عندما شرعت فى قراءة الرواية ووصلت إلى منتصفها ، شعرت أن أحداثها عادية جداً ، لم تضفى شيئاً جديداً ، كلنا يعلم أن فلطسين سلبت منا ، وأن اليهود بمعاونة إنجتلرا قاموا بتهجير الفلسطينيين عام 1948 م ، لكن ما إن وصلت إلى المنتصف ، كأنى ارتفعت من القاع إلى القمة فى لحظات ، ربما لم أشعر بنفسى ، وحتى أكون منصفاً لم أشعر بنفسى إلا وأنا أطوى آخر صفحة فى الرواية .
نظرتى للقضية الفلسطينية دائماً تتلخص فى أن القضية أكبر من أتحدث عنها ، فلسطين أكبر من حيفا ، أكبر من غسان ، أكبر من سعيد ، أكبر من صفية ، أكبر من خلدون وخالد ، فلسطين أكبر منا جميعاً ، لأننا فى نهاية المطاف كما قال سعيد " الإنسان هو قضية " .
استطاع غسان أن ينقلنى من هنا إلى هناك ، وكما كان بارعاً فى أن يسرقنى للحظات ، استطاع كذلك أن ينقلَ لى إحساسه ، فى الوقت الذى نقلَ لى إحساس سعيد بالشوق لخلدون وتطوقه لرؤيته ، وإحساسه بالرهبة والترفب وهو يسمع وقع أقدامه على الدرج ، وإحساس الدهشة والصدمة وهو ينظر لخلدون ( دوف ) وهو مرتدياً البزة العسكرية ، ثم إحساس السخرية من حاله بعد أن قال له خلدون " لماذا جئت تبحث عنى " ، ثم إحساس سعيد بانتصاره المصطنع على نفسه لما قال لخلدونأن خالد انضم لكتائب الفدائيين .
عبقرية غسان فى هذه الرواية بالنسبة لى هو قدرته الفذة أن ينتقل بك من السرد العادى فى البداية ثم تجده مرة واحدة يضعك فى مواجهة مباشرة مع الأحداث ، لتجد نفسك طرفاً فيها .
" لقد أخطأنا حين اعتبرنا أن الوطن هو الماضى ، أما خالد فالوطن بالنسبة له هو المستقبل ، هكذا كان الافتراق ، وهكذا أراد خالد أن يحملَ السلاح ..