" لماذا لم يدقّوا جدران الجزّان ! ، لماذا لم تدقّوا جدران الخزّان ، لماذا لم تقولواْ "
العبارات الأخيرة التى أنهى بها غسان قصته ، وهى العبارات التى أوضحت فكرتها ، حين يتسرب الخوف إلى القلوب ، ويجعلها أسيرة سجنه ، حينما تفتقد لأبسط حق من حقوقك وهو حقط فى أن تتكلم ، لن تتكلم كلاماً تملأ به الدنيا صخباً وعويلاً ، لكنّك تتكلّم لأنه يجبُ أن تتكلم ، لأن روحك صارت فى كفة ، وكلمتك صارت فى كفة ، وهنا لا يجب أن ترجح كفة وتسقط أخرى ، يجب أن تتكلم كى لا تموت ..
ما ضرّ أبا قيس ، وأسعد ، وقيس ، لو صرخوا ! ، لو تكلمواْ ، لماذا لم يصرخوا ، أهانت حياتهم عليهم إلى هذه الدرجة ، وفى سبيل ماذا ، فى سبيل أن ينتقلوا إلى دولة أخرى ، كى يعملوا ويأتوا بمال ليس بالمال الكثير ، أحلامهم بسيطة ، يريدون أن ينتقلوا من ضيق المخيمات ، إلى بيتٍ ذى سقف أسمنتى فقط .
غسان هنا ذهب إلى ما بعد الكلام ، الإسقاط هنا ليس بتلك البساطة التى تشيع فى ثنايا الكتاب ، غسان يتحدث عن أمة بأكملها ، أمة فقدت حقها بل حقوقها ، وكى نكون أدق فى كلامنا ، أمة لم تفقد حقوقها ، بل أمة انتُزعت حقوقها ، فصارت تبحث عنها حيث لا يجب ان تبحث ، صارت تتسول على موائد من سلبوها حقها ، هانت على نفسها ، فكان يجب أن تهان أكثر ، فقدت القدرة على العمل ، فقدت القدرة على الكلام ، فماتت ، ورُميت فى مقلب للقمامة حيث الجو المعبق بالقذارة والنتن .
فدقّوا جدرانَ الخزّان ، دقوا جدران الخزان بقوة ! ..