شروط النهضة (مشكلات الحضارة) > مراجعات كتاب شروط النهضة (مشكلات الحضارة) > مراجعة عبد مجاهد الفتاح

شروط النهضة (مشكلات الحضارة) - مالك بن نبي
أبلغوني عند توفره

شروط النهضة (مشكلات الحضارة)

تأليف (تأليف) 4.1
أبلغوني عند توفره
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
5

تمكن مالك بن نبي بثقافة منهجية أن يضع يده على أهم قضايا العالم المتخلف، فألف سلسلة كتب عنونها بعنوان "مشكﻻت الحضارة"، فكان أول مفكر حاول أن يحدد ليس فقط أبعاد المشكلة بل حدد لنا ايضا العناصر اﻷساسية في اﻹصﻻح بعيدا عن العوارض... فﻻ يمكن الحديث عن الحضارة والنهضة دون ذكر مالك بنبي، وكتابه الذي بين أيدينا "شروط النهضة" يعد كتابا مؤسسا لمشروع مالك بن نبي الفكري، وفي هذه اﻷسطر القليلة التي ﻻ يمكن أن تفيه حقه، وأتمنى أن تجد وقعها لدى القارئ...

في هذا الكتاب حيث يتحدث عن الحاضر والتاريخ والمستقبل فيبدأ بأنشودة رمزية قل ما نجدها في الكتب الفكرية، فيرسم لنا بن نبي في الباب الاول دور اﻷبطال واﻷفكار السياسية والوثنية في إحداث حركات التغيير. فكان دور الشعوب اﻹسلامية تجاه الزحف اﻹستعماري دورا بطوليا ليس الا، وهذا الدور من طبيعته أﻻ يلتفت إلى حل المشاكل التي مهدت لتغلغل الاستعمار داخل البلاد. فجوهر مشكل كل شعب هي في الحقيقة في مشكلة حضارته، وﻻ يمكنه أن يفهم وأن يجد حﻻ لمشاكله مالم يتعمق في فهم العوامل التي تبني الحضارات أو تهدمها.

كما كان للبطولة دورا مهاما مع كل من اﻷمير عبد القادر بالجزائر وعبد الكريم الخطابي بالمغرب، والتي تتمثل فقط في جرأة فرد وليس في ثورة شعب في قوةرجل ﻻ في تكاثف مجتمع، فقد كانت كلمة جمال الدين اﻷفغاتي الوقع البليغ و عامﻻ محفزا ﻹثارة النفوس وتغيير اﻷوضاع، حيث أحييت النفوس الميتة وزرعت بذور فكرة بسيطة -النهوض- الكلمة التي غيرت ما بنفوس من تقاليد بالية وبعثت الحركة في كل مكان حتى وصلت للجزائر... فكانت الساعة ساعة اليقظة مع كلمات الجزائري عبد الحميد بن بديس (والذي اعتبر بن نبي أمثالهم مقلقي النوم العام) فشاعت اﻷفكار وانطلقت في صورة مدرسة أو مسجد أو حركة إصﻻحية... بحيث كان أساس منهجهم "إن الله ﻻ يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" فأضحت هذه اﻵية هي منطلق لكل من يسلك اﻹصﻻح خاصة في مدرسة بن باديس.

ويظهر جليا خطورة اﻹستصنام أو الوثنية بقوله "عندما تغرب الفكرة يبرز الصنم" فالوثنية في نظر الاسﻻم جاهلية فان الجهل في حقيقته وثنية، ﻷنه ﻻ يغرس اﻷفكار بل ينصب أصناما وهذا هو شأن الجاهلية. فبعدما كانت الجزائر تخطوا أولى خطواتها نحو التغيير ونزع ثوب الدروشة التي قامت في في الزواية والاضرحة بالتماس البركات واقتناء الحروز من خﻻل الفكر الاصﻻحي ظهرت الوثنية من جديد وبشكل مغاير فسرعان ما عادت من جديد لفصول الدروشة جديدة فتحولت الحروز والتمائم إلى أوراق انتخابية فخطى العلماء خطوتهم نحو السراب السياسي ونسوا أن الحكومة ما هي الا وسيلة اجتماعية...

