يقول فلاديمير نابوكوف: لم يوجد الأدب حين كان يصرخ الطفل باكيًا "ذئب، ذئب!"، وكان الذئب خارجًا من الوادي على إثره، إنما وُجد الأدب حينما كان يصرخ الولد "ذئب، ذئب!" ولم يكن هناك ذئب خلفه أصلًا، أن يأكل الذئب صاحبنا المسكين بسبب كذبه المتوالي هو أمرٌ عرضي تمامًا، لكن هناك ما هو أهم، ما بين الذئب الذي يجري في الأحراش، وذلك الذئب في تلك القصة الطويلة، هناك وميض ما يومض بينهما، ذلك المنشور الذي يعكس الضياء، هو فن الأدب.
هذا ما فعله "ماركيز" عبر رواية تمتد بك إلى أجيال كثيرة، يؤكد بها حكته التي رأيتها من وراء الكلمات، هو أن كل شيء يبدأ لينتهي، ربما تتأخر النهاية لكنها حتمًا ستأتي، لتكنس معها تفاصيل حياتك، التي عشت لسنوات طويلة تلملمها من بقايا حكايات الآخرين، هذا بالضبط ما حدث مع "خوسيه أوركاديو" ورزوجته "أورسولا" اللذين كوّنا عائلة ضخمة، استطاعوا مع بعض النازحين أن يقيموا قرية "ماكوندو" الصغيرة من العدم، على مقربة من الفناء، الذي كان يترصدهم، منذ أن قرروا القيام برحلة إلى المجهول، يبحثون فيها عن اللاشئ.
وأعود إلى تتمة ما قاله "نابوكوف"، الأدب عبارة عن ابتكار، والكتابة القصصية تنبع من الخيال وحده، أن يُقال عن قصة ما أنها حقيقية لَهُوَ إهانة للفن وللحقيقة في نفس الوقت، كل كاتب عظيم هو مخادع كبير، لكنه يواجه في غشه الطبيعة، الطبيعة أيضًا تخادعنا، من أصغر إشاعة تجري بيننا إلى الألوان المعقدة التي تحمي الطيور والحشرات، هناك في الطبيعة نظام مذهل من الأشياء الساحرة والخدع، الكاتب فقط يتبع إشارة الطبيعة.