هذا الكتاب هو بحث في إخراج جيل صلاح الدين وحركات الإصلاح التي أخرجته
يستهل الكاتب هذا البحث بعرض التكوين الفكري للمجتمع الإسلامي قبيل الهجمات الصليبية من صراع مذهبي وانقسام للصوفية و... وآثار هذا الفكر المضطرب في المجتمعات الإسلامية اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً
بعدها يبدأ بعرض المرحلة الأولى لحركة التجديد والإصلاح والمتجسدة بالمحاولات السياسية أولاً وبالمدرسة الغزالية ثانياً ومن بعدها انتشار حركة الإصلاح والتجديد حيث مثّل هذه الحركة المدرسة المركزية وهي المدرسة القادرية بالإضافة إلى مدارس النواحي والأرياف والبوادي. حيث كان التنسيق بين مدارس الإصلاح وتوحيد مشيخاتها الدور الكبير في إخراج أمة المهجر (الدولة الزنكية) وقد أفرد الكيلاني باباً كاملاً للحديث عن هذه الدولة وسياستها في الإصلاح والتجديد كما قام أيضاً بتقويم مدارس الإصلاح والتجديد والمصير الذي انتهت إليه.
وأخيراً أفرد الكاتب باباً خاصاً ليعرض بعض القوانين التاريخية التي ارتآها مع تطبيقاتها المعاصرة.
لا شك أن البحث متميز والفكرة التي جاء بها الكاتب هنا فكرة جوهرية فعلاً تستأهل التأمل والتفكير والدراسة للاستفادة منها في عصرنا الحالي.
فعلى عكس الدراسات المعتادة والتي تعتمد على التأريخ الفردي والتركيز على صلاح الدين كشخص، عمل الكاتب هنا على إظهار الطابع الجماعي لجيل صلاح الدين بأكمله.
لكني أعيب على هذا الكتاب عدة نقاط وهي:
1- إسهابه في الحديث عن مدرسة الغزالي والمدرسة القادرية على نحو لا يسهم ولا يفيد كثيراً في موضوع البحث
2- نقده اللاذع للفلسفة، لا شك أن الفلسفة مثلها كمثل أي علم آخر، للباحث فيها أن يسلك أحد الطريقين، إما الطريق الذي لا يتنافى مع العلم والشريعة بل يؤيدهما، أو أن يسلك طريقاً معاكساً للأول
لكن الكاتب هنا يرى الفلسفة شراً وبلاءاً عظيماً، ففي معرض حديثه عن تحديات الفلسفة والفلاسفة يذكر أن الفلسفة ككل اتخذت طابع تحدي العقيدة وفكرة النبوة في الإسلام، كما أن الغزالي عمل على نفي الفلسفة من مدرسته ونحن نعلم حقيقة كونه فيلسوفاً، الأمر الذي يخالف اعتقاد الكاتب باتجاه الكاتب ككل نحو تحدي العقيدة.
3- في باب القوانين التاريخية استمد الكاتب من تلك الحقبة بعض القوانين بغرض تطبيقها في عصرنا الحالي لكن هناك بعض الأمور التي ذكرها الكاتب في قوانينه ولا تصلح للتطبيق في عصرنا، مثال ذلك تحريم الغزالي الصلاة في المساجد أو الانتفاع بالمرافق العامة التي بناها السلاطين الظلمة.
4- لقد ذكر الكاتب أنه في القرآن يتم ذكر كلمة امرأة فلان عندما لا يكون هناك تكامل بينهما مثل امرأة نوح، امرأة لوط وحتى امرأة فرعون حيث أن كل منهما يسلك طريقه الفكري باتجاه يختلف عن الآخر، وتم ذكر كلمة زوجة حين يكون هناك تكامل بين الزوجين مثل زوجة النبي محمد مثلاً
لكن في سورة هود، الآية 71، تم ذكر امرأة ابراهيم "سارة" (وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ)
فهل سيدنا إبراهيم لم يكن على وفاق فكري مع زوجته فيما يخص العقيدة أم أن الكاتب قد أخطأ في التأويل؟