" إذا نظرنا إلى الثورة والدين من الداخل لا باعتبارهما عملية ولكن كجزء من الحياة ، فستبدو لنا كالدراما التى تؤثر فى الناس تأثير الأديان ، أما إذا نظرنا إليها من الخارج ، أى من وجهة نظر السياسة الواقعية ، فيمكن أن تتخذ صفة مختلفة وهدفاً مختلفاً
إن كلاً من الدين والثورة يولدان فى مخاض من الألم والمعاناة ويحتضران فى الرخاء والرفاهية والترف ، حياة الدين والثورة تدوم بدوام النضال والجهاد ، حتى إذا تحققا يبدأ الموت يتسرب إليهما ، ففى مرحلة التحقق فى الواقع العملى ينتجان مؤسساتوأبنية ، وهذه المؤسسات هى التى تقضى عليهما فى نهاية الأمر ، فالمؤسسات الرسمية لا هى ثورية ولا هى دينية "
فى نهاية أى عمل كهذا اخشى كثيراً أن أعر رأيى ، لأنى أخاف أن أبخسه حقه دونأن أدرى ، مع كاتبنا هذا أنا عاجز تمام العجز أن أعقب برأيي على عمله ، هى الحقيقة التى لا مزايدة فيها ، أنا لا أعرف على ماذا أعقب .. هل أعقب على بيجوفيتش الفيلسوف ، أم بيجوفيتش المحلل ، أم بيجوفيتش الناقد ، أم بيجوفيتش الرئيس ، أم بيجوفيتش القارئ المثقف ، أم بيجوفيتش الأديب ، لكن كل هذا تجمع بالفعل فى شخصيته ، فهو كاتب بعقلية فيلسوف ، ومثقف بعقلية أديب ، ومحلل بعقلية باحث .
عندما كنت أقرأ عنوان الكتاب كان يتبادر إلى ذهنى ، أن الكتاب ربما يتعرض إلى الأفكار الواردة إلينا منهم فحسب ، فهو يحاول أن يقدم فيها رأيه ويحللها بعقلية إسلامية ويهاجمها ، خصوصاً وأن تلك الأفكار بسببها ، حوربت بلده ، لكن موقفه كان أكثر إنصافاً ، فهو لا يهاجم لمجرد الهجوم ، بل يبحث ويقرأ ويحلل ، وبعد ذلك ينقد بناء على فهم ورؤية .
لكن ظنى كان خاطئاً ، هو تقريباً لم يتعرض لتلك الأفكار من الوجهة الدينية فحسب ، بل كان يعالجها من واقع الفكرة ذاتها ، فمثلاً عندما ينتقد الاشتراكية ، لا ينقد الاشتراكية بواقع ما كتب فى نقد الاشتراكية ، بل ينقد الاشتراكية بعقلية اشتراكية ، وعندما يهاجم نظرية التطور يهاجمها من خلال الفكر الداروينى ذاته ، عن طريق البحث عن خلل هنا أو خطأ هناك .
-------
فى البداية بدأ الكاتب يتحدث عن قضية نشأة الخلق والتطور ، وفيها تعرض لنظرية التطور وحاول بالأدلة العقلية أ يكشف ما بها من أخطاء فيقول :
" إن وضع لاإنسان البدائى هو الذى يفسر لنا ظهور المحظورات وأفكار النجاسة والسمو واللعنة والقداسة ، وغير ذلك من أفكار مماثلة ، فلو كنا حقًا أبناء هذا العالم ، فلن يبدو لنا فيه شئ نجس ولا مقدس .."
أما عن الثقافة فيقول " الثقافة تبدأ بالتمهيد السماوى ، بما اشتمل عليه من دين وأخلاق وفلسفة وستظل الثقافة تعنى بعلاقة الإنسان بتلك السماء التى هبط منها ، فكل شئ فى إطار الثقافة إما تأكيد أو رفض أو شك أو تأمل فى ذكريات ذلك الأصل السماوى للإنسان ، تتميز الثقافة بهذا اللغز ، وتستمر هكذا خلال الزمن فى نضال مستمر لحل هذا اللغز .. "
أما عن الحضارة فيقول " هى التغيير المستمر للعالم ، هى استمرار للتقد التقنى لا الروحى ، والتطور الداروينى استمرار للتقدم البيولوجى لا التقدم الإنسانى ـ وتمثل الحضارة تطور القوة الكامنة التى وجدت فى آبائنا الأوائل الذين كانوا أقل درجة فى مراحل التطور .."
تدور الجزء الأكبر من القسم الأول من الكتاب حول هذه المعانى ، عرض مفهوم الثقافة والحضارة ، والتطرق من خلال التعاريف إلى الأفكار التى تشتمل وتندرد تحت كل منهما ، فهو يتحدث عن الإمبريالية الغربية ، كعامل مهم من عوامل تغيير الثقافة فى العالم خصوصاً بعد الحربين العالميتين ، فكان أكثر كلام الكاتب عن النقد الذى يوجهه لتلك الأفكار .
من أكثر الأشياء التى أعجبتنى فى الجزء الأول من الكتاب ، هو إلمام الكاتب بالثقافة الغربية بالكشل الذى يجعلك تشعر أثنناء عرضه لهذا الفكر ، أنه من صانعى تلك الفكرة ، كأنه مؤمن بها إيماناً تاماً ، ومن ثم فعندما يتعرض لنقدها ، فتشعر بان حججه مقنعة إلى حد كبير ، بالدرجة التى لا تجعلك تشعر أن كلامه به مغالطات منطقية .
أما الجزء الثاةنى فالكاتب يتعرض لثنائية الإسلام ، فهو يرى أن كل فكرة فى الإسلام هى فكرة ثنائية ، فهى فكرة لخا جانب نظرى ، وفى ذات الوقت لها الجزء الذى لا ينفصل عنها ، وهو الجانب التطبيقى للفكرة ، فيقول :
" والإسلام بدون إنسان يطبقه يصعب فهمه ، وقد لايكون له وجود بالمعنى الصحيح "
وينقد التطبيق الظاهرى للإسلام ، والتغافل عن الجانب الداخلى ، وأسقط الأمر على الفرق الصوفية فيقول " إن الفلسفة الصوفية والمذاهب الباطنية تمثل على وجه اليقين نمطاً من أكثر الأنماط انحرافاً ، ولذلك يمكن أن نطلق عليها نصرنة الإسلام ، إنها تنكاس بالاسلام من رسالة محمد إلى عيسى "
وفى هذا الجزء يتتعرض لفكرة مهمة ، وهى فكرة القانون ، ويراها من أشد العلامات على إثبات وجود وكرامة الإنسان ، فكون إنسان يخطئ لابد وأنينال عقابه ، لانه هذا سيشعره بإنسانيته أكثر ، فى الوقت الذى يشن فيه الحرب على القوانين التى يكون غرضها ممالقة الأنظمة والتزلف لها فيقول :
" أما القانون الذى يعطى المواطن حق التصفيق وتمجيد الطبقة الحاكمة فليس قانوناً بل مسخرة "
كانت رحلة ممتعة وشيقة سعيد جداً أنى خضت هذه التجربة ..