وينقلنا من التكديس إلى البناء ويحدثنا عن شروط الدورة الخالدة وعناصرها وتوجيهها ومبدئها الأخلاقي وذوقها الجمالي في بناء الحضارة، والاستعمار والشعوب المستعمرة والمعامل الاستعماري ومعامل القابلية للاستعمار، كل ذلك وغيره في الباب الثاني من كتابه شروط النهضة فهو يتجه نحو -المستقبل- فلم أجد أجمل من توصيف وتشبيه مالك للعالم اﻹسلامي بالمريض داخل صيدﻻنية، فيعالجه السياسي بما يظهر له من أعراض سياسية -كجمال الدين اﻷفغاني- وكذلك الفقيه بما يظهر من أعراض عقائدية -محمد عبدو- فهو بالتالي كمن يتعاطى حبة ضد الجهل وحبة ضد الفقر وقرصا ضد اﻹستعمار ..، في نظره ﻻ يوجد خط ناظم يذهب إلى أصل ومكمن الداء... في الوقت الذي استسلم فيه المريض للمرض وفقد معه الشعور باﻵﻻم، وكأن المرض صار يؤلف جزء من كيانه، وهذا المريض نفسه يريد ان يبرأ من آﻻمه الكثيرة وهو ﻻ يعرف حقيقة مرضه هل من الاستعمار ونتائجه، أم من الأمية ومشاكلها، من الفقر والتهميش أو من ظلم وقهر اﻹستبداد... فقد اتجه العالم اﻹسﻻمي إلى صيدلية الحضارة الغربية من أجل الشفاء من مرض ﻻ يعرفه وﻻ يعرف دواءه، معتبرا بأن الحضارة الغربية يمكن لها أن تبيع منتوجاتها لكن ﻻ يمكن أن تمنحنا روحها فهي تعطينا جسدها ﻻ روحها...

ويخلص إلى أن كل نتاج حضاري هو مزيج بين اﻹنسان والتراب والوقت، وﻻ يمكن لهذه العناصر الثﻻث أن تقوم إﻻ برابط وحيد وهي الفكرة الدينية...، لدى فإن مشكلة الحضارة تتحلل الى ثﻻث مشكﻻت أساسية -اﻹنسان، التراب والوقت-

الناتج الحضاري = اﻹنسان + التراب + الوقت.

1- مشكلة اﻹنسان: لتحقيق أي تغيير في محيطنا يجب أن يتحقق في أنفسنا، فمنهج الرسالة يقتضي التغيير وبدوره يقتضي تغيير ما بالنفوس لقوله تعالى "إن الله ﻻ يغير ما بقوم حتى يغيرو ما بانفسهم"، فالانسان هو الهدف وهو نقطة البدء في التغيير والبناء،.

2- التراب: حينما يتكلم بن نبي عن التراب فهو ﻻ يبحث في خصائصه وﻻ طبيعته، بل يتكلم عن التراب من حيث قيمته اﻹجتماعية، وهذه القيمة مستمدة من قيمة مالكيه، حينما تكون قيمة الامة مرتفعة وحضارتها متقدمة، يكون التراب غالي القيمة، بينما تكون الامة متخلفة يكون التراب على قدرها من الانحطاط، وذلك بسبب تاخر القوم الذين يستوطنونه.

3- الوقت: العنصر الثالث شبهه الكاتب كنهر صامت نتناسى قيمته الحضارية في ساعات الغفلة التي ﻻ تعوض، ... هذه الساعات التي تصبح تاريخا هنا وهناك قد تصير عدما إذا مرت فوق رؤوس ﻻ تسمع خريرها، ﻻ تستطيع اي قوة في العالم ان تستعيد دقيقة اذا مضت.

وفي نهاية الكتاب يتطرق الى مسألتين مهمتين اﻷولى اﻹستعمار والقابلية للإستعمار -وقد أبدع مالك في مفهوم القابلية للاستعمار- فالاستعمار باعتباره معاملا خارجيا لكنه يؤثر فينا داخليا هذا المعامل الذي استغله المستعمر ليكون عند العرب عقدة نقص من قيمته رغم شخصيتت الفدة والعبقرية فنتج عنه لدينا معامل آخر وهو قابليتنا للاستعمار ﻷن المستعمر أدرك فينا مواطن الضعف فسخرنا -نحن- لما يريد فحعل منا ابواقا يتكلم منها وأقﻻما يكتب بها، يسخرنا ﻷغراضه بعلمه وجهلنا... أما النسألة الثانية المهمة مشكلة التكيف، ﻷن الحياة اﻹجتماعية تخضع ميكانيكيا لقانون رد الفعل واﻹستعمار وهو فعل المدنية تسلطت به الشعوب، فﻻ غرابة أن يكون لذلك الفعل ردا وله صور مختلفة ومتعددة، فكانت النتيجة فقدان التوازن بالمجتمع وعدم استقراره فهنالك من يرى المدنية في التحرر، وآتر في معركة اقتصادية، ومنهم سلفي يعتقد ان تغيير النظام بتغيير مﻻبسه وتطهير لغته، رابع يذهب ان المثل الأعلى للمدنية يبرق في كأسه ويلمع في الخمارة وخامس سراها في تحرر المراة والمقتنع بحاله ﻻ يرى شيئا وﻻيبحث، هذه وجهات متعددة دليل على درجات معددة من التكيف مع محرى الحضارات، ومن الواكب أﻻ توقفنا أخطاءنا عن السير نمو الحضارة اﻷصلية فالحياة تدعونا دائما إلى السير للأمام، شرط أﻻ يكون السير فوضويا عشوائيا، بل علميا عقليا مدروسا يتجه نحو التاريخ اﻹنساني...

Facebook Twitter Link .
3 يوافقون
1 تعليقات