإيصال الرجل إلى المنزل، فيقود السيارة، وعندما يوصله إلى المنزل، ونتيجة اضطراب الرجل الأعمى، ينسى مفاتيح سيارته مع الرجل الذي أوصله، فيسرق الأخير السيارة وينطلق. تتوالى الأحداث ضمن هذه الصورة، انتقال حالة من العمى الحليبي المباشر كفيروس بين الأشخاص .. اللص، العاهرة، الطفل، طبيب العيون. ونتيجة اتساع وسرعة هائلة لعدوى العمى، يبدأ الحجر على المصابين بمشفى مجانين فارغ لحماية ما تبقى، إنه قرار سيادي لنظام دولة.

الشخص الوحيد الذي لا يُصاب بهذا المرض السريع، هي زوجة الطبيب التي تمثل دور العمياء للبقاء مع زوجها، وفي ذلك المكان المنعزل، فإنها الوحيدة التي تبقى مبصرة.

تتحول تدريجياً البلاد إلى حالة من العمى الكلي والفوضى العميقة. عميان ينتفضون ليتحرروا من لعنة القمع على مستواهم البشري المفرط بإنسانيته. وفي النهاية يستعيد الجميع أبصارهم تدريجياً، لينهي سارماغو روايته بجملته : (لا أعتقد أننا عمينا، بل أعتقد أننا عميان، عميان يرون، بشرٌ عميان يستطيعون أن يروا، لكنهم لا يرون).

بإيجاز يمكن تلخيص العمل العبقري على هذا النحو، وبرغم الرمزية العالية التي استخدمها سارماغو، وما تحتويه من جانب بشري ونفسي، فإني سأحاول نقاش مسألة لم يتطرق لها سارماغو بشكل مباشر في روايته، وهي كيف يتحول الإنسان إلى حشرة بنظر القانون لمجرد تحول طبيعته من حالة إلى حالة.

السؤال المخفي الذي أرتاد كل سطر بالرواية من خلال الأحداث، وهو ما يضرب رأس القارئ، بعيداً عن إنسانية الشخصيات ورغبتهم بإيجاد طريقة تأقلمية مع حالاتهم الجديدة، هو كيف تعامل القانون الاجتماعي والسياسي مع حالة العمى من منظور حماية النظام لنفسه ضد الاجتياح المفيرس ؟.

العزل، هو جوهر الرواية الذي يُجابه بتغير بنية ما داخل مجتمع، إنه إقصاء من نوع مخيف تحت بند تشريحي للحفاظ على الأمن ضد الفوضى التي يمكن أن تجتاح الجميع. إدخالهم في بنية مكانية وتركهم لمصيرهم القائم على معرفة مكان دون ان يبصروه. يُصوّر سارماغو من خلال سلوك الشخوص العميان مع زوجة الطبيب المبصرة، كيف يتعاملون مع بعضهم، وتحويل المجتمع الصغير إلى نوع من التوحّش للسيطرة على إمكانية الحياة المتقوقع في عميه.

في أحد المشاهد الاكثر إيلاماً، يركز سارماغو على تصور السعي للمعلبات والطعام بين بعضهم، وكيف يتحول فئة من العميان عن طريق السلاح إلى مسيطرين ومستغلين للجنس مع النساء وتقديم الطعام مقابل أشياء يمكن أن تباع. في ذلك المشهد، وفي الجانب الخفي من القانون، هناك قانون اجتماعي أصغر داخل المشفى، مقابل قانون أكبر يتوجب فيه حماية الإنسان، لكنه يقف متفرجاً، لحماية نفسه من انتشار العدوى.

فهل يمكن وصف ذلك النظام بالعادل حقاً ؟.

إن النظام بقانونه الأساسي أباح عزل الإنسان بطريقة مؤلمة وقمعيّة. فليس المهم ما يمكن تداركه، أو إيجاد حلول بقدر ما هو تقزيم الفرد بانتقاله إلى حالة غير طبيعية.

القانون يحمي الإنسان في الحالة الصحيّة، لكنه سيتحول إلى وحش يبتلع الجميع في الحالة غير السوية. تلك عبارة سارماغو ببعدها السياسي المخفي.

بعد انتشار الفوضى وفراغ المدينة، يهرب مجموعة من العميان بقيادة الزوجة المبصرة، وتبدأ عملية استعادة البصر تدريجياً. لكن أين اختفى النظام والقانون مرة جديدة. لا يأتي سارماغو على أي ذكر لهم، لكن تجربة العمى وبعد ذلك الفوضى، هي السؤال العميق الذي أشاد به الكاتب. لقد سقط النظام والقانون الذي حوّل الإنسان إلى حشرة لا قيمة لها، وهو السبب في استعادة البصر.

إن رواية سارماغو بكل أبعادها الرمزية هي باب مختلف لإعادة النظر في فهم القانون الذي يحكم الناس، القانون الذي لن تُعرف حقيقته إلا في حالة الشدِّة. لا وجود لنظام أو قانون يمكن أن يعامل الإنسان إلا كحشرة مقيتة عندما يشعر بتهديد نفسه، أداة قمع متمرسة ومفترسة، تُسقط أي بند إنساني في سبيل بقاءها.

يمكن القول أن تلك التجربة الروائية قدّمت منظوراً جديداً في فهم العالم ليس لفن الرواية فحسب، بل لفهم العالم الذي نعيش به، إن كان بأسلوب سارماغو المباشر بمنحاه الإنساني كشخوص أو الأسئلة المخفية حول القانون والنظام الذي يحكم الناس.

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق